جاءت جمعة الغضب الثانية كما أطلق عليها البعض لتكرس الانقسام المتزايد في الشارع المصري فوحدة المصريين التي كانت حاضرة أثناء ثورة 52 يناير للأسف لم تعد موجودة الآن فعندما دعت بعض القوي السياسية لهذه المظاهرات جاءها الرد سريعا برفض الإخوان والتيار الإسلامي بأكمله لهذه المظاهرات كما أن بعض التيارات السياسية والأحزاب وبعض ائتلافات شباب الثورة كانت رافضة للنزول إلي ميدان التحرير. كما أن الانقسام كان حاضرا أيضا بين المتظاهرين في ميدان التحرير وبدأ هذا الانقسام عندما وجدت خطبتان للجمعة في الميدان وهو ما أدي إلي تشتت وإرباك المصلين وبعد انتهاء الصلاة ظهرت عدة منصات في الميدان ووصل عدد المنصات في بعض أوقات التظاهر إلي »5 منصات« هذا بالإضافة إلي انتشار مكبرات الصوت في تجمعات المتظاهرين وسيطر علي المنصات قيادات الأحزاب المشاركة في التظاهرات وبعض ائتلافات شباب الثورة وبعض الأحزاب الجديدة مثل المصريين الأحرار كما كانت هناك منصة خاصة بالعمال المشاركين في التظاهرات والتي كانت مطالبهم تتلخص في وضع حد أدني للأجور 1200جنيه وكانت هناك منصة يشارك بها مجموعة من الشباب للانتماءات وقالوا إنهم نزلوا الميدان للمطالبة بالتغيير. مظاهرات جمعة الغضب الثانية لم تخل من المطالب الفئوية فموظفو المجلس القومي للترجمة طالبوا بإقالة زاهي حواس من وزارة الآثار. كما طالب بعض العاملين بماسبيرو بتحسين أجورهم وإقصاء سامي الشريف من اتحاد الإذاعة والتليفزيون. كما شارك بعض موظفي الجهاز المركزي للمحاسبات في التظاهرات وطالبوا بإقصاء المستشار جودت الملط رئيس المجلس. وظهر الانقسام واضحا في خطب القيادات السياسة علي المنصات فالبعض طالب بتشكيل مجلس رئاسي مدني والبعض الآخر رفض هذا المطلب. والبعض طالب المجلس العسكري بضرورة الرجوع إلي ثكناته والبعض الآخر طالبه بضرورة البقاء في هذه الفترة الانتقالية كما أن البعض هاجم ولأول مرة عصام شرف رئيس الوزراء إلا أن ذلك الهجوم قابله دفاع قوي من جانب أنصار رئيس الوزراء. وخرجت البيانات والتي تم توزيعها في الداخل تحمل العديد من التناقضات في الأفكار والرؤي . غاب العديد من مرشحي الرئاسة عن التظاهرات فلم يحضر سوي حمدين صباحي وأيمن نور وبثينة كامل وردد البعض نفس هتافات ثورة 25 يناير قبل تنحي الرئيس مثل »الشعب يريد إسقاط النظام« و»عيش حرية عدالة اجتماعية« إلا أن المتظاهرين لم يوضحوا اين هو النظام الذي يطالبون بإسقاطه كما أن البعض طالب بالاعتصام في ميدان التحرير حتي يسقط النظام! وعلي الرغم من حالة الانقسام الكبيرة هذه إلا أن جميع المنصات توحدت علي أمر واحد وهو الهجوم علي جماعة الإخوان المسلمين ونالت الجماعة القسط الأكبر من الهجوم علي التيارات التي لم تشارك في التظاهرات وردد المتظاهرون شعارات »الثورة ملهاش معاد مش عاوزة مكتب إرشاد« ولا إخوان ولا أحزاب.. الميدان مليان مليان. ودخل منتصر الزيات.. محامي الجماعة الإسلامية في مشادة كلامية مع بعض المتظاهرين فور دخوله الميدان وتجمعت أعداد كبيرة من المتظاهرين حوله عندما أكد لهم ضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية أولا ثم الانتخابات الرئاسية واتهموا التيار الديني بتفريق الوحدة التي تشكلت أثناء الثورة وطالبوا الإخوان بالاعتذار. كما نال حزب الوفد والجماعة الإسلامية ومجلس أمناء الثورة والجماعة السلفية واللجنة التنسيقية للثورة وهي الأطراف التي لم تشارك في التظاهرات قسطا من الهجوم ووجهوا اتهامات لهم بخيانة الثورة. ومن المطالب التي اتفق عليها المتظاهرون ضرورة سرعة محاكمة الرئيس السابق ونقله إلي سجن مزرعة طرة كما طالبوا بانتخاب لجنة تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد قبل إجراء أية انتخابات، وإلغاء إحالة المدنيين للقضاء العسكري وتحويلهم إلي المحاكمة المدنية وتطهير الشرطة والإعلام من القيادات الموالية للنظام القديم. وهذه المطالب يطالب بها الثوار في جميع التظاهرات