د. جمال زهران النظام الانتخابي حائر في مصر قبل الثورة وبعدها بدون مبرر. والتفسير عندي ان الذين يتلاعبون بهذا النظام من ذوات سوء النية بهذا الوطن، وتغلب عليهم المصالح السياسية ضيق الأفق علي حساب المصالح العامة للوطن. وفي تقديري ان جودة النظام أو فعاليته لا يقاس بهذا النمط أو ذاك، ولكنه يقاس بمدي تجاوب هذا النظام الانتخابي مع الثقافة السياسية السائدة في المجتمع. فالشعب هو مصدر السلطة، وان السيادة للشعب، وبالتالي فإن التحايل علي الشعب بتصدير نظام انتخابي معين إليه، هو انتهاك لهذه السيادة ولإرادة الشعب. فالنظم الانتخابية عديدة وتتمحور حول ثلاثة نظم كبري هي: نظام الأغلبية (الفردي)، ونظام القوائم بمختلف أنواعها، ونظام مختلط يجمع بين القائمة والفردي، بمختلف أنواعه. وسبق أن أوضحت تفاصيل كل من هذه الأنظمة في هذا المكان وغيره، وقد أكدت ان أسوأ الأنواع الثلاثة هو النظام المختلط، وان الدول وهي قليلة، التي تأخذ به تتراجع عنه. وعندما أخذنا به في مصر عام 4891، ثبت عدم دستوريته، وعندما أخذنا به عام 7891، ثبت عدم دستوريته، وصدر حكمان بحل البرلمان (مجلس الشعب) في عامي 7891 و0991. وعندما قامت الثورة في 52 يناير 1102، كان كل أملنا أن يستمر النظام الفردي بضوابط حاسمة وبتوزيع دوائر مختلف يراعي المعايير المستقرة في مقدمتها العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والتلاحق الجغرافي وشكل الدائرة.. الخ، أو يتغير إلي نظام القائمة النسبية المفتوحة والمحدودة لدعم الأحزاب وتشجيعها، وقد حذرنا من النظام المشئوم الذي يجمع بين »القائمة والفردي«، حيث سيترتب عليه حل البرلمان. ولكن أصحاب النوايا السيئة الذين طرحوه والذين وافقوا عليه من خلف ظهر القوي الثورية، واستقروا علي الأخذ بنظام ثلثي المقاعد للقوائم الحزبية، وثلث المقاعد للفردي (سواء أكانوا مستقلين أو حزبيين)، الأمر الذي أخل بمبادئ المساواة وتكافؤ الفرص، وأدي إلي تكوين مجلسي الشعب والشوري، بطريقة باطلة، وصدر بشأن الأول حكما من المحكمة الدستورية في 41/6/2102 ببطلان النظام الانتخابي وعدم دستوريته، وحل المجلس كله، وفي الطريق حل مجلس الشوري، ليثبت ان الذين اختاروا هذا النظام يعملون ضد الثورة بإشاعة مناخ عدم الاستقرار والفوضي في تكوين مؤسسات باطلة، وخداع الشعب بدفعه للمشاركة في عملية انتخابية علي أساس نظام انتخابي غير عادل، وباطل أساسا. وثبت أيضا ان هؤلاء لا يستفيدون من التجارب السابقة التي مررنا بها وكذلك عدم الاستفادة من تجارب الآخرين. وقد ورطوا الشعب والثورة والوطن كله في مأساة الهدف منها اجهاض الثورة واخمادها في نفوس الشعب، تأكيدا لاستمرار نظام مبارك وسياساته وأغلب رموزه. ولم يتوقف هؤلاء عن التآمر، حتي بعد حل مجلس الشعب، والشوري في الطريق للحل، بل يطرحون الآن استمرار نظام الجمع بين القائمة والفردي وذلك بالتساوي بينهما. أي اعطاء المرشحين علي القائمين للأحزاب فقط وبنسبة 05٪، والمرشحين علي المقاعد الفردي من المستقلين فقط وبنسبة 05٪، وهو ذلك النظام المطعون في دستوريته نظرا لعدم وجود مرجعية للعضوية في الأحزاب لدي جهة محايدة فمن يضمن ألا يكون المرشح المستقل عضوا في حزب ما أو استقال علي الورق؟! ويكفي مثال التحايل والذي يستحق التحقيق بتهمة التزوير والتلاعب في إرادة الشعب، من رشح نفسه علي رأس دائرة قصر النيل في قائمة حزب الحرية والعدالة باعتباره حزبي، ثم بعد النجاح قال انه مستقل حيث استقال من حزب الوفد