رئيس جامعة المنوفية يستقبل لجنة قطاع الإعلام بالمجلس الأعلى للجامعات    غرفة عمليات لمتابعة امتحانات الفصل الدراسي الثاني بكفر الشيخ    نقل النواب تناقش طلبات إحاطة بشأن الطرق والكبارى    مصر رئيساً لاتحاد المعلمين العرب للدورة الثالثة على التوالي    تحقق الاستقرار والتوطين.. التجمعات الزراعية «حياة جديدة» بأرض الفيروز    تعديل رسوم التراخيص والغرامات للعائمات الصغيرة بقناة السويس    بشرى سارة.. تعديل كردون مدينة أسوان وزيادة مساحته ل 3 أضعاف    البرلمان الأوروبي يوافق على القواعد الجديدة لأوضاع المالية العامة لدول الاتحاد الأوروبي    .. وبحث التعاون مع كوريا الجنوبية فى الصناعات البحرية    السعودية تدين استمرار الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب جرائم الحرب الشنيعة في غزة    أوكرانيا: روسيا ستقصف أماكن غير متوقعة.. ونحن نستعد لصد أي هجوم    تشيلسي يهاجم آرسنال ب«جاكسون وماديوكي ومودريك»    بدء فاعليات الحفل الفني بقصر ثقافة العريش بحضور وزيرة الثقافة ومحافظ شمال سيناء    مدرب مفاجئ ينضم لقائمة المرشحين لخلافة توخيل    العميد يؤجل طلب إضافة عناصر لجهاز المنتخب لبعد مباراتي بوركينا فاسو وغينيا    اتحاد الكرة يطلب حضور 50 ألف مشجع أمام بوركينا فاسو    صدمة في ليفربول| غياب نجم الفريق لمدة شهرين    الرمال المثارة تصل اليونان.. هل تؤثر على مصر؟.. الأرصاد تجيب    براءة «عدلي القيعي» من تهمة سب وقذف «ممدوح عيد»    "تعليم البحيرة": تخصيص 125 مقرًا للمراجعة النهائية لطلاب الإعدادية والثانوية - صور    المشدد 15 عامًا ل4 مدانين بالشروع في قتل سائق وسرقته بكفر الشيخ    بدء حفل فني على مسرح قصر ثقافة العريش بحضور وزيرة الثقافة    إطلالات مثيرة وجسم رشيق..كيف أثرت ابنة مي كساب على قرار فقدان وزنها؟    افتتاح محاكي لأرشيف سينما الجنوب بمهرجان أسوان لأفلام المرأة    عمرو يوسف يكشف عن حقيقة وجود جزء ثاني من «شقو»    العقرب.. تفاصيل شخصية دياب في فيلم "السرب"    العيب الحقيقى    صبري فواز وسلوي محمد على يفتتحان «سمبوزيوم» المرأة والحياة ب«أسوان لأفلام المرأة»    بالفيديو.. خالد الجندي يشيد بكلمة وزير الأوقاف عن غزة بمؤتمر رابطة العالم الإسلامي    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    "بقى فخم لدرجة مذهلة".. خالد الجندي يشيد بتطوير مسجد السيدة زينب |فيديو    الاعتماد والرقابة الصحية توقع بروتوكول تعاون مع جامعة المنوفية    «صحة كفر الشيخ» خامس الجمهورية في تقييم القوافل العلاجية ضمن حياة كريمة    دراسة: الوجبات السريعة تسبب تلف الدماغ عند الأطفال    قضايا الدولة تشارك في فعاليات مؤتمر الذكاء الاصطناعي "ويبو"    غدا.. تدشين مكتب إقليمي لصندوق النقد الدولي بالرياض    للحوامل.. نصائح ضرورية لتجنب المخاطر الصحية في ظل الموجة الحارة    كشف ملابسات سير النقل الثقيل في حارات الملاكي بطريق السويس الصحراوي    حذر من تكرار مصيره.. من هو الإسرائيلي رون آراد الذي تحدث عنه أبو عبيدة؟    