ثمة مخاوف قائمة لدي الكثيرين إزاء دعاة السلفية وإزاء الإخوان المسلمين ، هذه المخاوف لا تأتي من وهم، لكنها حقائق ملموسة وظاهرة تتكشف يوما بعد يوم. جوهر القضية أن طرح الفكر السلفي هو نوع من التشبث بالماضي الذي لا يبرره عقل ولا منطق. وكذا الذين يرون أن الإسلام يتمثل في إطالة اللحية وارتداء الجلباب ينسون أن الأمة في سباق مع العصر، سباق رهيب لأن كل الدنيا تسبقنا سواء في الغرب الأوروبي أو روسيا أو الشرق الآسيوي حيث توجد دول في طريقها إلي أن تصبح دولا عظمي: الصين واليابان والهند وكوريا. هذه الدول في مجملها لا تدين بالإسلام، ولكنها أخذت بأسباب العلم والحضارة، لا بالشكليات التي لا تقدم ولا تؤخر. التدين الحقيقي الدول الأوروبية منذ عصر النهضة ثم عصر الصناعة والتجارة والكشوف الجغرافية والعلمية الهائلة انتهت إلي أن التدين الحقيقي ليس بسلطان الكنيسة ولكنه أمر يترك لضمير الفرد واعتقاده الشخصي. ثم أقامت كيانها السياسي والاجتماعي والاقتصادي علي أساس حرية الفرد وتطور الطبقات والمساواة والعدل طبقا للقانون. تطورت تلك المجتمعات فانتهت النظم الإقطاعية وساد الفكر الرأسمالي والتجاري والصناعي، وكذا الاشتراكي. واستقرت قواعد الحرية للجميع في إطار الدولة التي تقدس حق الفرد وتحمي كيان الجماعة. الموازنة بين دور الدولة ودور الفرد هي السمة المميزة للتجربة الأوروبية. ودعونا نقارن ذلك بما يحدث في بعض مجتمعاتنا التي ترفع شعار الدين في أفغانستان حين استولت حركة طالبان علي الحكم هدموا التماثيل والآثار التي هي جزء من تراث وحضارة الشعب. وقفوا موقف العداء من جميع الحريات الشخصية بما فيها حرية المرأة في العمل والتعليم وما إلي ذلك فما الذي جري بعد ذلك؟ زاد تخلف المجتمع وانحطاطه دون أن يتقدم الإسلام خطوة واحدة ولاتزال افغانستان تعاني الاحتلال والتخلف في آن واحد. في دول أخري ترفع شعار الإسلام لم يكن بها تمثيل نيابي ولا مسارح ولا دور سينما ولا يسمح فيها للمرأة بقيادة السيارات حتي وقت قريب. فماذا كانت النتيجة؟ سارقو ثروات أوطانهم ظهرت الحركات الفكرية والشعبية التي تناوئ هذه التوجهات وتدعو إلي التقدم، ونحن نعلم وهم أيضا يعلمون أن حكام هذه الدول يودعون ثروات أممهم المنهوبة بآلاف المليارات في بنوك الغرب، ولايحاسبهم أحد. لم يفكر مسلم واحد عاقل من هؤلاء الذين يطيلون اللحي ويلبسون الجلاليب أن مجرد امتلاك اشخاص بعينهم لهذه الثروات الهائلة هذا في حد ذاته ضد مفهوم الإسلام الحقيقي الذي يدعو إلي الزهد والتقشف والحرص علي الآخرة قبل الدنيا. ومن يقرأ التاريخ يجد أن الخلفاء المسلمين الأوائل: أبو بكر وعمر وعلي وعثمان ساروا علي منهج النبوة وقبس الرسالة المحمدية .. بينما من جاءوا بعدهم في مختلف عصور الدولة الإسلامية لم يسيروا علي النهج نفسه باستثناءات قليلة محدودة. أظن أن ما يلزمنا الآن هو الفهم الصحيح لجوهر الدين النابع من الفكر الوسطي العقلاني المستنير، لا بشكليات الدين التي قد تدفع بالوطن وبالأمة إلي حيث لا ندري. الإسلام الوسطي يسمح بالتنوع في الرأي وطرح الفكر وينهي عن التشدد لأن مصر في مجموعها ذات ابتداء إسلامي عربي فرعوني.. كما أن لها بعدا ينتمي لحضارة البحر المتوسط بحكم الموقع والتاريخ. فهل نتجاهل ذلك كله ونوقف تيار التنوير الذي بدأه قبل نحو مائتي عام رجال أمثال الطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده وطه حسين ولطفي السيد وسعد زغلول وجمال عبدالناصر؟