نبىل زكى أتصور أن »وثيقة العهد«، التي توافقت القوي والأحزاب المدنية علي إصدارها ووجهتها إلي الشعب المصري.. من أهم الوثائق التي تميز مرحلة ما بين الجولة الأولي لانتخابات الرئاسة.. وجولة الإعادة. وتزداد أهمية هذه الوثيقة للأسباب الثلاثة التي وردت في مقدمتها، وهي: 1 انها تحدد المبادئ التي أجمعت عليها القوي السياسية وتفرضها تحديات المرحلة الراهنة. 2 انها توفر إطارا مرجعيا سياسيا، أو قواعد يسترشد بها المواطنون عند التصويت في جولة الإعادة. 3 التأكيد علي ان قبول هذه المبادئ والأهداف التي تطرحها الوثيقة أو بعضها، من جانب كلا المرشحين أو أحدهما..، لا يترتب عليه بالضرورة التزام القوي والأحزاب السياسية الموقعة عليها بتأييد أو عدم تأييد أي من هذين المرشحين. ما هذه المبادئ والأهداف التي تطرحها الوثيقة؟ 1 ان مصر دولة مدنية ديمقراطية تقوم علي سيادة الدستور والقانون. والمرجعية السياسية الوحيدة لهذه الدولة هي الدستور والقانون، مع التأكيد علي أهمية الحفاظ علي الطابع المدني الديمقراطي للدولة وإبعاد القوات المسلحة عن المشهد السياسي واحترام دورها ووظيفتها المقدسة في الحفاظ علي الأمن القومي لمصر. 2 ضرورة حماية مؤسسات الدولة الرئيسية من محاولات الاختراق والتغلغل من بعض التيارات السياسية أو محاولات توجيه هذه المؤسسات نحو خدمة فصيل أو تيار معين مع الحفاظ علي مهنية وحيادية تلك المؤسسات ووضعها في خدمة جميع المواطنين بدون استثناء، وفي مقدمة هذه المؤسسات: القضاء والجيش والشرطة والأزهر الشريف ومؤسسات التعليم. ومن الواضح هنا ان هذا التأكيد جاء عقب اتجاهات ظهرت بالفعل لتغيير هوية الدولة والسيطرة علي مؤسسات رئيسية، بصرف النظر عن القدرات المهنية والكفاءة، ولضمان الولاء لتيار معين. 3 التمسك بمبدأ المواطنة والمساواة أمام القانون وتجريم التمييز والتفكير والحض علي الكراهية بين المواطنين علي أساس الدين أو المعتقد أو اللون أو الجنس أو المركز الاجتماعي، ووجوب تكافؤ الفرص والمساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات والمساواة الكاملة بين المرأة والرجل. وعلي أساس هذا المبدأ، ينبغي الاعتراف بحقوق متكافئة في بناء دور العبادة وممارسة الشعائر الدينية. 4 من أهم المبادئ التي نصت عليها الوثيقة، بعد استخلاص الدروس من تجارب دول أخري: الالتزام بالتصدي بحزم لأي إعاقة للتداول السلمي للسلطة أو أي تدابير سياسية أو تشريعية تعوق هذا التداول حتي لا تصبح الانتخابات الجارية هي آخر انتخابات(!) ويتشبث حزب حاكم بالبقاء في السلطة إلي ما لا نهاية.. ويلغي تداول السلطة. 5 مطالبة أي رئيس منتخب باحترام ما قرره الدستور بشأن حظر أي تنظيمات سياسية أو أحزاب علي أسس دينية أو طائفية. وسبق لكاتب هذه السطور ان دعا إلي حظر قيام أي رئيس للجمهورية بتأسيس حزب سياسي.. وهو في موقع السلطة أو استمرار انتمائه لحزب سبق ان كان عضوا من أعضائه. 6 احترام الحريات العامة، وفي المقدمة حرية الرأي والتفكير والتعبير والعمل السياسي وحرية البحث العلمي والابداع الفكري والأدبي والفني والحريات الشخصية، وكذلك احترام مبادئ حقوق الإنسان المنصوص عليها في مبادئ ومواثيق حقوق الإنسان الدولية والالتزام بما ورد في الاتفاقيات والمواثيق والبروتوكولات الدولية التي صدقت عليها مصر. 7 تطالب أحزاب الجبهة الوطنية بحسم قضية اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور في موعد أقصاه التاسع من يونيو الجاري، حيث ان هذا هو البرلمان الوحيد علي أن جميع القوي السياسية بما فيها الأكثرية البرلمانية تحرص علي المصلحة العامة، وتترفع عن المناورة الحزبية، وتنتهج طريق الصواب بتشكيل الجمعية وفقا للمعايير التي تضمن ألا يكون لأي تيار سياسي أغلبية عددية في عضوية الجمعية وبحيث تمثل هذه الجمعية، بطريقة متوازنة، كل مكونات وأطياف المجتمع المصري والالتزام باتخاذ القرارات داخل الجمعية التأسيسية بالتوافق أو بأغلبية الثلثين إذا اقتضت الضرورة اللجوء للتصويت. ومن الواضح ان السبب في تحديد موعد التاسع من يونيو.. هو ضمان تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه قبل انتخابات الإعادة، وليس بعدها، لأنه لا يوجد أي ضمان للتنفيذ بعد فوز المرشح بالرئاسة. 