التوقيت الصيفي 2024.. مواقيت الصلاة بعد تغيير الساعة    إبداعات فنية وحرفية في ورش ملتقى أهل مصر بمطروح    مؤشر الأسهم السعودية يغلق منخفضا    النسب غير كافية.. مفاجأة في شهادة مدير إدارة فرع المنوفية برشوة الري    أبو عبيدة: الاحتلال الإسرائيلي عالق في غزة    محافظة الجيزة تزيل سوقا عشوائيا مقام بنهر الطريق بكفر طهرمس    100 قرية استفادت من مشروع الوصلات المنزلية بالدقهلية    رئيس الوزراء يحدد موعد إجازة شم النسيم    سيدات سلة الأهلي يواجه مصر للتأمين في الدوري    محافظ كفر الشيخ ونائبه يتفقدان مشروعات الرصف فى الشوارع | صور    هل يحق للزوج التجسس على زوجته لو شك في سلوكها؟.. أمينة الفتوى تجيب    نستورد 25 مليون علبة.. شعبة الأدوية تكشف تفاصيل أزمة نقص لبن الأطفال    السفير طلال المطيرى: مصر تمتلك منظومة حقوقية ملهمة وذات تجارب رائدة    «النواب» يبدأ الاستماع لبيان وزير المالية حول الموازنة العامة الجديدة    خلال الاستعدادات لعرض عسكري.. مقتل 10 أشخاص جراء اصطدام مروحيتين ماليزيتين| فيديو    قطاع الدراسات العليا بجامعة القناة يعلن مواعيد امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني    الرئيس السيسى يضع إكليلا من الزهور على النصب التذكارى للجندى المجهول    توفيق السيد: غياب تقنية الفيديو أنقذ الأهلي أمام مازيمبي.. وأرفض إيقاف "عاشور"    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطاب الحركه الإسلامية في تونس رگز علي مقاومة الدولة الگافرة والرفض المطلق للعلمانية والشيوعية
نشر في القاهرة يوم 25 - 01 - 2011


3 مرحلة التأطير الإيديولوجي وبناء الهيكل التنظيمي
الحركة الإسلامية في تونس هي ملتقي لتيار واسع من الألوان الفكرية والمنازع السياسية والأمزجة المتعددة ضمن منظور أصولي إسلامي. وكانت النواة المؤسسة والمبادرة للعمل الإسلامي بتونس متكونة من الشيخ راشد الغنوشي الذي لم يكن تكوينه الإسلامي ذا اتجاه واحد، وإنما كان تمازجا بين مجموعة من الاتجاهات، بين الاتجاه الإخواني وخاصة فكر سيد قطب الذي كان له وقع كبير في تلك المرحلة، وأيضا الفكر السلفي، وقد كان يمثله في دمشق في ذلك الوقت «الستينات» الشيخ ناصر الدين الألباني الذي تتلمذ في حلقاته، وأيضا كان متأثرا بكتابات مالك بن نبي.
أما مجموعة الطلبة المتحلقة حول الشيخ راشد الغنوشي، فتتكون من الشيخ عبدالفتاح مورو، وهو من مواليد تونس العاصمة، ودرس بمدرسة الصادقية، ثم بكلية الحقوق حيث حصل علي ليسانس في سنة 1971. وكان للشيخ عبدالفتاح تكوين صوفي. تكون في الطريقة الصوفية علي يد الشيخ أحمد بن ميلاد ودروسه التي كان يلقيها في جامعة الزيتونة في أواسط الستينات، وتقدم فيها أشواطا.. كان مرشحا لأن يكون المقدم في تلك الطريقة. ظل مع النواة المؤسسة الأولي وفي الوقت عينه مع الصوفية يجمع بينهما إلي أن انحاز إلي الحركة الإسلامية الصاعدة بالكامل وترك الصوفية بعد سنة أو سنتين من النشاط الإسلامي. وكان الطلبة الآخرون، الأخ خالد بن عبدالله، الفاضل البلدي، والتحق بهذه المجموعة الأولي بعد سنة أي في سنة 1970، صالح كركر، وهو خريج جامعي كان حتي بعد انضوائه في النواة الإسلامية يعد دبلوم الدراسات المعمقة «DEA» في العلوم الاقتصادية، والذي وجد طريقة للنهل مباشرة من المناهل الإخوانية، حسن البنا وسيد قطب.. إلخ وكان صالح كركر الوحيد الذي قدم تصورا عمليا لغزو الجامعة مدرجا هكذا موضوع التسرب إلي المعاهد الثانوية ضمن الاهتمامات الأولي للحركة، علما بأن صالح كركر مارس عدة أنشطة ثقافية مكثفة بالجامعة جعلته عارفا بصيغ تسيير الهياكل وأساليب التعامل مع المنضوين الجدد.
