محمد الشماع شيء جميل أن يشترك المجتمع في تحديد المشاكل الضاغطة والبحث عن حلول دون أن ينفرد حزب واحد أو تنفرد الحكومة بالتصور والقرار، وشئ جميل أن يكون لدينا خطة للمستقبل تتوقع التطورات وتقترح الحلول بدلا من الانتظار حتي تتراكم المشكلات ثم نبدأ في البحث عن حلول متأخرة تكلفنا أضعاف ما يمكن أن تتكلفه الخطط الاستباقية التي تمنع حدوث المشاكل والأزمات. أبرز مثال علي الاهدار هو الأموال التي تنفق علي تطوير العشوائيات وهذه ليست دعوة لتوقف تطوير العشوائيات او تحسين ظروف الحياة فيها، ولكن الافضل ألا تبدأ العشوائيات من الاساس ثم نكتشف بعد ان تقع الفأس في الرأس أنه قد أصبح لدينا حي كبير هنا أو هناك، يفتقر الي الخدمات الاساسية من مدارس ومستشفيات ومراكز شباب، والأدهي اننا نكتشف عدم وجود قطعة أرض واحدة خالية لاقامة هذه المنشآت عليها، او شارع واحد يتسع لمرور عربات الاطفاء والنجدة في أوقات الخطر، فنضطر الي هدم بعض المساكن لتوسيع شارع او لاقامة مدرسة او مستشفي او حديقة. إن حل مشاكل القاهرة يبدأ من خارجها، وهذا هو الاتجاه السليم الذي كان يجب البدء فيه منذ سنوات طويلة، وقد ثبت ان محاولة علاج مشكلات القاهرة من داخلها هو نوع من الهروب الي الامام وإهدار لأموال بلا فائدة، تتعقد مشكلات المرور في منطقة فنلجأ الي الحل الأسهل وهو اقامة كوبري يتكلف مئات الملايين وينقل الزحام من منطقة الي أخري، الآن الواقع يقول ان القاهرة الكبري اصبحت اكبر من اللازم وينبغي ان يتوقف نموها العمراني عند هذا الحد، وهذه الفكرة كانت مطروحة منذ سنوات، ولكنها كانت تطرح من خلال حلول غير معقولة وغير منطقية، فهناك من طرح اعلان القاهرة منطقة محظورة علي العمران، بل ان البعض اقترح استخراج تصريحات اقامة خاصة بالقاهرة، لمنع الهجرة من الاقاليم إليها! وهذا حل مضحك حيث لا يمكن ان تعامل القاهرة وكأنها دولة داخل الدولة، ومن غير المعقول ان تكون هناك مناطق داخل مصر ممنوعة علي المصريين، أو يحظر عليهم دخولها، ولكن الحل المنطقي في حزمة الحوافز وأحد الحلول منها تنمية الصعيد وهي أحد الوسائل المختلفة لوقف الهجرة طوعيا الي العاصمة. الحل الآخر هو مواصلة الاهتمام بتنمية القري المصرية والسير قدما في اعلان مخططاتها العمرانية والاهتمام بانشاء القري الجديدة بالظهير الصحراوي والمدن الجديدة لتكون منطقة جذب سكاني، وهذا الاجراء هو جزء آخر من البحث عن حلول للقاهرة وفي نفس الوقت حلول للمناطق الأخري. الموضوع سبق دراسته وتشير الأرقام الي ان سكان القاهرة كان عام 0091 لم يتعد عددهم المليون ونصف المليون مواطن، ارتفع الي خمسة ملايين عام 0591 وقفز الي 5.31 مليون مواطن عام 0002 وطبقا لمعدلات الزيادة السكانية فمن المتوقع ان يرتفع العدد الي 82 مليون مواطن عام 4202، وهو ما يجب العمل بسرعة لمنع حدوثه لأن وجود هذا العدد في مدينة واحدة سيجعل الحياة في القاهرة مستحيلة ويضاعف من الاهدار الموجود حاليا. حيث نخسر الملايين من ساعات العمل يوميا بسبب زحام المرور ومضاعفة الوقت الذي يقضيه المواطنون في الطريق الي العمل ذهابا وايابا بالاضافة الي مضاعفة استهلاك الطاقة التي تعني بصورة تلقائية مضاعفة نسبة التلوث ومضاعفة تكاليف العلاج التي تنشأ عن هذا التلوث، هذا اذا تغاضينا عن اضرار كثيرة مثل تدهور الصحة النفسية بسبب الزحام وتدهور وضع القاهرة السياحي. التنمية المتوازنة هي احدي سمات المجتمعات المتقدمة وفي اوروبا لا يزيد حجم العاصمة كثيرا عن المدن الأخري واحيانا تفوق بعض المدن اعداد العاصمة، وهذا الفرق نراه في بلد مثل ايطاليا، حيث يزيد عدد سكان ميلانو عن سكان روما بضع مئات من الآلاف، علما بأن كلا من المدينتين يدور عدد سكانهما حول الثلاثة