جلال عارف اختلف الميدان.. ليس هو الميدان الذي توحدت فيه مصر، فأنجزت ثورتها العظيمة قبل عام وبضعة شهور!.. انه الآن يحمل آثار ما حدث بعد ذلك من ارتباك وانقسام ومحاولات لحصار الثورة أو اختطافها، ورغبات طائشة في الاستحواذ علي مصير وطن يعرف الجميع فيه ان كلمة السر في كل انتصاراته عبر التاريخ كانت وحدته الوطنية المقدسة! اختلف الميدان.. المنصة الواحدة تحولت الي عشرة.. وكان من الممكن ألا يكون ذلك نذير خطر ، لو ان الهدف واحد والطريق واضح والقصد مستقيم. لكن الأمر - للاسف الشديد- لم يكن كذلك. كان الكل يتحدث عن »لم الشمل« دون ان نسمع بادرة واحدة تعيد شيئا من الثقة المفتقدة، وكان الهتاف يتعالي »إيد واحدة« فتعرف أن هناك اشتباكا يجري تطويقه حتي لا يتحول لكارثة. الدعوة لمليونية الجمعة الماضية كانت أساسا من شباب الثورة والقوي المدنية للتأكيد علي حق الشعب كله في ان يشارك في وضع الدستور. بعد التطورات المتلاحقة في الاحداث وبعد الحكم القضائي التاريخي بتعطيل لجنة الدستور التي استحوذت عليها الاغلبية البرلمانية، اعلن الاخوان المسلمون وبعض الجماعات الاسلامية الاخري انهم سيشاركون في المليونية. وهكذا جاءت الفرصة لتصحيح الخطأ واستعادة الثقة بين كل الأطراف مرة أخري. لم يكن الأمر يحتاج لمعجزة. كان المطلوب فقط ان يأتي الفرقاء الي مليونية أول امس ليعلنوا الوفاء للثورة ولدماء الشهداء، وليقوموا للملايين انهم قد اتموا الاتفاق علي معايير اختيار اللجنة الجديدة للدستور لتمثل شعب مصر تمثيلا صحيحا، وانهم يعلنون التزامهم الكامل، وبدون لف أو دوران، بكل ما جاء في وثيقتي الأزهر حول مدنية الدولة وضمان الحريات والتأكيد علي المساواة الكاملة بين المواطنين. بدلا من ذلك، استمرت المناورات للتهرب من الالتزام بدستور لكل الشعب، واستمرت الخلافات بين الفرقاء، وجاءت الاطراف الي ميدان التحرير ومع كل منها المنصة الخاصة به والاجندة التي تخدم اهدافه. والمشكلة ان البعض يتعامل مع الميدان علي انه مصدر الشرعية في يوم وانه مأوي البلطجية في يوم آخر!! وان البعض يريد ان يغير مواقفه كما يغير قمصانه، ثم يطالب الناس بالسمع والطاعة في كل الحالات!! أفهم مثلا ان تجيء المطالبة بتعديل المادة 82 من الاعلان الدستوري من هؤلاء الذين قالوا »لا« في الاستفتاء، ولكن ماذا عن الذين يحكمون بالكفر علي كل من قال »لا« يومها ؟ وماذا عن الذين رفضوا اي حديث عن تعديل الاعلان الدستوري حين طالبنا بتعديل المادة 06 لكي نضع الدستور قبل الانتخابات، وقالوا ان هذا التفاف حول ارادة الأمة؟ ولماذ لم يتحركوا الا بعد ان اكتووا بنيران هذه المواد وتم استبعاد مرشحيهم؟ واين فضيلة الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه؟! ان لم الشمل يبدأ بالاعتذار عن الخطأ، ووحدة الصف تبدأ بالتوافق الحقيقي حول الدستور، وبدون ذلك لن تعود الثقة، ولن تلتئم الجروح!!