تمازج ثقافي
يقول الشيخ راشد الغنوشي في هذا الصدد إن الحركة الإسلامية التونسية هي تمازج بين مجموعة من الألوان الثقافية. كانت الحركة الإسلامية وفاقا بين مجموعة من الألوان الثقافية الإسلامية، الأمر الذي طبعها منذ البداية بطابع الحوار، ولم تكن العلاقات بين المجموعة الأولي علاقات شيخ بمريد، وإنما كان هناك نوع من التقارب في السن وفي المستوي الثقافي، ولم يكن هناك شخص يزعم بأنه هو المؤسس. وبأنه ربي علي صورته المجموعة، وكان معترفاً منذ البداية بحق التنوع وحق الاختلاف وضرورة الحوار وان يكون القرار ثورياً وثمرة وفاق وليس ثمرة إملاء من شيخ إلي مريد.
وقد مثل الشيخ محمد صالح النيفر دوراً مهما في توجيه هؤلاء الشبان، فكانت حلقته في باردو ذات تأثير كبير في المجموعة الأولي، هو نفسه كان يعاملنا ليس كشيخ مع مريد، هو شيخ الشباب، كان يرتاح له الشباب، وكان يتواضع لهم ويحاورهم وهو يسمح لهم بمخالفته، لقد كان ظاهرة شاذة في جامع الزيتونة، كان يسمي «مهبول» آل النيفر، تكون في علاقة مع الشباب كان رئيس جمعية الشبان المسلمين هو والشيخ عبدالقادر سلامة بارك الله في عمره.. كان هذا الثنائي فريداً من جملة المشايخ في التواضع، وفي العلاقة مع الشباب، وفي العلاقة مع الناس، مخالطة عامة الناس، لأن جانبا من تراث جامع الزيتونة إلي حد كبير كان تراثاً أرستقراطياً بمعني ان المشايخ كانوا يمثلون نوعاً من الطبقة جهاز معزول عن الأرياف وعن حياة عامة الناس، بينما كان الشيخ محمد صالح النيفر يعيش من الفلاحة، له بستان في طبرية «ناحية تونس» يشتغل فيه لأنه يؤمن بأنه لا ينبغي ان يبقي عالة علي الحكومة، عالة علي الدولة، وكذلك الشيخ عبدالقادر سلامة أيضاً رغم انه شيخ في جامع الزيتونة لكنه تعاطي التجارة كان يتاجر في الزيت، ثم بعد ذلك اتخذ له بستاناً يشتغل فيه بنفسه هذا أتاح لهما حرية إزاء الدولة، وأيضاً تعايشا واطلعا علي حياة الناس، فكانت علاقتهما بالشبان علاقة متميزة، مثلت العلاقة مع الشيخ النيفر والشيخ سلامة والشيخ ابن ميلاد والشيخ عبدالفتاح تفاعلاً مع تراث التدين التونسي، فالمواريث التي أتت من المشرق لم تمكن من ان تنفرد بسلطة التوجيه في تكوين المجموعة الأولي.
