د. صلاح فوزى أثناء حواره مع » الأخبار« المجلس العسكري لم يصدر قرارا بحل البرلمان.. انما قراره هو قرار تنفيذي لحكم الدستورية العليا هذا أول قرار في تاريخ مصر بعدم تنفيذ حكم قضائي وليس أمام الرئيس إلا سحبه أعرب الفقيه الدستوري الدكتور صلاح فوزي أستاذ ورئيس قسم القانون العام بجامعة المنصورة وعضو المجالس القومية المتخصصة عن انزعاجه واندهاشه الشديد من قرار الرئيس محمد مرسي بإعادة مجلس الشعب مؤكداً بأنها المرة الأولي في تاريخ مصر التي تصدر سلطة مختصة قرارا بعدم تنفيذ حكم قضائي الأمر الذي سيدخل البلاد في فوضي دستورية غير مسبوقة يصعب تداركها خلال الفترة القادمة. وطالب بسرعة سحب القرار باعتباره المخرج الآمن من المأزق الراهن ، كما طالب المجلس العسكري بتوجيه النصح للرئيس لسحب هذا القرار حتي لا ندخل في سلسلة لا نهائية من المشاكل، ولا يجب لمؤسسة الرئاسة ألا تستمع لمؤيديها فقط بل يجب أيضاً أن تأخذ برأي معارضيها ورأي المستقلين في القرارات الكبري حتي لا تتعرض البلاد لمثل هذا الموقف مرة ثانية. وأشار إلي أن الأغلبية الساحقة من فقهاء القانون الدستوري يرون أن القرار يعد بداية لهدم دولة القانون وأن العدد القليل من الذين أيدوه كان دافعهم أسباب سياسية وليس لأسباب قانونية واضحة. واستغرب من استمرار ترديد نغمة أن المشير كان قد اصدر قرارا بحل مجلس الشعب علي عكس الحقيقة فالقرار الذي أصدره كان تنفيذا لحكم المحكمة الدستورية ، ولم يكن يملك غير ذلك باعتباره كان مختصما في الدعوي والحكم صدر في مواجهته ولو لم ينفذه لتعرض حتما للعزل والحبس . وأكد علي ضرورة أن يتم اختصام رئيس الجمهورية في دعوي حل مجلس الشوري حتي يمكن تنفيذ الحكم في مواجهته في حالة صدوره. في البداية قلت للدكتور فوزي كيف إستقبلت قرار الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية بإعادة مجلس الشعب ؟ لقد استقبلته باندهاش شديد واستغراب لانه لم يحدث من قبل حيث انحاز دائما للمشروعية القانونية ودولة القانون وأهم دعامة في دولة القانون هي السلطة القضائية من خلال ما تصدره من أحكام هي ملزمة للجميع. وما سبب هذا الاندهاش ؟ سبب الاندهاش أنه لأول مرة في مصر تصدر عن سلطة مختصة قرارا بعدم تنفيذ حكم قضائي كما أنه من المرات المعدودة التي يصدر فيها مثل هذا القرار وهذه مسألة خطيرة جدا، حيث عادة ما تلجأ الجهات الإدارية عندما تعتزم عدم تنفيذ أحكام القضاء إلي اتخاذ موقف سلبي، ولكن مخالفة حكم القضاء بقرار إيجابي صريح فهو مسألة غاية في الغرابة. لكن هل سبب الاندهاش أن هذا القرار جاء إيجابيا فقط ؟ القرار تضمن أيضا مخالفة للإعلان الدستوري الذي يوجب احترام الدستور والقانون من قبل مؤسسات الدولة ، كما أن القرار ذاته تضمن اعتداء علي صلاحيات الجمعية التأسيسية المناط بها وضع الدستور وعلي السلطة التأسيسية وهي الشعب في الاستفتاء الذي سيجري علي الدستور ، والقرار بما تضمنه من مادة تقضي بإجراء انتخابات مبكرة بعد الاستفتاء علي الدستور بشهرين. هذه المادة تعد اعتداء علي الدستور القادم الذي هو من صلاحية المشرع الدستوري ووضع مادة انتقالية تنص علي استمرار مجلس الشعب لنهاية دورته أو إنهاء انتخابات مبكرة والذي حدث أن قرار الرئيس تضمن إجراء انتخابات مبكرة بما معناه أن هذا القرار تضمن أيضا اعتداء