التي خرجت من قبل إلا أن البعض يري مطلب وضع الدستور قبل الانتخابات تعديا واضحا علي إرادة الشعب المصري والذي قال كلمته في الاستفتاء علي الدستور ومن بعده الإعلان الدستوري والذي نص علي إجراء الانتخابات البرلمانية أولا ثم انتخاب لجنة تأسيسية لوضع الدستور الجديد. واختلف المتظاهرون فيما بينهم حول هذا المطلب فالبعض يري ضرورة احترام رأي الأغلبية أيا كان والبعض الآخر يري أنه لايجوز أن نبني المتغير قبل الثابت أي لايجوز انتخاب مجلس الشعب والذي يتغير كل خمس سنوات قبل الدستور الدائم والذي لايتغير إلا في حالات الضرورة. وجاء هتاف »مسلم ومسيحي إيد واحدة« ليلهب الجميع داخل ميدان التحرير وهو من أهم الأشياء التي اجتمع عليها المتظاهرون رافضين الوقيعة بين أطياف الشعب المصري كما طالب البعض بوضع قانون يجرم الطائفية ولو باللفظ واتهموا النظام السابق بالتفرقة بين مسلمي مصر وأقباطها. واتفق المتظاهرون أيضا علي خطورة الوقيعة بين الجيش والشعب وهو ماظهر واضحا عندما قام أحد شباب الثورة بانتقاد المجلس العسكري وطالبه بأن يترك شئون البلاد فكان رد المتظاهرين الجيش والشعب إيد واحدة وهو ماحدث مرة أخري عندما هاجم أحد رؤساء المحاكم المجلس العسكري واتهمه بالتواطؤ مع رموز النظام السابق. ولم يعط المتظاهرون الفرصة له لأن يكمل كلامه واتهموه بهتافات »انزل انزل« وهو ماجعل بثينة كامل إحدي المرشحين لانتخابات الرئاسة المقبلة يقوم بتهدئة الأجواء رافضة الوقيعة بين الجيش والشعب كما أنها مدحت القضاء العسكري ووصفته بالشريف كما أن جمال زهران نائب مجلس الشعب السابق رفض بشدة الوقيعة بين الجيش والشعب وطالب بضرورة الحفاظ علي العلاقة الوطيدة بين الجيش الذي حمي الثورة والشعب المصري. وعلي الرغم من مشاركة أكثر من 200 ألف متظاهر في ميدان التحرير إلا أن سوء التنظيم كان سائدا في الميدان حيث غابت الشرطة كالعادة عن تأمين الميدان كما أن القوات المسلحة فوتت الفرصة علي المغرضين وانسحبت من الميدان وقام الثوار بمهمة تفتيش المتظاهرين إلا أن حالة الميدان كان يسيطر عليها الباعة الجائلون فانتشرت لأول مرة عربات لبيع البمبار وساندوتشات الكبدة والسجق وعربات لبيع الكشري والمشبك والبسبوسة كما وقفت عربة كبيرة لبيع البطيخ بجوار المتحف المصري وقال البائع إنه يبيع بطيخ الثورة وهو ما علق عليه أحد المتظاهرين بأنها »مليونية الباعة الجائلين«. وانتقد المتظاهرون غياب الشرطة عن تأمين الميدان واعتبروها فرصة ثمينة لبناء جسور الثقة بين المواطنين وضباط الشرطة ورفض المتظاهرون إقالة وزير الداخلية وطالبوه بضرورة تطهير الشرطة من القيادات الموالية لحبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق. وطالبت أسر شهداء ومصابي ثورة 25 يناير بضم أنس الفقي وزير الإعلام السابق وطارق كامل وزير الاتصالات السابق وحاتم الجبلي وزير الصحة الأسبق إلي القضية رقم (1227) لسنة 2011 جنايات قصر النيل والخاصة بقتل وإصابة الثوار أثناء الثورة كما طالبوا وزير العدل ورئيس محكمة الاستئناف والمشير طنطاوي بتغيير هيئة محاكمة العادلي وتفرغ الهيئة الجديدة لهذه القضية نظرا لأنها قضية كل المصريين كما طالبوا بنقل وقائع جلسات المحاكمة تليفزيونيا لما له من أهمية قصوي لمعرفة جميع الحقائق كما طالبوا بضرورة نزول أفراد الشرطة الشرفاء إلي مقار عملهم بكامل قوتهم. وشهد الميدان أيضا ترويج الأحزاب الجديدة لنفسها وقاموا بتوزيع العديد من المنشورات للتعريف بهذه الأحزاب وكانت الأحزاب الأكثر وجودا حزب المصريين الأحرار وحزب العدل وحزب نهضة ثورة مصر وعلي الرغم من عدم مشاركة الإخوان خلال التظاهرات إلا أن محمد المحلاوي وهو أحد أعضاء الإخوان المرشح لانتخابات الرئاسة استغل التظاهرة وقام بتوزيع منشورات لعرض برنامجه الانتخابي وفي نهاية اليوم أصر الجميع علي ضرورة إخلاء الميدان بينما مجموعة صغيرة كالعادة أصرت علي الاعتصام. وانتهت جمعة الغضب الثانية بسلام.