محمد وجدى قندىل خاض الطيار المقاتل أحمد شفيق معارك أكتوبر الجوية الضارية وشارك في إسقاط 57 طائرة إسرائيلية في جبهة القناة كانت اسرائيل تباهي بالذراع الطويلة للطيران الاسرائيلي التي تطول سماء مصر والمنطقة العربية بعدما حدث في الخامس من يونيو ولكن سقطت الاسطورة في حرب اكتوبر بشجاعة الطيارين المصريين الذين دخلوا المعارك الجوية واثاروا خوف الطيارين الاسرائيليين واضطروا الي الفرار بعد سقوط عدد كبير من طائراتهم الفانتوم والسكاي هوك الحديثة. لم تكن الضربة الجوية هي المفاجأة القاصمة والوحيدة في حرب اكتوبر.. وانما كانت هناك معارك جوية اخري خاضها الطيران المصري فوق جبهة سيناء وفي شمال الدلتا ومنها معركة المنصورة التي قام بها الطيارون المصريون واسقطوا اعدادا من الطائرات الاسرائيلية رغم التفوق في التسليح والمناورة.. وكان النسر الجوي أحمد شفيق من طياري المقاتلات الذين اثبتوا المهارة والجسارة في مواجهة الطيارين الاسرائيليين الذين لاذوا بالفرار بطائراتهم الي قواعدهم في اسرائيل وتخلصوا من حمولات القنابل والصواريخ بإلقائها في الحقول وفوق البحر بعدما عجزوا عن الوصول الي اهدافهم في العمق وباءت بالفشل محاولات التسلل الي قواعد الصواريخ في الجبهة!. وكانت الخطة الاسرائيلية هي التسلل بالطيران المنخفض عبر البحر المتوسط الي الدلتا والقناة لتدمير منصات وقواعد الصواريخ المصرية الموجودة علي الجبهة لحرمان القوات المصرية في سيناء بعد العبور وتحطيم خط بارليف من شبكة الدفاع الجوي ضد هجمات الطيران الاسرائيلي.. ولكن الطيارين المقاتلين المصريين صنعوا مصيدة للطائرات الاسرائيلية فوق المنصورة واشتبكوا معها في معركة جوية طويلة وبأعداد كبيرة من طائرات الميج والسوخوي. وبينما كانت معركة صد الهجوم المضاد الاسرائيلي تدور علي الارض في سيناء وتنفيذا للخطة الامريكية الموضوعة لإسرائيل بتوجيه ضربة قوية ضد شبكة الدفاع الجوي ومنصات صواريخ سام وفي الصباح الباكر من يوم 7 اكتوبر اقتربت اعداد كبيرة من الطائرات الاسرائيلية ووصل عددها إلي 061 طائرة تطير علي ارتفاعات منخفضة فوق البحر من قواعدها داخل اسرائيل في اتجاه المطارات المصرية في شمال ووسط الدلتا وفوق البحر الاحمر في اتجاه مطاراتنا في الصحراء الشرقية. وكانت القيادة الاسرائيلية مازالت تعيش في وهم ان سلاحها الجوي ذا الذراع الطويلة قادر علي توجيه ضربة تدمير قوية ضد مطاراتنا ووسائل الدفاع الجوي، وظنت انه يمكنها تجاوز شبكات الرادار المصرية وتحقق المفاجأة اثناء هجومها.. ولكن أيقن الطيارون الاسرائيليون بمجرد اقترابهم من الاهداف المحددة لهم ان قواتنا الجوية وقوات الدفاع الجوي قد تغيرت جذريا عما كانت عليه في حرب يونيو، ووجد الطيارون الاسرائيليون المقاتلات الاعتراضية المصرية في انتظارهم وتشتبك مع طائراتهم الفانتوم والسكاي هوك الامريكية المتطورة، ومن نجح منهم في تجنب المقاتلات المصرية وتسلل علي ارتفاع منخفض في اتجاه الهدف، وجد نفسه في مصيدة نيران المدفعية المضادة والصواريخ المحمولة علي الكتف، ومن حاول الارتفاع هربا من المصير المحتوم تلقفته صواريخ سام.. واضطر الطيارون الاسرائيليون الي القاء حمولاتهم اينما كانوا وعادوا هاربين من ملاحقة المقاتلات المصرية اذا كتبت لهم النجاة من المعارك الجوية. ولم يعرف النسر الجوي احمد شفيق ورفاقه الطيارين المقاتلين الراحة من الطلعات الجوية المتلاحقة ضد الطائرات الاسرائيلية وصنعوا مظلة حماية للمطارات المصرية في العمق وقواعد الصواريخ في الجبهة، وكان الرئيس السادات يتابع بنفسه معارك الطيران المصري ويعتبرها نقطة تحول في الحرب بعد العبور واقامة رءوس الكباري في سيناء!. لقد خاض هؤلاء الرجال الطيارون المقاتلون معارك بطولية في سماء الدلتا والقناة.. وبعدما فشل السلاح