لا أبالغ إذا قلت إن الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح كان الأفضل علي الإطلاق بالنسبة لمرشحي الرئاسة، فهو يمثل طريقا جديدا اعتبره إحدي نتائج الثورة المصرية علي المستوي الفكري والتطبيقي، وهو باختصار تلاقي التيارين الليبرالي والديني المتطور، وليس الجامد المتحجر المريب المتمثل في جماعة الاخوان، كان أبوالفتوح رمزاً لفكر مغاير، وأخلاقية ونزاهة متجردة يتطلبها منصب رئيس مصر. كما أنه كان يمثل طريقاً جديداً كان يمكن أن يضع مصر علي الدرب الذي سلكته من قبل دول مثل ماليزيا وتركيا، والهند، ولكن تشاء الظروف أن تنتهي إلي نتيجة يمكن أن تدفع بنا إلي مثال الصومال وليبيا والسودان الممزق واليمن الأكثر تمزيقا وغزة المحاصرة بإسرائيل من ناحية وحماس من ناحية أخري. لم يحارب مرشح كما حورب أبوالفتوح، حاربه الاخوان لأنه خرج عن الجماعة عندما ادرك جمودها وتحجرها، وحاربه المثقفون الذين لم يستوعب بعضهم رسالته، وكانت أشرس معركة ضده من الجبهة الأقرب إليه، أعني جبهة حمدين صباحي المرشح الآخر الممثل للثورة وللتغيير الحقيقي، هل كان التوفيق بينهما في حاجة إلي معجزة؟ لا أدري. ولكن الوضع الأمثل كان يقتضي ضرورة تخلي احدهما للآخر، وكان يمكن ان يجيء نائبا ويطرح نفسه للرئاسة بعد أربع سنوات. ولكن وقع الخلف بينهما، وصار ما صار، وهذه قصة تقابلنا كثيرا في التاريخ، حيث يقتتل الأشقاء، ولكن هذا يحدث من أجل الصراع علي السلطة والمغانم، لكن ما كان هذا ينبغي أن يحدث بعد ثورة عظيمة مثل التي حدثت في مصر، خاصة أن وجود الدولة المصرية علي المحك، للأسف ما جري جري خسرنا أبوالفتوح وتبقي مسئوليته عن الخسارة والتي أوجدها فيما يلي: لم يكن واضحا في طرحه لرؤاه الجديدة التي تضمنها مشروعه، لقد أدي عدم الوضوح إلي عدم وصول ما قرأته علي الورق إلي الناس بمختلف فئاتهم، كما أن حركته من خلال حملته لم تتميز بالذكاء في اختيار المحافظات التي كان لابد من تواجده فيها، خاصة الصعيد. عدم توضيح موقفه بالنسبة للجيش الذي كان من المفترض أن يصبح قائدا أعلي له، كما ان أسلوب حديثه عن الجيش وخاصة المشير لم يكن مما يراعي حساسية المؤسسة العسكرية وتقاليدها. ضعف أدائه في المناظرة الوحيدة التي جرت بين مرشحي الرئاسة، والتزامه موقفا اخلاقيا أكثر مما يجب أدي إلي إظهاره، بموقف الضعيف، كان عليه الرد بقوة إزاء محاولات تجريحه وخاصة فيما يتعلق بما سيحققه من أرباح من بيع كتابه، كان يجب أن يوقف منافسه عند حده. ولو أدي الأمر إلي إنهاء المناظرة، لأن الحديث عما سوف يكسبه من أرباح لا يدخل بأي مقياس في آداب المناظرة الأولي من نوعها في تاريخنا السياسي. تلك بعض الأخطاء التي أدت إلي ضعف موقفه، وبهتان صورته علي عكس ما بدأ به، وما أتمناه ألا نفقده كمناضل نزيه وأن يعكف علي تطوير رؤيته الوسطية وتنظيرها، ومحاولة الوصول بها إلي الجماهير الأعرض. المرشح الإخواني السبت سارع بعض الكتاب ممن احترمهم وأحبهم إلي القول فور انتهاء الأمور إلي ما انتهت إليه انهم سوف يحتشدون وراء مرشح الاخوان الدكتور محمد مرسي