مكة ما قبل الإسلام كانت مقسمة إلي طبقتين لا ثالث لهما.. طبقة السادة والأشراف التجار الموسرين محتكري البضاعة الآتية من كل حدب وصوب حيث تحج القبائل من اليمن جنوبا ومن الشام شمالا إلي الكعبة.. لتتضافر عوامل الدين والتجارة والمكسب السهل الكثير يصب في جيوب هؤلاء الأشراف.. أما الطبقة الثانية فهي طبقة العبيد والشغيلة بلغة هذا العصر.. السادة والعبيد. الباشوات وخدامهم.. فلما جاء الاسلام هدي ورحمة للعالمين جاء بمبادئ ترفض كل هذا التفاوت الطبقي المقيت.. ترفض منطق السادة والعبيد.. جاء بشعارات تحض علي تساوي الرؤوس.. وأنه لا فضل لعربي علي أعجمي إلا بالتقوي.. الناس متساوون كأسنان المشط.. ببساطة جاء بثورة اجتماعية حررت الناس من دعاوي كاذبة عن شرف الأشراف ونجس العبيد وبهذه المفاهيم وغيرها ومع قيادة كالرسول الكريم تملك كل المقومات الإنسانية الرائعة والمبهرة والجاذبة للقلوب والعقول معا ثم اتبعه الخلفاء الراشدون أبوبكر والفاروق عمر وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب المكرم الوجه فانتشر الاسلام وسادت الدولة الاسلامية نصف الكرة الأرضية، فإذا انتقلنا إلي مصر ما قبل ثورة 32 يوليو فالحال كان طبقيا كحال مكة قبل الاسلام طبقة الباشوات والسادة ذوي الدم الأزرق النبيل القادم من تركيا وبلاد الأناضول حيث الخلافة الاسلامية المزعومة ومن يتبعهم من بعض المصريين الموسرين وأغنياء الحرب والأجانب المحتمين في ظل الاحتلال البريطاني والمحاكم المختلفة والأنشطة المشبوهة والدولة داخل الدولة كهيئة قناة السويس مثلا لا حصرا. والطبقة الثانية هي طبقة غالبية المصريين الفقراء الذين يعيشون علي الفتات ويمشون حفاة عراة »بالمناسبة كان هناك مشروع اسمه محاربة الحفاء« وجاءت الثورة وكان أول ما فعله قائدها عبدالناصر ان أخذ من الاقطاعيين أراضيهم الشاسعة التي وزعها عليهم ملوك الأسرة الحاكمة حينذاك وردها إلي الفلاحين المعدمين.. ثم توالت انجازاته مشهدا تلو الآخر.. تأميم القناة تمصير الشركات.. بناء السد العالي.. قيادة العالم الثالث من القاهرة التي كانت عاصمة العالم الحر قوة ناعمة انتشرت في افريقيا والعالم العربي.. أعلي معدل نمو اقتصادي في تاريخ مصر ودول العالم الثالث من سنة 0691 إلي 7691 وقد بلغ 5.6٪ حسب تقارير البنك الدولي في ذلك الوقت- أليس هذا هو الاسلام الحقيقي في مغزاه ومعناه الاجتماعي ان تملك بقدرات بلدك ان ترفع الظلم عن الكادحين ان تقرب بين الطبقات.. ان تكون كحاكم نزيها طاهرا شريف اليد فلماذا إذن يتهمونه بأنه حارب الاسلام، امنع احدا من دخول المسجد؟! لقد زادت عدد المساجد التي بنيت في عصره اكثر مما بني في كل عصور الدولة التركية منذ محمد علي.. وأصبح الأزهر الشريف بحق منارة للعلم.. وأنشأ مجمع البحوث الاسلامية ومدينتها يأتي إليها المسلمون الأفارقة من كل الدول ليتعلموا معني الاسلام الصحيح.. أما الرجل نفسه فقد طبق مفاهيم الاسلام علي نفسه وعائلته فلم نعرف عنه سرقة مال عام أو اسرافا وحج بيت الله دون تزيد أو منظرة اعلامية. فلماذا يعتبره الإخوان عدوا للاسلام؟! إلا إذا كانوا يعتبرون أنفسهم وسيد قطب هم الاسلام- ورغم رفضي واستنكاري التام لكل ما حدث من سجن وتعذيب في عهده ولكن المغالطة انهم يحاولون الايحاء ان التعذيب كان للإخوان فقط وهذا غير صحيح لقد عذب وسجن الشيوعيين في عصره ولكن الفارق انهم يقيمون التجربة الآن ككل بأنها كانت - الناصرية- تجربة رائدة وايجابية لعموم المصريين الفقراء، أما الإخوان فيعتبرونه عدوهم اللدود وهذا حقهم ولكن حقنا أيضا ان نقول ان الصراع بينهم وبين ناصر لم يكن من أجل الدين ولا الاسلام ولكنه صراعا علي السلطة.. صراع سياسي وليس دينيا فلا تخدعوا الناس وتصوروه كافرا، لقد ادي ما عليه تجاه شعبه ولم يكن أبدا ضد الاسلام بل ان الرئيس المؤمن »ولاحظ كلمة المؤمن« أنور السادات أفقر شعبه بسياساته وهمش دور مصر بما لا يتناسب مع أي مفاهيم إسلامية.. إذن الموضوع ليس شعارات ترفع فالاسلام ضد الاحتكار.. وهل ما نراه الآن وسوف نراه من احتكار الإخوان للاقتصاد هو الاسلام؟! عبدالناصر لم يكن نبيا يوحي إليه فلا يخطئ.. كان بشرا له أخطاؤه التي تصل في بعض الأحيان لدرجة الكارثة ولكننا نريد تقييما عادلا لثورة غيرت وجه- ليس مصر- ولكن الكرة الأرضية يكفيه فخرا ان يقول »جيفارا- أيقونة الثوار في العالم- أنه كان يستلهم كفاح ناصر في ثورته ضد الامبريالية والهيمنة الأمريكية »لم يكن يعقد الصفقات ويتحالف من أجل المصلحة« ويكفيه فخرا ان تكون تجربته رائدة يحاربها الاستعمار والقوي الكبري كي لا تتكرر فتكون هزيمة 76 التي لم يستسلم لها وبني جيش مصر في 3 سنوات وما معركة رأس العش وتدمير إيلات وبناء حائط الصواريخ وخطة جرانيت التي كانت اساس نصر 37 إلا من منجزات ناصر.. الرجل حيّ في قلوب كل الشعوب المقهورة وانظروا إلي صوره ترفع حتي الآن في كل التظاهرات.. إذا لم تنصفوه سينصفه التاريخ.. وسنحتفل بذكري ثورة 32 يوليو بعد 4 أيام ولو كره الكارهون.. ولولاها ما كانت مصر الحديثة استقيموا يرحمكم الله.