جهود إعلامية وفكرية
بدأت النواة المؤسسة تعبئ الجماهير في جامع الزيتونة الذي بدأ يستعيد نشاطه الثقافي في نهاية الستينات علي يد الشيخ بن ميلاد بالعاصمة العام 1970، وانضمت إلي جمعية المحافظة علي القرآن الكريم في العام 1971، التي سرعان ما أخرجها الحزب منها، فأنشأت حلقة جديدة أخري في جامع صاحب الطابع، وتميزت هذه الفترة ببذل جهود فكرية وإعلامية كبيرة بأقطاب التيار الديني الأصولي كأبي الأعلي المودودي وحسن البنا وسيد قطب ومالك بن نبي وسواهم، وذلك في سياق ترسيخ العقيدة الإسلامية وإثبات تفوقها عبر استغلال عاطفة الجماهير الدينية، في تحويل أنظارها نتيجة الظلم والقهر الذي لاقته من السلطة البرجوازية إلي عزاء الدين الإسلامي ورجائه، باعتبارها دعوة موضوعها التربية الدينية الإسلامية للراغبين من الأفراد الدخول في الحركة، وتربية الأبناء والشباب علي أساس أخلاقي واجتماعي إسلامي يقوم علي نقد مظاهر الحياة الغربية مع التركيز علي ما يعتبر انهياراً للعائلة وفساداً للمرأة وارتكاب المعاصي، كي يصبحوا أهلا لتمثيل النموذج الإسلامي في الإنسان المسلم، والتقوي والعبادة والأخلاق الإسلامية، انها الدعوة التي جوهرها بناء حياة الإنسان علي أسس من المبادئ الدينية، ومن القيم الإسلامية.
وكانت الدعوة تبشر ببناء المجتمع الإسلامي وفقاً للنموذج الذي اقترحه السلف الصالح علي عهد الخلفاء الراشدين، لكن مضمون المجتمع الإسلامي المنوي بعثه من جديد لم يكن واضح القسمات وانما كان فكرة هلامية رجراجة تتباين من شخص إلي آخر داخل الحركة الإسلامية في تونس، ولما كانت الاتجاهات اليسارية الماركسية والقومية ذات الطابع العلماني أصبحت ذات وزن في الأوساط الطلابية والشعبية والعمالية بصورة خاصة خلال فترة الستينات، وشهدت مداً شعبياً واسعاً في مرحلة السبعينات، فقد كان الخطاب الإيديولوجي للحركة الإسلامية متمحوراً حول مقاومة الدولة الكافرة باعتبارها تقود إلي المجتمع الجاهلي، والرفض المطلق للعلمانية، ليس لأنها آتية من الغرب الرأسمالي، والعالم الشيوعي فقط، بل لأنها تجسد القوانين الوضعية المنتاقضة جذرياً مع التشريعات الإسلامية وحكامية الله، وإقامة الدولة الإسلامية التي تسترشد بقوانين الإسلام، باعتبارها قوانين كلها عدل، لأنها منزلة من عند الله، ولأنها قادرة علي اخضاع كل مفسد وكافر في الأرض خارج عن طاعة الله ورسوله.
غير ان الظاهرة الإسلامية التونسية اتسمت منذ البداية بنوع من التعقيد نظراً لتنوع مكوناتها، فإذا كان التأثير الأقوي.. العنصر الإخواني السلفي في المرحلة الأولي كان هو المؤثر الأكبر، ولكن بعد ذلك تفاعل مع البيئة التونسية، التي ليست طيعة يمكن تشكيلها كما تشاء، وتتكون الظاهرة الإسلامية التونسية وفق تشخيص الغنوشي من العناصر التالية:
العنصر الأول: ويتكون من التدين التقليدي التونسي، الذي يهيمن عليه المذهب التقليدي المالكي والعقائد الأشعرية والتربية الصوفية.
العنصر الثاني: الخطاب السلفي الإخواني القادم من المشرق العربي.