ضد الفريق أحمد شفيق لأسباب معروفة لا أري فائدة من تكرارها، أو جزها في أن الفريق جزء من النظام القديم الذي سقط رأسه في فبراير. أقول للأصدقاء، تمهلوا قليلا، ولا داعي للاستسلام الذي تمليه الصدمة، اختيار الوقوف إلي محمد مرسي يعني الانتحار العاجل، ذلك ان المرشح الاخواني يجيء في إطار انتمائه إلي جماعة لها أهداف واضحة وجلية تعمل من أجلها منذ عدة عقود وسلكت في ذلك وسائل شتي منها العنف المسلح والاغتيالات، وأتوقع موجة من العنف خلال المرحلة المقبلة، هناك أمور عديدة، شكلية وموضوعية، فمن الناحية الأولي، الدكتور مرسي هو أول رئيس مصري سيكون مرؤوسا، بالتحديد له رئيسان عليه أن يؤدي لهما التمام كل يوم، أولهما المهندس خيرت الشاطر، الرئيس الحقيقي والرجل القوي للجماعة، وثانيهما المرجعية الروحية العليا، المرشد محمد بديع، إن الرئيس الاخواني سيكون دمية لهؤلاء، ومصر في هذه المرحلة الحرجة، الدقيقة، تريد لاعبا واعيا يمسك بالخيوط، وليس لعبة صماء، نريد رئيسا لا يتلقي التوجيهات إلا من شعبه، تلك بديهيات لا أظنها غائبة عن جموع الناس الذين كشفوا عن وعي حاد خلال الانتخابات الأخيرة، فقد كان وعي المصريين ورؤاهم أدق من كل التوقعات، ولم تنخدع جموعهم بمن حاولوا تقديم أنفسهم في صورة مخالفة لما هم عليه بالفعل، اندفع البعض إلي المساجد وركعوا لأول مرة في حياتهم أمام آلات التصوير، وتمسحوا بعربات الفول، والمقابر والعشوائيات التي لم يعرفوها قط إلا مع تقدمهم إلي الانتخابات ولكن هيهات، لم ينطل ذلك علي المصريين، ولم تنخدع ضمائرهم، فيما يتعلق بالجماعة، نزل عدد الأصوات التي حصلت عليها عدة ملايين من انتخابات برلمانية حصلوا فيها علي اثني عشر مليونا، إلي خمسة ملايين حصل عليها مرشحهم الاحتياطي، أي أنه خلال عدة شهور فقدوا حوالي سبعة ملايين صوت، لم يأت هذا من فراغ، بل نتيجة الأداء السييء، الشكلي الذي كشف عن توجهات الاخوان، وسياساتهم الضحلة. بدءا من الأذان في المجلس، إلي ارسال وفد إلي دبي للوقوف علي اخر منجزات الرقابة في السيطرة علي المواقع الإباحية في الإنترنت، إلي قوانين تحريم مضاجعة الموتي ، إلي سائر الأمور الشكلية التي سيغرقون فيها المصريين بعد وصولهم للسلطة الرئاسية، ومن ذلك تقطيع الأيدي والأرجل، وتنقيب النساء، والرقابة المشددة علي كل منجزات الابداع المصري والحضارة المصرية، إلي آخر القائمة التي رأينا نماذج منها في السنوات الماضية وهم مطاردون، بعيدون عن السلطة، فما البال الآن وقد أصبحوا مسيطرون علي مجلس الشعب، وصهر الرئيس المقبل يرأس الشوري والصحافة، وها هي الرئاسة دانية قطوفها، مع العلم أنه في الديمقراطيات العريقة، يحرصون علي التنوع في المسئولية، أوباما الديمقراطي بالرئاسة، لكن أغلبية الكونجرس للجمهوريين، في مصر تم تسليم المؤسسات لهم، وها هي الرئاسة علي وشك، هنا يجب التنبيه إلي أن الجماعة لم تأت عبر انتخابات لكي تذهب بانتخابات، هؤلاء يخططون للاستيلاء علي الدولة وتغيير هويتها، لن يجيء الدكتور مرسي بمفرده، بل سيكون معه فريق يقدر عدده بثلاثة عشر ألف كادر