الذي انسحب من قائمة التحالف مع الإخوان، فكيف للمستقل أن يترشح علي رأس قائمة الحرية والعدالة بدون عضوية الحزب؟! والأمثلة عديدة بالنسبة لمن ترشحوا علي المقاعد الفردية. وفي ضوء ما سبق فإن القول الحاسم الذي يرعي الصالح العام وينشد الاستقرار، هو الأخذ بنظام انتخابي واضح إما فردي وإما بالقائمة فالنظام الفردي معمول به في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفي بريطانيا، وفي عدد كبير من دول العالم الديموقراطية، وناجح جدا وليس مرفوضا من شعوب هذه البلدان، ويستحيل إعادة النظر فيه أو تغييره نظرا لتعود الشعب عليه. وهذه البلدان الديموقراطية بها أحزاب قوية ولا تطلب نظام الانتخابات بالقائمة الذي تنشده الأحزاب من بقايا النظام السابق لكي تستمر ويستمر معها فكر نظام مبارك في مصر. ومن ثم ليس هناك ربط بين النظام الانتخابي والنظام الحزبي الذي يروج له البعض. حيث يري البعض ان آلية تقوية الأحزاب السياسية هي الأخذ بنظام القائمة المفتوحة وعلي مستوي الجمهورية، وهو قول خاطئ كما سبق أن أشرت. وفي تقديري وللمرة الألف، ان النظام الأمثل هو نظام القائمة الأقرب إلي النظام الفردي وسبق ان شرحته في أكثر من مقال وفي وسائل الإعلام وهو: نظام القائمة النسبية والمفتوحة والمحدودة. فالقائمة النسبية: تعني حصول كل قائمة علي مقاعد توازي نسبة ما تحصل عليه القائمة من أصوات دون اهدار باستثناء الكسور. والقائمة المفتوحة: تعني اتاحة الفرصة للحزبيين.. والمستقلين والمتحالفين أن يترشحوا بقائمة ويثبت أمام كل مرشح صفته الحزبية أو المستقل ويعني ذلك ان الحزبيين لهم أن يترشحوا في قائمة مستقلة لكل حزب علي حدة وللمستقلين قائمة أيا كان عددهم، وللأحزاب معا أو الأحزاب مع المشتغلين أن يشكلوا قائمة دون أن تستكمل بجميع العدد المطلوب ترشيحه. والقائمة المحدودة: أي يتم عمل قائمة في منطقة معينة أكبر من مناطق الدوائر الفردية وأصغر من المحافظة كاملة (أي كجزء منها أو كلها في حالة المحافظات الصغيرة)، وليس هناك شرط الحصول علي نسبة معينة علي مستوي الجمهورية. وقد تصل القائمة المحدودة لتشمل نحو ثلاثة دوائر بالنظام الفردي السابق (قبل الثورة). وفي ضوء ذلك، يمكن تقسيم الجمهورية إلي نحو (57) دائرة وفقا لمعياري عدد الناخبين ومراكز الشرطة، ويمثل كل دائرة نحو (6) مرشحين، قد تصل إلي (4) في بعض المحافظات وقد تصل إلي (6) في أخري، بشرط عدم تراجع مكتسبات كل محافظة عما كانت عليه وفقا للنظام الفردي السابق، ليصل عدد أعضاء مجلس الشعب نحو (054) عضوا فقط. وبالمناسبة هذا النظام تمت صياغته في مشروع قانون متكامل لمجلس الشعب فقط، جاهز للتوقيع عليه، وسبق أن تمت مناقشته والموافقة عليه من جميع القوي السياسية بما فيها الإخوان المسلمين، وكذلك المجلس العسكري، لكن المؤامرة ضد الثورة هي التي أجهضت هذا المشروع. أما البديل لذلك فهو الأخذ بالنظام الفردي الذي كان معمولا به، بشرط إعادة رسم الدوائر الانتخابية وفقا للمعايير السابق شرحها، وذلك بعد التوافق الذي يصل إلي حد الاجماع بإلغاء نسبة ال05٪ للعمال والفلاحين. وحاليا فإنني أقوم بإعداد خريطة جديدة للدوائر الانتخابية سواء تم الأخذ بنظام القائمة المفتوحة والمحدودة والنسبية، أو تم الأخذ بنظام الفردي، لمن يريد أن يستفيد ويفهم. أما الاصرار علي الجمع بين الفردي والقائمة أيا كان الشكل والنسب فهي قمة المؤامرة علي الثورة والشعب. ولازال الحوار متصلا ومستمرا، الثورة مستمرة، وإنا لمنتصرون.