8 تطالب الأحزاب بأن يكون تعيين وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل من داخل مؤسساتهم طبقا لمعياري الكفاءة والحيدة وحدهما. ولم يرد في الوثيقة ذكر لوزارة الإعلام، حيث من المفترض أن يتم إلغاؤها بعد تحرير الإعلام من السيطرة الحكومية. والفكرة وراء هذا المطلب هي عدم صبغ أي وزارة من هذه الوزارات بصبغة حزبية. وعلي رئيس الجمهورية أن يلتزم. بمبدأ الحياد والتعامل المتوازن مع جميع الاتجاهات والقوي السياسية، وبالتمثيل المتوازي لكل القوي في المواقع القيادية بمؤسسات الدولة. 9 الدعوة لسياسات تحقق العدالة الاجتماعية من خلال التوازن في الدخول وتلبية الحاجات الأساسية للمواطنين: حق العمل والتعليم والعلاج والسكن لتوفير حياة إنسانية لائقة إلي جانب الرعاية الاجتماعية وحماية الشيخوخة والطفولة. توحيد القوي الوطنية هو السبيل لتحقيق شعارات وأهداف ثورة 52 يناير، وحتي يمكن حماية المكتسبات المدنية للمجتمع، التي تحققت عبر النضال الطويل منذ نشأة الدولة المدنية الحديثة.. واقرار مبدأ الفصل بين السلطات وعدم تغول أي منها علي السلطات الأخري.. إننا في حاجة إلي وحدة الصف للتصدي لأي تشريع استثنائي ينتهك الحريات العامة. وقد وقعت بعض وسائل الإعلام في أخطاء كثيرة عند تناولها لوثيقة العهد. منها من زعم ان الوثيقة موجهة لكل مرشح للرئاسة، علي حدة، لمطالبته بتعهدات محددة، مما يعني تأييد هذا المرشح أو ذاك في حالة موافقته علي هذه التعهدات.. وليس هذا صحيحا.. ذلك أننا ندرك جميعا ان أي مرشح يمكن أن يتعهد بأي شيء قبل التصويت، وفي حالة فوزه.. يتنصل من أي وعد أو تعهد. وهناك من زعم ان أحزاب الجبهة الوطنية تطالب كلا من المرشحين بتشكيل حكومة ائتلافية. والصحيح ان هذه الأحزاب دعت الرئيس القادم إلي تشكيل حكومة ائتلاف وطني ترأسها شخصية وطنية تحظي بتوافق عام.. بشرط الإعلان عن اسم هذه الشخصية قبل انتخابات الإعادة... وهناك من تصور بطريق الخطأ أيضا ان أحزاب الجبهة الوطنية تطالب بتشكيل »فريق رئاسي« من رموز تمثل الاتجاهات السياسية الرئيسية ويتكون من نواب للرئيس ومساعدين ومستشارين (!) وحتي الآن، ليس هناك من يعرف معني تعبير »الفريق الرئاسي فلا يوجد في الاعلان الدستوري شيء من هذا القبيل. ولا يوجد من يتكهن بمجرد اشارة إلي هذا »الفريق« في أي دستور مقبل.. وبالتالي، فإن الأمر لا يعدو أن يكون مطالبة أي رئيس بأن يعين مجموعة مستشارين بلا سلطات وهذا تحصيل حاصل. ولا يوجد أي خلاف بين أحزاب الجبهة الوطنية حول المادة الثانية من دستور 1791 التي تقرر ان الإسلام دين الدولة، وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع مع التمسك بتفسيرات المحكمة الدستورية العليا في أحكامها المتعاقبة لهذه المادة. المهم ان وثيقة العهد موجهة إلي الشعب المصري.. وليس لأي من المرشحين. وهذه الوثيقة معنية، بالدرجة الأولي، باحترام اختيارات الناخبين المصريين وبوضع دستور عصري لدولة مدنية حديثة وترسيخ دولة المؤسسات والقانون وحماية حقوق المواطنين جميعا علي قدم المساواة وتطبيق آليات العدالة الاجتماعية. كلمة السر: حرية الناخب في الاختيار