الجوي الاسرائيلي في محاولة ضرب المطارات المصرية مثل ما فعل في يونيو 76 تحول بمجهوده الرئيسي لتدمير الكباري والمعابر التي تنظم شرايين الحياة التي تضمن لقواتنا في سيناء الاستمرار في التقدم صوب الممرات والقدرة علي مواصلة القتال. وتكررت المعارك الجوية وتصدت وسائل الدفاع الجوي تحمي الكباري وتسهم بأكبر خسائر في السلاح الجوي الاسرائيلي وكانت قيادة العمليات في الجبهة علي اتصال مستمر بقيادة القوات الجوية لطلب الحماية والمساندة للقوات البرية ضد الغارات الاسرائيلية.. ويقول المشير محمد عبدالغني الجمسي: لقد حدثت معارك جوية عنيفة اشتركت فيها اعداد كبيرة من الطائرات المصرية والاسرائيلية واستمرت وقتاً طويلا غير متوقع. ولم يقتصر عمل قواتنا الجوية علي حماية القوات البرية بل استمرت في توجيه ضرباتها الجوية ضد المواقع الاسرائيلية في القطاعين الاوسط والشمالي في سيناء لتدمير بطاريات المدفعية ووحدات الدفاع الجوي وبالذات صواريخ هوك وفي نهاية القتال كانت قواتنا الجوية والطيارون المقاتلون وقوات الدفاع الجوي قد اسقطت 75 طائرة اسرائيلية خلال يومي 6 و7 اكتوبر منها 72 طائرة في اليوم الاول وكانت صدمة للجنرال ديان، بينما فقدنا 12 طائرة مقاتلة فقط منها 51 طائرة في اليوم الاول مع الفارق في كفاءة وتسليح الطائرات بين الميج والسوخوي وبين الفانتوم والسكاي هوك.. ولكن طياري المقاتلات أثبتوا كفاءتهم.. وكانت علامة مميزة في حرب اكتوبر بعدد الطلعات الجوية التي نفذها الطيران المصري وعدد المعارك التي خاضها في السماء. واعترف الجنرال إليعازر رئيس الاركان الاسرائيلي: ما لم نتوقعه هو ان الطائرات المصرية اشتبكت مع طائراتنا في قتال عنيف وضار واجبرتها علي ان تدخل مرة اخري مضطرة في مجال الصواريخ ارض / جو »سام« وكان الطيارون المصريون يواصلون الطلعات وحتي آخر ضوء!. وجاء يوم 41 اكتوبر يوم تطوير الهجوم لقواتنا في سيناء وعن دور القوات الجوية في ذلك اليوم الذي حدثت فيه اكبر واعنف معارك الدبابات، فقد قامت قواتنا الجوية بالتمهيد لذلك ووجهت طائراتنا هجماتها ضد الاهداف الاسرائيلية في سيناء وتصدت لهجمات الطيران الاسرائيلي واشتبكت معه في معارك جوية اسفرت عن اسقاط 51 طائرة فانتوم مقابل 9 طائرات ميج، وبلغ اجمالي عدد الطلعات الجوية لطائراتنا في هذا اليوم حوالي 005 طلعة.. وبرغم ذلك فان نشاط السلاح الجوي الاسرائيلي كان واضحا من حيث كثافة وحجم الهجمات مما يؤكد ان المجهود الرئيسي للطيران الاسرائيلي قد تحول من الجبهة السورية ليكون امام جبهة سيناء، وبينما كانت أمريكا قد ارسلت ظهر 11 اكتوبر دفعة اخري جديدة من طائرات فانتوم وسكاي هوك بلغت سبعين طائرة لدعم اسرائيل وتعويض خسائرها في المعارك الجوية!. لقد بذلت القوات الجوية مجهودا كبيرا في ثغرة الدفرسوار وقامت طائراتنا بهجمات مكثفة علي قوات الجنرال شارون التي تمكنت طلائعها من عبور القناة ولحماية قوات الجيش الثاني وبلغ متوسط المجهود الجوي للطيران المصري في منطقة الثغرة خلال المدة من 51 اكتوبر الي 81 اكتوبر حوالي 033 طلعة طائرة واستخدمت كل انواع الطائرات وبالذات المقاتلات.. وقام الطيارون المصريون المقاتلون بدور بطولي في التصدي بطائراتهم الاعتراضية للغارات الاسرائيلية اثناء حرب اكتوبر وخاضوا معارك جوية شرسة وكانوا معرضين للموت حسب ما قال الفريق طيار احمد شفيق وكان واحدا منهم وقد شارك قبل ذلك في حرب يونيو 67 وحرب الاستنزاف وقام بدور بطولي في الطلعات الجوية وهو يواجه الخطر المحقق.. وهكذا قطعوا الذراع الطويلة لإسرائيل!. الجيش المصري له تاريخ الاربعاء: لا يمكن إنكار دور محمد علي في تأسيس العسكرية المصرية وبناء جيشها.. فقد ادرك ان نهضة مصر لن تتحقق الا بتأسيس جيش نظامي مدرب علي احدث فنون القتال.. بعد وصوله الي