العنصر الثالث: وهو التيار الإسلامي العقلاني الذي عبر عن نفسه في النصف الثاني من السبعينات، والذي يستند إلي تراث عقلاني إسلامي موجود في التاريخ العربي الإسلامي، وإلي النقد الجذري الصارم للإخوان المسلمين، باعتبارهم ممثلين للسلفية في هذا العصر، وإلي إعادة الاعتبار للغرب العقلاني وللمدرسة الإصلاحية في تونس «خير الدين التونسي- الطاهر الحداد» ولمنجزاتها الحديثة، من خلال حركة التحديث والعلمنة التي أنجزها بورقيبة، مثل تحرير المرأة والعلمانية في التعليم.. إلخ.
الموقف من المرأة
ينطلق الخطاب الايديولوجي الإسلامي في رؤيته للمرأة، من ان هذه الأخيرة صارت من جديد عرضة للاستغلال التجاري، تعاني الدونية والظلم والاضطهاد، فهذا الوضع ليس وليد الإسلام بل نتاجاً للانحطاط والجاهلية الحديثة، وفوارق أقرها الإسلام بين المرأة والرجل بسبب الحرص علي كرامتها وسلامة المجتمع، وهذا الاستدراك يفتح المجال للرؤية المتناقضة لدور المرأة «فالإسلام ينظر إلي المرأة كعرض يجب ان يصان ومسئولية الرجل لا تنتهي ببلوغ ابنته وقدرتها علي الكسب بل تستمر هذه المسئولية حتي بعد ان تتزوج، فإذا ما تزوجت اتنقلت المسئولية إلي الزوج فإذا ما توفي الزوج صارت المسئولية إلي الابن، فالمهم ان المرأة يجب صيانتها وحمايتها»، فالموقف هو اعتبار المرأة قاصراً والوصاية عليها في كل الأحوال، إلا أن هذا الخطاب يسعي لتبرير موقفه المتناقض باختلاف التكوين الطبيعي والاستعدادات الفطرية.
هذا الخطاب ينكر استغلال جسد المرأة كتقليد أعمي لحضارة الغرب حيث أصبحنا لا نري إعلانا من الإعلانات التجارية في الجرائد والمجلات إلا وفيه امرأة عارية أو شبه عارية ولا نجد نزلاً ولا مطعماً أو متجراً إلا وقد استخدمت المرأة فيه لتعمل عملها المغناطيسي في الرجال، وحيث تنظم «مهازل انتخاب ملكات الجمال باستعراض الأجساد تحدياً لعقيدة الإسلام وشريعته، وتزيينا للفساد ونشراً للرذيلة واهانة للمرأة وحطاً من قيمتها».
لقد ركز التيار الإسلامي السلفي في خطابه علي موضوع الاصلاحات التي شملت تحرير المرأة التونسية، باعتبارها إصلاحات تقود إلي مسار منحط وضائع للمرأة.. وهو يعتبر أن تطور المجتمع في هذا الاتجاه سلبي تماماً ومنافياً للإسلام، والنساء لدي التيار الإسلامي يقمن، مثلما يرد في السورة القرآنية ب «التحجب» والحجاب الإسلامي يصنع ويباع من قبل شبكة من التجار تحظي بدعم الحركة الإسلامية وتحظي بتشجيع دعائي في صحفها «حمل الحجاب يحرر المرأة بحجبه جسدها».
في بداية السبعينات أعرب الإسلاميون عن حضورهم الاجتماعي بنشاطات رمزية محسوبة بدقة، إذ ان مطالبهم كانت بسيطة ومقبولة لدي السلطة السياسية، كانوا يطالبون بفتح المساجد في المدارس والكليات والأقسام الداخلية في المعاهد والمبيتات الجامعية، وترميم المساجد العتيقة المهجورة في المدن والأرياف وقد شكل هذا التدين الجماهيري الذي تلقي دفعة جديدة بفعل صدمة التحديث والعلمنة اللذين قامت بهما السلطات التونسية، ميداناً ملائماً وخصباً لخطاب ومبادرات الحركة الإسلامية في تونس، وازداد حضور الإسلاميين في جمعيات حفظ القرآن الكريم، والمساجد التي هي أماكن تجمع جماهيري، هذا الحضور ملائم جداً للممارسة دعايتهم من خلال خطب الجمعة والدروس والحوارات التي يديرونها، وإلي جانب «كلمات الحق» التي يلقونها في المساجد، فان منشوراتهم العديدة المسموحة تضمن لهم انتشار إيديولوجيتهم.