علي الدستور القادم، والأصل ان الدستور هو الذي يقرر ما إذا كانت ستجري انتخابات مبكرة لمجلس الشعب من عدمه وليس رئيس الجمهورية. ومن ناحية أخري فإن القرار تضمن عودة المجلس كاملا وأشار لنقطة غاية في الغرابة وهي سحب القرار باعتبار مجلس الشعب منحلا من تاريخ 15 / 6 وسحب القرار بهذا الأثر الرجعي معناه كأن مجلس الشعب كان موجودا خلال تلك الفترة وهذا سيرتب إشكالية كبري في كل ما كان قد اصدره المجلس الأعلي للقوات المسلحة من قوانين ستكون محل نقاش قانوني ودستوري. وماذا عن مصير القوانين والقرارات التي ستصدر عن مجلس الشعب بعد عودته اليوم؟ إذا انعقد مجلس الشعب سيكون كل ما يصدر عنه مشوبا بعدم الدستورية لأنه سيصدر عن مجلس باطل بموجب الحكم وجميع القوانين التي ستطرح عليه ستكون معرضة بالقطع لعدم الدستورية ومعني هذا ان الدولة ستدخل في مأزق دستوري خطير خلال الفترة القادمة وهذا أمر مؤكد. وتسائل: هل نريد إستقرارا للدولة ؟ أم يراد فوضي دستورية غير مسبوقة؟ هذا سؤال مهم يلزم أن يتحمل مسؤليته الجميع لأننا نتحدث عن وطن مملوك للجميع . تحدث البعض عن عدم حتمية تنفيذ حكم المحكمة الدستورية لأنه كان يلزم أن يكون هناك نزاع أمام محكمة الموضوع وليس أمام المحكمة الدستورية .. من هنا فهل قرار الرئيس يعد صحيحا ؟ هذه الأمور من البديهيات لكن ما لم يذكره هؤلاء أنه بالفعل كانت هناك دعوي أمام محكمة القضاء الإداري وطعن في حكمها أمام الإدارية العليا ، والإدارية العليا هي التي أحالت المواد 3 و 6 و9 للمحكمة الدستورية العليا وبالتالي فإن هذا الحديث ليس له علاقة من قريب أو من بعيد بالحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا لأن أحكامها تنفذ بمنطوقها والأسباب المكملة له وأسباب حكم الدستورية نصت حرفيا علي أن مجلس الشعب يعد باطلا دون حاجة لاتخاذ إجراء آخر ، وقرار رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة ليس قرارا بحل المجلس لكنه قرار تنفيذي لحكم المحكمة الدستورية وقد نص علي ذلك حيث جاء فيه نفاذا لحكم المحكمة .. الأمر الذي يجب أن يلتزم به الجميع حتي نكون حقا في دولة قانون. وماذا عما أثير بأن المشير كان يجب ألا يصدر أي قرار بل كان يجب عليه ترك المجلس لتنفيذ الحكم ؟ المشير كان مختصما في الدعوي والحكم صدر في مواجهته ومن هنا كان عليه أن يلتزم بضرورة تنفيذه وألا يعد مرتكبا لجريمة منصوص عليها في المادة 23 من قانون العقوبات التي تقضي بحبس وعزل الموظف العام الممتنع عن تنفيذ حكم قضائي. وأبدي استغرابه من إثارة هذه القضية قائلا: تعريض كبار مسئولي الدولة للجنحة المباشرة وهي شخصية ويعلم في بيته ويتم طلب الحكم بالتعويض والحبس والعزل حتي ندخل في نفق مظلم أم من الأولي تنفيذ الأحكام. كما أن قضية الحل الذاتي منصوص عليها في بعض الدساتير وغير منصوص عليها في البعض الآخر ، فإسرائيل مثلا لا يوجد بها دستور لكن النظام الأساسي للكنيست يسمح للكنيست بحل نفسها ، ولا يوجد عندنا نظام الحل الذاتي وكان يجب علي مجلس الشعب أن يعلي الأحكام القضائية ويضرب المثل الرائع في احترام احكام القضاء. الكثيرون فهموا من خطاب الرئيس الدكتور محمد مرسي أنه سيقوم بإعادة مجلس الشعب فلماذا لم يحذره الدستوريون من الإقدام علي هذه الخطوة؟ كنا نفسر كلام الرئيس بعودة المجالس المنتخبة بأنه كان يقصد إجراء انتخابات جديدة لمجلس الشعب وانتخابات للمجالس المحلية المقضي عليها بالبطلان وليس عودة مجلس الشعب بالمخالفة لحكم المحكمة الدستورية. وماذا عن الاعتراض الذي أثاره البعض بأن المقصود كان حل ثلث المجلس وليس المجلس كله وهذا ما كان يجب تنفيذه ؟ حكم الدستورية كان واضحا بشكل قاطع بأن ماحدث في الثلث قد أثر علي تشكيل المجلس بكامله وهو حكم واضح وجلي وليس في حاجة إلي تفسير ومع ذلك إذا كانت قد غمت الاسباب علي البعض فمن حق اطراف الدعوي رفع دعوي تفسير أمام ذات المحكمة وهي المحكمة الدستورية. كما أن الحكم الذي صدر بشأن مجلس الشعب صدر في مواجهة 6 أشخاص ولم يكن من بينهم رئيس الجمهورية لأنه لم يكن قد تم انتخابه بعد. وماذا عن الخلاف الذي وقع بين أساتذة القانون الدستوري حول تفسير حكم المحكمة ؟ علي المستوي الدستوري فإن الأغلبية الساحقة من أساتذة القانون الدستوري المتخصصون هم مع ضرورة احترام احكام القضاء الإداري والعادي والدستوري وان كان هناك قليلون يرون عكس ذلك فإن ذلك في تصوري يرجع الي اتجاهاتهم السياسية وليس له علاقة بالقانون وما نقوله هو كلمة حق في الشأن القانون الذي ليس له علاقة بالسياسة. وهل معني ذلك أن مجلس الشوري إذا اصابه البطلان ايضا .. هل يمكن لرئيس الجمهورية ان يمتنع عن تنفيذ حكمه؟ رئيس الجمهورية ليس مختصما في الدعوي الحالية المقامة .. من هنا فلابد من سرعة ادخاله في هذه القضية لأن ظروف وملابسات القضية ووقائعها تتشابه مع ظروف حل مجلس الشعب، ومن المؤكد ان المحكمة ستقضي بذات الحكم وادخال رئيس الجمهورية خصما في الدعوي يلزمه بتنفيذ الحكم الذي سيصدر عنها. من الواضح ان الفترة القادمة ستشهد صداما بين الرئيس والمؤسسة العسكرية علي ضوء خلافات قانونية كثيرة متوقعة فكيف يكون المخرج من هذا المأزق ؟ الجهات الادارية إذا تنازعت فيجب ان تعرض النزاع قبل اعلان اي قرار علي الجمعية العمومية لقسمي الفتوي والتشريع والمجلس الاعلي مؤسسة دستورية ورئيس الجمهورية مؤسسة دستورية وكان يجب استطلاع رأي الجمعية قبل اصدار القرار لأن المفاجأة في مثل تلك القرارات قد تعرض الدولة بكاملها للخطر، ويجب علي مؤسسة الرئاسة ان تحرص علي الاستماع لمؤيديها ومعارضيها والمستقلين عن هذا وذاك وان تتشاور وتدرس حتي تصل بالبلاد إلي بر الأمان. وكيف تري الخروج من المأزق الراهن؟ الخروج من هذا المأزق يتطلب من الرئيس قرارا عاجلا بسحب قراره بإعادة مجلس الشعب وكان يجب علي مستشاريه ان ينصحونه ولا يتبنون رأيا واحدا حتي ولو كان لهم هوي في ذلك. البعض اثار قضية ان الرئيس قد حنث بيمينه علي احترم الدستور والقانون ؟ مصر لا تحتمل الآن الدخول في قضية الحنث في اليمين ونصعد المشاكل وتدخل الدولة في نزاعات لا نهاية لها ويجب أن نفترض حسن النوايا وان نعتبر ان ماحدث هو خطأ ويقوم الرئيس بتصويب هذا الخطأ ويحرص بعد ذلك علي النصح والارشاد. وما الذي يجب ان تقوم عليه العلاقة بين الرئيس والمجلس العسكري خلال الفترة القادمة لتجنب الصدام المتوقع؟ العلاقة يجب أن تقوم علي التشاور والنصح والارشاد قبل اصدار القرارات العامة والمصيرية لأننا في مرحلة تحتاج إلي تكاتف الجميع للعبور بالبلاد الي شاطيء الأمان والأمر لا يحتمل صراعا قد يدخلنا في حلقات مفرغة لا نهاية لها.