جاء سيدنا ابو ذر الغفاري يوما الي النبي صلي الله عليه وسلم وفي قلبه شغف للإمارة وتمني لو أن النبي استعمله كوالي علي أحد الامصار فقال: يارسول الله ألا تستعملني؟! ورغم مكانة ابو ذر وقربه من النبي ورغم ان جميع ملائكة السماء وعلي رأسهم سيدنا جبريل يعرفون ابو ذر ومكانته عند ربه الا ان النبي الذي لا يعرف المجاملة في الحق قال له بوضوح: »يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة.. إلا من اخذها بحقها« وفهم أبو ذر الرسالة وانصرف ولم يعد للمطالبة بالإمارة إبدا. وفي تقديري ان هذا الاندفاع من جانب السادة المرشحين لرئاسة الجمهورية وتكالبهم والحاحهم علي طلب السلطة يمثل قلة في الفهم ونقصا في الدين.. بل اسمحوا لي ان أقول ان واحدا منهم لو تدبر الامر وعرف انه سيقف امام الله تعالي وان 09 مليون مصري معظمهم يعاني من القهر والظلم والاستبداد سيسألونه واحدا واحدا.. وان كلا منهم لو استمر القهر والظلم واقعا عليه سيأخذ حقه كاملا من حسنات هذا الرئيس فإنه لن يتحمل مطلقا هذه العاقبة. بل سيفر من هذا الترشيح وهذه الرئاسة بمثل فراره من الاسد. ولكن الذي يفزعني انهم لا يفرون ولا ينسحبون ولا يبادرون بغنيمة الإياب من هذا السباق الدامي. وإنما علي العكس يتقاتلون عليه ويحشدون الانصار والاتباع ليأتوا بهم الي مقعد الرئاسة ولو علي أسنة الرماح وفوق أشلاء الضحايا.. فهل يري أحد هذا الا قلة في الفهم.. ونقص في الدين؟! وفي الحديث المشهور يقول النبي صلي الله عليه وسلم ما معناه: »من تولي أمر عشرة جيء به يوم القيامة مكبلا بالاغلال.. يفكه عدله.. أو يوبقه جوره وظلمه«.. وتصور معي ان هذا الموقف العسير يحدث اذا كان المحكومين عشرة أشخاص فقط.. فما بالك بحال من تولي أمر 09 مليون من المصريين. ورغم المخاطر فإن كثيرا من المرشحين يظنون في أنفسهم خيرا ويعتقدون أنهم سوف يأخذون هذا المنصب الحساس والخطير بحقه.. فما هو حقه؟ كما يقول العلماء أن تنطبق عليه أربع صفات هي القوة والامانة والتدبير والعلم أخذوها من القرآن الكريم »يا أبت إن خير من أستأجرت القوي الأمين«.. أي الامانة والقوة التي تحلي بها سيدنا موسي.. والثانية »إجعلني علي خزائن الارض إنني حفيظ عليم« أي القدرة علي التدبير والعلم والمعرفة وهما الصفتان اللتان تحلي بهما سيدنا يوسف وبهما أصبح مسئولا عن إدارة خزائن مصر. وتعال معي نستعرض هذه الصفات الاربعة في المرشحين لرئاسة مصر واحدا بعد الآخر لنري من منهم قدم نفسه بمثلها للناس؟.. ثم هل قامت الجماهير بتزكية أي مرشح من تلقاء نفسها لتأتي به الي هذا المركز الحساس.. فمن تولي الامارة بغير طلب منه أعانه الله عليها.. أما من تولي الامارة بالالحاح أو التحالف أو التدليس فيوكل الله أمره الي نفسه. ولا يعبأ الله به كيف يهلك!! لقد تولي الخلفاء الراشدون الخلافة وهم كارهون خائفون حتي أن سيدنا عمر بن الخطاب كان يقول من شدة الوجل والخوف »والله لو عثرت بغلة علي شاطيء الفرات لخلت ان الله ساءلني لم لم تمهد لها الطريق ياعمر« وأنظر اليه عندما رأي إمرأة ناقمة عليه وهي لا تجد ما تطعم به صغارها فيذهب ويحمل الدقيق والسمن علي كتفيه ويحملهما اليها في جوف الصحراء ويبقي ليعد الطعام بنفسه لها ولصغارها ولا يرتاح الا بعد ان يطعمهم ويشتري من المرأة مظلمتها حتي لا تشتكيه الي الله.. بالله عليكم اذا كان هذا حال من هو افضل الناس بعد ابي بكر الصديق فكيف يكون حال فلان أو علان أو ترتان من السادة الذين يتهافتون علي حكم مصر ولماذا هم لا يخافون مثله؟.. لقد كان الذئب يرعي مع الاغنام في زمن عمر بن عبدالعزيز. فلما هجم يوما علي احد الاغنام ادرك الراعي فورا أن عمر بن عبدالعزيز قد مات لأن ميزان العدل قد اختل!! فيا أيها الفرحون بترشحكم.. كم من الشرف أنتم مقبلون عليه.. وكم من الخزي والندامة والمسئولية ايضا..