وكان الإسلاميون يقدمون خطابا إسلامياً مختلفاً عن الخطاب الإسلامي الرسمي، إذ إنه يركز علي الصيام والصلاة والصدقة والزكاة، و«الضياع» الذي يعيشه المجتمع الإسلامي اليوم، حيث ان مسئولية ذلك ملقاة علي «القادة المرتبطين بالغرب» وعلي «الملحدين» كما تركز الخطاب الإيديولوجي علي الوضع الدولي، حيث يقدم الإسلاميون نقداً عنيفاً للمادة الغربية، رافضين في الوقت عينه النقد الماركسي والاشتراكي، تشهد علي ذلك المقالات العديدة التي كتبت عن الغولاك، والصين ما بعد ماوتسي تونغ، والحرب الصينية- الفيتنامية، والغزو السوفييتي لأفغانستان، وينطلق الخطاب الإسلامي من المقولة البسيطة التالية، حينما لا يكون الإسلام مطبقاً، يكون الفشل محتوماً، وفيما هو يقدس إيران الخميني، إلا أنه يصب جام غضب علي النظام البعثي في العراق.
الموقف من الغرب
يحتل الغرب محوراً مهماً في نظر التيار الإسلامي، ولكن هذه النظرة تبدو سطحية لأنها تحتوي علي ثلاثة عناصر: اختزال الفكر الغرب وتبسيطه والعداء لكل ما يحمله من فسلفات وقيم، وللرؤية الكوراثية لأوضاعه، فالغرب حول الإنسان إلي «موضوع بحث لا فرق بينه وبين المعادن والنبات والحيوان»، فقد بدل القيمة والمكانة التي كانت له وأصبح هناك مجال واحد ووحيد هو موضوع الدرس في الإنسان، انه جسده أي «مطالبه الأرضية وحاجياته المادية»، كيف تجسم هذا الحط من مكانة الإنسان؟ «الداروينية تجعل منه فصيلة من فصائل القرود، الفرويدية تقول: انكم طوال حياتكم تجرون لتحقيق شهوتكم الجنسية، ويذهب بها الظن ان كلاً منا يود الاتصال الجنسي بأمه، فكر منحل، وضلال مبين وخبث يهود، الماركسية تجعل منا بطناً وكفي، مثلنا كبقية الحيوانات تأكل لتعيش وتعيش لتأكل».
ولا شك ان إيمان الغرب بالإنسان كسيد يحكم عالمه كانت له نتائج إيجابية: تحرير الإنسان من الإحساس بالعجز أمام الطبيعة، النظرة العلمية، الإيمان بالتقدم الدائم والتطور المستمر، شعور الإنسان بقيمة الحرية، إلا ان هذه النظرة تولدت عنها سلبيات كثيرة وأزمات كالفشل في تقديم معني لوجود الإنسان ومدارس ثابتة لأخلاقه، أدت إلي إحساس حاد بالقلق والسأم والغثيان والحيرة، وساد مبدأ اللذة مما جعل المجتمع مسرحاً فوضوياً للصراع علي اللذائذ بين الأقوياء والضعفاء، صراع انتهي بالخلاف علي مبدأ الحرية باسم مبدأ العدالة.
والغرب في هذا المفهوم ليس الغرب الجغرافي، بل هو نظرة إلي الحياة أي مفهوم للعالم يجعل الأولوية للمادة علي الروح، وهو بهذا المعني الحضاري لا يشمل الكتلة الغربية والكتلة الشرقية فحسب، بل انه ليلقي بظلاله السوداء علي مجموعة الدول المدعوة بدول العالم الثالث الذي لا يزال مبهوراً بما قدمه الغرب من أشياء، الغرب أخضع المادة وكدس المكتسبات العلمية والفنون العلمية، هذه لا بأس ان نستوعبها في حدود تطور الإسلام هذا عن الحضارة المدنية، أما الحضارة الروحية «فيتبقي ان نرفض قيمها وفلسفتها وآدابها، وليس الرفض فحسب بل العداء الشديد لما تحمل، من مفاهيم وقيم ونظم وان نحرر أرواحنا وعقولنا من تبعيته».