هم جاهزون الآن لاحتلال المواقع الإدارية للدولة، هذا الجيش الإداري من كوادر الاخوان لن يمكث فقط لمدة أربع سنوات، لكنهم يجيئون للبقاء إلي مدي لا يعلمه إلا الله، إن تجربة الجزائر تحدث بالمقلوب في مصر، في الجزائر نجح الاخوان في الانتخابات وأزاحهم الجيش فدخلت البلاد في حرب أهلية، في مصر نجح الاخوان في الانتخابات البرلمانية فبدأوا خطوات عديدة للاستيلاء علي الدولة، حتي لجنة إعداد الدستور حاولوا السيطرة عليها، وفي تقديري ان جناحهم العسكري الذي كان خاملا طوال المرحلة الماضية في طريقه إلي الظهور، وأن الأسلحة المتطورة التي تدخل البلاد مؤخرا تتجه بلاشك إلي جماعة الاخوان، انهم القوة الوحيدة العاملة في الواقع السياسي التي تمتلك جناحا عسكريا سيظهر في الوقت المناسب لمواجهة الجيش المصري عند اتجاههم إلي الخطوة الأخيرة للسيطرة علي العامود الفقري للدولة، إلا إذا وجدوا طريقا آخر يتم بدون لجوئهم إلي العمل العسكري، الاخوان يتقدمون بخطي حثيثة للسيطرة علي الدولة وليس لشغل مواقع جاءوا إليها بالديمقراطية وسوف ينصرفون عنها بالديمقراطية، ربما يقول البعض ان عددهم قليل، وأن تأييدهم في انحسار، هذا صحيح، ولكن لنذكر ان حزب هتلر في عام 3391 لم يكن أغلبية لكنه كان الأكثر تنظيما، وصاحب فلسفة عنصرية فاشية قادت العالم إلي حرب فقد خلالها مائة مليون من البشر أرواحهم، انتخاب الدكتور محمد مرسي خطر علي كيان مصر والمصريين، لذلك أتمني من المثقفين وأصحاب الرأي والمواطنين الذين يعلنون بحسن نية ونتيجة موقف ضد النظام القديم ان يفكروا في الأمر مليا، ان التصويت لمحمد مرسي يعني نهاية الدولة التي عرفناها وليس نهاية نظام، إنه بداية تفكيك الوحدة الجغرافية والتاريخية المستمرة منذ آلاف السنين، إن الفساد يمكن تقويمه ومقاومته ودحره ولكن الرؤي الفكرية المتعصبة تكتسح الأوطان وتهدد المصائر ولننظر إلي جارينا، ليبيا والسودان. الأبناء الامريكان السبت ايضا للدكتور محمد مرسي ابناء ولدوا في الولاياتالمتحدة واكتسبوا جنسيتها خلال وجوده للدراسة، تلك سابقة في موقع الرئاسة وحالة فجة تكشف أيضا العوار الدستوري الكامن في التعديلات التي أقرتها لجنة المستشار طارق البشري التي مهدت لصعود القوي الدينية ولم تضع المصلحة الوطنية في الإعتبار. إذ تضع شرطا لحرمان المصري المولود من والدين امريكيين - اجانب - كما حدث مع المرشح حازم ابو إسماعيل. في نفس الوقت تتغاضي عن ذكر المرشح الاب لأبناء يحملون جنسيات اجنبية، هل كان في ذهن بعض اعضاء اللجنة حالة الدكتور محمد مرسي أو اشباهه؟ لا أقدر علي الجزم، لكن المؤكد أننا أمام حالة جديدة تتعلق بمرشح رئاسي قد يصبح رئيسا لمصر وهو اب لابناء امريكيين، لم يحدث ذلك في تاريخنا. خطورة ذلك في نقاء ولاء الأب، لن اتساءل عن وضعه في حالة نشوب نزاع مسلح تستخدم فيه القوة العسكرية، واحتمال مشاركة الابناء الاجانب في الهجوم علي الوطن الذي يرأسه الاب. حدث هذا في غزو العراق، ولكن اتساءل عن موقف الرئيس من البلد الذي منح جنسيته للأبناء عند توقيع الاتفاقات او تبادل