ملايين نسمة فقط، بينما يتوزع باقي السكان علي القري والمدن الاخري، حيث تشتهر كل مدينة بنوع معين من الخدمات والصناعات باستثناء المدن السياحية، التي يتم الحفاظ علي اثارها بالتقليل قدر الامكان من المشروعات الصناعية التي يمكن ان تؤثر بالسلب علي البنية السياحية، وعلينا عند التخطيط لاعادة توزيع سكان مصر »إذا أردنا« ان نستفيد من تجارب مثل هذه الدول، وان نعمل علي اختيار المشروعات المناسبة لكل مدينة ولكل قرية من القري الجديدة التي نخطط لانشائها في الظهير الصحراوي.. فالنشاط الاقتصادي لكل مدينة هو الذي يجعل عملية التعمير ممكنة لأن المدن ليست أماكن للاقامة او المبيت فقط وعلينا ان نستفيد من تجاربنا ايضا في هذا الاطار، فلقد اثبتت التجارب ان المجتمعات العمرانية الجديدة حول القاهرة، بما في ذلك مدينة 6 أكتوبر تحولت الي مجرد ثكنات يغادرها سكانها في الصباح ليساهموا في زحام قلب القاهرة، ويتكرر ذلك في المساء بعد العودة. سيكون من الافضل لو انه تم طرح هذه القضية للمناقشة العامة وان يجعل ذلك متاحا لكل المواطنين من خلال صفحة خاصة علي الموقع الاليكتروني للحكومة الجديدة، ومن هذا المنطلق اتمني ان يدرس بعناية كبيرة المقترح الخاص باستخدام طريقي القاهرة - الاسكندريةوالقاهرة - الاسماعيلية كمحورين جديدين للتنمية واعتقد ان التجمعات العمرانية التي يمكن ان تساهم في حل المشكلة يجب ان تكون بعيدة بمسافات كافية بحيث تمنعها من الالتصاق بالقاهرة الكبري، وفي كل تجارب المدن الجديدة السابقة تنفرد مدينة العاشر من رمضان بأنها الوحيدة التي اصبحت مدينة مستقلة ومجتمعا متكاملا قائما بذاته لا يصدر مشاكله الي العاصمة وهذا يعود الي أمرين: أولهما: ان تخطيط المدنية بدأ بالمصانع قبل المساكن. والثاني: انها بعيدة بمسافة كبيرة عن القاهرة تحول دون تحويلها الي ثكنة ليلية. هذا التفكير في انشاء مجتمعات جديدة مستقلة وفي تطوير المجتمعات القائمة وتحسين الخدمات في الريف هو جزء من حل المشكلة والجزء الاخر سيكون داخل القاهرة نفسها بوضع مخطط عمراني جديد يحدد التصورات المستقبلية للمدينة خلال الخمسين عاما القادمة مع استمرار تطوير العشوائيات وتحسين ظروف الحياة بها. لقد تم تطوير العشوائيات في اكثر من منطقة بالقاهرة اصبحت الحياة فيها افضل واكثر انسانية مثل منطقة زينهم التي تحولت الي بيئة حضارية ينعم سكانها بكل مقومات الحياة الانسانية الكريمة بعد ان وضعت مخططات لمناطق خدمية ومحال تجارية ومراكز للتدريب علي الحرف التراثية، الي جانب هذه المنطقة عزبة الوالدة والمعصرة ومنشأة حلوان. اذا استطعنا تعبئة الجهود التنفيذية والأهلية نستطيع ان نحول وجه الحياة في هذه المناطق العشوائية وننشئ مساحات خضراء بها واندية اجتماعية وصالات للانشطة ومراكز شباب حتي نثبت قدرة ابناء مصر علي تغيير وجه الحياة للأفضل. واذا ما بدأت هذه الجهود وتواصلت لاصلاح ما أفسده الإهمال وانعدام التخطيط، نتمني ان توقف هذه التوجهات ظاهرة العشوائيات والا تعود مناطق عشوائية جديدة لكي تدخر جهودنا من اجل التقدم الي الامام في مسيرة متكاملة للاصلاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. أما حل المشاكل بالقطاعي باليوم والشهر لم يعد كافيا فزحام القاهرة الخانق اصبح مستحيلا والجميع يلاحظ تردي حالة المرور بطريقة غير مسبوقة ومع ذلك ليس هناك من يعطي اجابة شافية علي درجة الزحام التي فاقت كل الحدود واجمع كل الخبراء علي ان المائة يوم المخصصة لحل المشكلة بالتوازي مع مشاكل الأمن والوقود والخبز والنظافة لا تكفي خاصة بعد مضي ما يقرب من ثلث المدة ولم تنفرج مشكلة واحدة من المشاكل الخمسة التي تم ترحيلها الي الحكومة الجديدة لحلها خلال السبعين يوما الباقية!