في الزيارة الأولي الي الجزائر قبل 7 سنوات، بدعوة من جماعة الجاحظية الأدبية، وكان يرأسها الروائي الراحل "الطاهر وطار".. رحت أسأل كل من التقي به: ما اخبار بن بيللا؟ أين يعيش؟ ماذا يعمل؟ هل يمكنني مقابلته؟ احيانا كان يندهش البعض، واحيانا لا يكترث البعض، بينما قال كثيرون: سوف يأتي بعد قليل، أو في جلسة المساء، أو ندوة الغد.. بدا الأمر غير العادي بالنسبه لي، عاديا جدا وأقل بالنسبة للجزائريين..!! هل حقا لم يحقق بن بيللا الطموحات الجزائرية، هل سقطت هيبة الثائر وقداسته، ام أن سنوات انقلاب الرفاق عليه، وتغيبه 14 عاما في السجن كانت كافية لإحداث المسافة، ام هو التحول من صورة الاشتراكي بملابسه الصينية البسيطة، الي التقارب مع الجماعة الاسلامية بالجزائر أحدث ذلك التباعد.. تعددت الاسباب لكن يظل احمد بن بيللا أحد أبطال زمن التحرير العربي، وأحد أبرز الوجوه الناصعة في تاريخنا الحديث، أحد مؤسسي جبهة التحرير الجزائرية، وأول رئيس للجمهورية (1962).. تلك حقيقة لم يستطع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تجاوزها، حين اعلن أمس الحداد العام في الجزائر لمدة أسبوع، وفي برقية عزاء الي أسرة بن بيللا، وإلي الجزائريين، قال بوتفليقة (نبكي رجلا عظيما أضاء بحكمته الطريق الي الحرية، وبناء دولة الجزائر الحديثة). يرحل بن بيللا (96عاما) في الذكري الخمسون لاستقلال الجزائر، رمزا وطنيا عربيا، لم يجاهد الاستعمار الفرنسي فقط، ولكن كان يجاهد بالأساس فرنسة الجزائر، دفاعا عن العروبة، التي جرحه دائما الي حد البكاء، عدم قدرته علي إتقان العربية، أو الحديث بها.