المشروعات. موقف دقيق، وما ننتظره من الدكتور محمد مرسي أن يعلن سحب الجنسية من ابنائه واحتفاظهم بالجنسية المصرية فقط وذلك درءاً للشكوك والمظان المترتبة علي حمل أبنائه الجنسية الامريكية، وإعلانه عن تنازل الابناء سوف يؤكد مصداقيته في خدمة الوطن وعدم إيجاده سابقة قد يكون لها آثار خطيرة في المستقبل. مصطفي الخشاب نيويورك لم أستطع ان ألتقي الدكتور مصطفي الخشاب عندما جاء الي مصر كعادته من حين الي حين ليجري عمليات جراحية دقيقة جداً للفقراء من مرضي القصر العيني، كان ذلك خلال اليوم الذي تحدد منذ شهور لخروج الادباء والفنانين في مظاهرة ضد الاخطار التي تهدد حرية الابداع من الاتجاهات السياسية المستغلة للدين، مشينا من الأوبرا حتي مجلس الشعب، وعندما انتهت المسيرة اتصلت بالدكتور مصطفي ولكنه اعتذر عن عدم اللقاء، قال بألم إنه مهما وصف لي فلن يقدر علي تجسيد الاوضاع التي رآها من الفقر والتدهور الصحي والانسحاق الانساني، لقد قرر الاستمرار في اجراء العمليات الجراحية حتي المساء، الدكتور مصطفي متخصص في جراحات المخ والأعصاب، هاجر منذ سنوات إلي الولاياتالمتحدة وأصبح جراحاً مرموقاً في أحد أكبر مستشفيات نيويورك، وفي المدينة العالمية يعيش حوالي مائتي طبيب بارز جاءوا من مصر، غير أن معظمهم مازال فيها قلباً وروحاً. وكثيراً ما أحرص علي لقاء الدكتورة فاطمة عليم التي أطلق عليها مجازاً »الملكة« لهيئتها الصعيدية وملامحها الفرعونية الاصلية، إنها تعمل مع اطباء آخرين في مكافحة السرطان بمصر، وفي العام قبل الماضي تابعت من خلال هذه اليوميات تبرع الدكتورة مني شرقان بجهاز علمي نادر يحتاجه الأطفال المصابون باللوكيميا، هذا مجرد مثال. وسجل الدكتورة فاطمة عليم حافل بالجهود التي تتجاوز قيمتها ملايين الدولارات، اسماء أخري تبزغ في الذاكرة مثل الدكتور علاء الرفاعي والاخوين مدحت رءوف وشقيقته جنان وغيرهم، الاحد الماضي امضيت يوماً ثرياً رائعاً مع الاصدقاء نائل الشافعي خبير الاتصالات ومؤسس موقع المعرفة الذي يعتبر دائرة معارف ثقافية، التف الدكتور مصطفي الخشاب ومدحت رؤوف وآخرون تطل علّي ملامحهم وتغيب اسماؤهم، حول الاديب الفنان بلال فضل الذي يزور نيويورك حالياً ويوقف المصريين في الشوارع للحديث معه عن الثورة ومصيرها ولهذا اللقاء حديث آخر في اليوميات، غير أن ملامح مصطفي الخشاب التي تعكس رقته ومصريته الرفيعة واحساسه النبيل بالفقراء في وطنه الاصلي، هذه الملامح تلح علي، وتذكرني بكلمات البابا شنودة حكيم مصر الراحل، »ان مصر وطن يعيش فينا ونعيش فيه« ان الكثيرين ممن التقيتهم هنا يحملون ويجسدون مصر وهمومها وكأنهم لم يفارقوا الوطن الجميل الرائع قط، لا يتكلم الدكتور مصطفي كثيراً، لكن وجهه الطيب وجهده العلمي والانساني من أجل فقراء ومرضي المصريين يتجاوز الكثير من المعاني الي افق ارفع لمعني الوطن وجلال الانسانية. من ديوان الشعر العربي قال صلاح جاهين في رباعياته انا قلبي كورة والفراودة ألَمْ ياما اتفضح واتشاط وياما اتعكم واقول له كله حينتهي في الميعاد يقول لي ساعتك ولا ساعة الحكم عجبي