من الطبيعي ومن واقع الترابط التاريخي والتأثير الاقتصادي والاجتماعي أن تحظي قضية القطاع العام في مصر بكل الاهتمام. توثيقا للدور الذي اضطلع به في الحياة العامة للدولة والمجتمع. لا جدال أن هذه التجربة تستحق أن يتم تناول أبعادها سواء من الناحية الايجابية أو السلبية. ان الشيء المؤكد أنه كان من الممكن ان يحقق القطاع العام الآمال المهمة الاقتصادية والاجتماعية المعقودة عليه.. اذا ما توافرت الشفافية والالتزام بالمسئولية والخبرة والعلم في ادارته بما يتيح له الفرصة لتأدية الأهداف والمسئوليات التنموية في هذه المرحلة من تاريخ مصر. نوضح جانبا من هذه الصورة التي كانت محور المقالين اللذين كتبتهما والذي نشر اولهما يوم 14 سبتمبر الماضي تحت عنوان »قطاع الاعمال وانقاذ ما يمكن انقاذه والثاني نشر بتاريخ 19 سبتمبر تحت عنوان »دائما نتبني السييء«. تواصلا للحوار المفتوح حول هذه القضية العامة خاصة علي ضوء عمليات تصفية هذا القطاع تحت شعار مسمي الخصخصة ومحاولات معالجة مشاكل الديون الهائلة المتراكمة نتيجة سوء الادارة تلقيت رسالة قيمة من طارق عامر رئيس مجلس إدارة أكبر البنوك الوطنية المصرية والذي يتولي مهمة أساسية في دعم المسيرة الاقتصادية القومية لمصر. ولأهمية ما جاء في هذه الرسالة وحتي تتاح لي فرصة نشرها فانني سوف اتناولها في اكثر من مقال: تقول الرسالة: جلال دويدار تحية طيبة وبعد، أود أن اشكركم بداية علي الموضوعات القيمة والهامة التي تتناولونها بعمودكم »خواطر« في جريدة الاخبار الموقرة تلك الاهمية التي دفعتني لعرض بعض تصوراتي المستخلصة من خبراتي في العمل في القطاع العام والتي تتماشي مع ما جاء في المقال المنشور بعمودكم يوم الثلاثاء 14 سبتمبر في جريدة الاخبار تحت عنوان »لانقاذ ما يمكن انقاذه«. وفي هذا الصدد لا يسعني الا ان اؤكد رأي سيادتكم بان وجود مؤسسات قوية للقطاع العام في الانشطة الاقتصادية المختلفة لهو أمر ضروري للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في الدولة فالقطاع العام جنبا الي جنبا مع القطاع الخاص يخلق توازنا هاما للحفاظ علي معدلات التنمية الاقتصادية وزيادتها وضمان عدالة توزيع الدخل الناتج عنها. يأتي ذلك من انه كان للدولة خبرات كبيرة وطويلة في المشروعات الكبري التي حملت عبء التنمية لسنوات طويلة وحملت مسئولية الاقتصاد المصري في سنوات الحروب والمقاطعات الاقتصادية. الدليل علي ذلك ان اكبر معدل حقيقي للنمو الاقتصادي في مصر 8٪ قد تحقق خلال الخطة الخمسية الاولي 16/2691 - 1966/65 بواسطة القطاع العام الناشئ. كما ان مصر ولما لها من خصوصية في المحيط السياسي الاقليمي والدولي التي تعمل فيه تحتاج الي ركيزة هيكلية من الملكية العامة بحيث تؤمن للدولة وللشعب الاحتياجات الاستراتيجية في حالات الازمات وتساعد علي استقرار الاسواق وتوافر السلع كميا ونوعيا. يُضاف إلي ذلك الحفاظ علي التوازن في اسعار السلع والخدمات بما يكفل منع الاحتكار وبالتالي تجنب الزيادات المتسارعة في معدلات التضخم التي تنخر في عظام الاقتصاد القومي. التصدي لكل هذه العوامل تمنع تآكل ثروات المجتمع والدخل الحقيقي لافراده واللذين يشكلان ضغطا هائلا علي السياسة العامة والاستقرار الاجتماعي والسلوكي الذي يمثل احد الركائز الاساسية للتنمية البشرية والاقتصادية. وحتي يكون تواجد القطاع العام مجديا وذا فائدة يجب ان تكون كياناته الادارية والاقتصادية بمثابة مؤسسات ذات كفاءة عالية للمحافظة علي الموارد الاقتصادية بل وتنميتها. ان السياسات الاقتصادية بصفة عامة يجب ان يكون لها توجهان اساسيان.. احدهما يرمي الي دعم المؤسسات والمشروعات التي تؤدي الي تعظيم التراكم الرأسمالي لموارد الدولة لاستدامة عملية التنمية الاقتصادية والاخر يستهدف الحفاظ علي الاستقرار في مستوي الاسعار. من هنا ولكي تنجح تلك المؤسسات العامة وتدار ادارة رشيدة يجب ان يتوفر لها عوامل هامة واساسية اعتقد انها تفتقد الي الكثير منها حاليا ومنذ فترة زمنية طويلة. طارق عامر رئيس البنك الاهلي المصري تعقيب في مقال الغد سوف يتناول الجزء الثاني من الرسالة روشتة علاج السلبيات بما يسمح بانقاذ ما تبقي من شركات القطاع العام.