الحكم في القرن التاسع عشر ورأي محمد علي ان عملية انشاء جيش مصري حديث لابد ان تتم في سرية تامة وفي كتمان شديد بعيدا عن أعين الاتراك والشركس.. والارناؤوط الذين يقفون له بالمرصاد ويدبرون له الدسائس والمؤامرات.. واتجه تفكيره الي ان يتم تكوين الجيش في مكان بعيد عن القاهرة وهي مركز الثورات والتمرد في كل الجهود. ورأي ان اسوان هي انسب مكان لتنفيذ مشروعه الكبير.. وامر ببناء الثكنات والمدارس التي تصلح للتدريب وبعث إليها بألف من خاصة المماليك الموالين له ليكونوا النواة الاولي لضباط الجيش المصري المدرب علي النظام الحديث، ولكن بقي البحث عن الخبير الذي سيقوم بهذه المهمة التاريخية.. وتشاء الاقدار ان تسوق اليه بالقائد المطلوب والذي يفخر به تاريخ العسكرية المصرية باعتباره الرجل الذي اخلص في تنفيذ مهمته وهو الضابط الفرنسي الكولونيل سيف الذي كان في أسطول نابليون واعتنق الاسلام وصار سليمان باشا الفرنساوي!. لقد نجحت فكرة محمد علي خلال ثلاث سنوات وظهرت الي الوجود في عام 0281 اول كتيبة من الضباط الف ضابط الذين تدربوا علي فنون القتال الحديث علي يد سليمان الفرنساوي وبقي التفكير في جسم الجيش اي الجنود وخاف محمد علي من تكرار تجنيد الاتراك والارناؤوط فاتجه تفكيره الي السودان وطلب من ابنه اسماعيل فاتح السودان ان يبعث اليه بعشرين الفا من ابناء كردفان وسنار واقام لهم معسكرات خاصة في قرية »بني عدي« في الصعيد علي ان يتولي تدريبهم الضباط الذين تخرجوا في مدرسة اسوان.. ولكن فشلت التجربة بسبب اختلاف المناخ مما ادي الي تفشي الموت بين الجنود السودانيين!. عندئذ اتخد محمد علي قراره الجريء بتجنيد الفلاحين المصريين واقدم علي الخطوة التي رفض الاقدام عليها حكام مصر علي مدي 32 قرنا وهي السماح للمصريين بممارسة المهن العسكرية وتحمل الدفاع عن وطنهم!. كان تجنيد المصريين في جيش وطني حديث خطوة جريئة رغم صعوبة تنفيذها في البداية ولكنها كانت نواة العسكرية المصرية.. واذا كان فضل التفكير في تأسيس جيش مصري يعود إلي محمد علي الكبير فان فضل التنفيذ يرجع الي هذا الضابط الفرنسي الذي جمع بين عمق الخبرة وسمو الخلق وروح العلم وأثمرت جهود محمد علي وولده الفاتح ابراهيم وساعده اليمني سليمان الفرنساوي وصار لمصر جيش وطني علي احدث الاساليب العصرية، وخلال بضع سنوات أثبت هذا الجيش جدارته وتفوقه في معارك الشام والمورة وتركيا. لم تكن فكرة تأسيس الجيش وليدة اللحظة ولكنها كان تراود محمد علي منذ تولي حكم مصر في عام 5081 وكان يري ان الجيش هو حجر الزاوية في مشروعه الكبير بالنهوض بمصر وجعلها دولة مرهوبة الجانب وقادرة علي صد الاطماع الاوروبية وتدعيم استقلالها عن السلطنة العثمانية وكان الجيش في مطلع حكم محمد علي يتكون من خليط من الاتراك والالبان والارناؤوط الذين تعودوا علي الفوضي والخروج علي الطاعة والنظام.. ولما علموا بعزم الباشا محمد علي تكوين جيش يخضع للضبط والربط اعلنوا التمرد والعصيان ودبروا مؤامرة لاغتياله.. وفي عام 0181 عاد محمد علي إلي تنفيذ مشروعه سرا فقام بتوزيع الشراذم علي معسكرات بعيدة عن القاهرة وبعث معهم بعض اولاده: طوسون واسماعيل للاقامة معهم حتي يتفرغ لمشروع بناء جيش مصري حديث. لم يقتصر دور سليمان الفرنساوي علي التعليم والتدريب وتخريج الدفعات الاولي من الضباط والجنود وانما شارك في ادارة المعارك الكبري التي قام بها الجيش المصري وارسله محمد علي مع ابنه ابراهيم في حرب المورة، ولما عاد تفرغ لاعادة تنظيم الجيش المصري من صميم المصريين، ثم حدثت حرب الشام وفتح الجيش لمدينة عكا الحصينة وتوغل إبراهيم داخل الاراضي السورية ومنيت الجيوش العثمانية فيها بالهزائم وتدخلت بريطانيا وضربت اساطيلها سواحل الشام فأوقف محمد علي الجيش المصري عن الزحف إلي الأستانة!.