ففي نظر الإسلاميين، أعداء الإسلام هم الغرب والطواغيت الملحدين، وهم أعداء تاريخون حاضرون اليوم أيضاً في أفغانستان ومصر، والعالم الإسلامي خاضع الآن ومستغل ومجزأ وضعيف بفعل مؤامراتهم واعتداءاتهم المستمرة منذ قرون وعلي جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية.
يحتل الإسلام وضعا متدنياً علي الصعيد العربي والإسلامي والدولي، بصورة غير عادلة، من هنا فإن إعادة بناء نظام عالمي جديد يعتبر ضرورة ملحة في انتظار ارجاع الأمور إلي نصابها الصحيح واستعادة الإسلام دوره وموقعه الشرعيين، قيادة البشرية إلي الحرية الحقيقية، وينطلق الخطاب الإيديولوجي للحركة الإسلامية كما يقول عبداللطيف الهرماسي، من واقع التخلف لينفي ان يكون للإسلام ضلع فيه، فالمسئولية هي من فكر الانحطاط وغزو الاستعمار، فالعالم الإسلامي تداول عليه الحكام الجائرون والبدع والخرافات حتي خرس تحت سنابك جيوش الاستعمار المادي والروحي.
الحضارة نقيض للتخلف، لكنها ليست مجرد توفير الانجازات المادية لاشباع الغرائز، النشاط الغريزي يجب ان يخضع لقيم ومبادئ والمتحضر هو الذي يتجاوز نطاق حفظ البقاء إلي أفق المثل والمبادئ فهل نأتي بهذا المثل من الغرب؟ الغرب لا يمكن ان يعطينا ذلك، فهو يعيش أزمة حضارية، حروب، أزمات اقتصادية، تفكك عائلي اجرام، قلق وحيرة، وباختصار فشل الغرب، كل الغرب كنظرة للحياة تختلف عن الإسلام ، الغرب الأوروبي والأمريكي والعالم الشيوعي والشرق، والمسيحية واليهودية، كله غرب، وعله يحمل قصوراً في نظرته للإنسان، إما بإهمال القيم المعنوية والاجتماعية «الرأسمالية» وانكار الروح الفردية «الشيوعية» واما باهمال الاحتياجات الغريزية «المسيحية وديانات الشرق» وبذلك لا يبقي غير الإسلام، يتعرض لكيد وتآمر الأعداء، والإسلام ليس إسلام الفرق الدينية والمذاهب الفقهية، ولا إسلام الزوايا، وبل إسلام المصادر الكفيل بتمكيننا من بناء حضارة إسلامية جديدة، تتحقق بالتمسك بالمثل الإسلامية واستيعاب تقنيات الغرب وخبراته مع الرفض الكامل لقيمه وفلسفاته حتي لا تخلص عقولنا وأرواحنا لغير الله، هذا المجتمع الإسلامي البديل هو مجتمع العدالة والمساواة والأخوة والرحمة، الغني فيه يود الفقير ويعينه والفقير لا يحسد الغني، الرجل يكرم المرأة وينفق عليها ويرعاها، والمرأة تطيع الرجل فيما يأمرها وتخدمه وتوفر حاجياته، المجتمع الحالي ونظامه حلل ما حرم الله، وابتعد عن الدين وأذل رجاله، واستولت عليه حضارة المادة وغزته الإباحية، فهو مجتمع جاهلي يعبد الأصنام الحديثة كالاشتراكية والديمقراطية والقومية، ولا مناص لأجل تحرير المجتمع من هدم هذه الأصنام وقيم التفسخ وإقامة المجتمع الإسلامي الذي يطبق الشريعة ويقيم شعائر الدين ولا يعترف بغير حكم الله، وهذا هو واجبنا الرباني والإسلامي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.