رحل عن عالمنا القاص والناقد والروائى الجزائرى الطاهر وطار (15 أغسطس 1936 – 12 أغسطس 2010) عن عمر ناهز 74 عامًا بعد رحلة كفاح ضد المرض قضاها بين بلده الجزائر وبين فرنسا. ويعد الطاهر وطَّار من مؤسسى الأدب العربى الحديث فى الجزائر، وممن يكتبون أعمالهم باللغة العربية الفصحى، والتى تعلمها فى الرابعة عشرة من عمره. كان رحيل وطار يشبه أمنيته، التى أفصح عنها فى أحد الحوارات الصحفية التى أجريت معه، فقال "أتمنى أن أموت صادقًا كالشهداء"، فمات فى شهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب جهنم، وتعتق فيه الرقاب من النار. رحل وطار وترك شعاره "لا إكراه فى الرأى" والذى أطلقه بتأسيسه للجمعية الثقافية "الجاحظية" العام 1989 بالجزائر، والذى عرف عنه فى بدايات أعماله ميوله اليسارية ورفض استعمال عبارة "الإرهاب" فى بلاده وفضل استعمال مصطلح "العنف والعنف المضاد". التحق "وطَّار" عام 1956 بثورة التحرير الجزائرية وانضم إلى صفوف جبهة التحرير الوطنى، حتى استقلال البلاد العام 1962، حيث أنشأ فى السنة نفسها جريدة "الأحرار" وهى أسبوعية سياسية ما لبثت السلطات أن أوقفتها بعد وقت قصير، لينتقل بعدها من قسنطينة إلى العاصمة الجزائرية حيث أصدر أسبوعية أخرى بعنوان "الجماهير"، أوقفتها السلطات أيضًا. دخل الطاهر وطار ميدان الفن الروائى سياسيًا ومناضلاً، ولذلك جاءت معظم أعماله معبرة عن حياته وتجاربه التى عاشها قبل الاستعمار الفرنسى لبلاده وبعده. يقول عن بدايته "حاولت كتابة الشعر فى مطلع الخمسينات فى سياق صعب بحكم عدم معرفتنا - الجزائر - وقتها بالواقع الشعرى العربى واقتصارنا على الشعر العمودى القديم فى صوره التقريرية التقليدية، فمحاولاتى الشعرية الأولى لم تعمر طويلاً واكتشفت بسرعة وبحكم حسى التجاوزى أن ما كتبته لا يمت بصلة للشعر، وكان مجرد كلمات مصفوفة وسلسة جمل مركبة وشبه قافية، الأمر الذى ترك بداخلة حرقة جعلتنى فى أمس الحاجة إلى التعبير عما كان يختلج فى أعماقى كشابٍ فى مقتبل العمر دفعانى إلى تجريب نوع كتابة أخرى، فحاولت فى صيف عام 1954 كتابة النثر ومن جديد لم أوفق ولم أتمكن من الاستمرار. بعد مغادرتى قسنطينة وتوجهى إلى تونس عام 1955، وبحكم هوايتى غير المحدودة للقراءة رحت التهم القصص والروايات بوتيرة مدهشة فقرات جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وأمين الريحانى، وطه حسين، والعقاد، وكل أدباء تلك الفترة. وفى تونس استفزتنى القصص العربية والأجنبية المترجمة التى قرأتها فى مجلة "القصة" المصرية فأرسلت قصة الحب الضائع إلى جريدة "الصباح" التى نشرتها بسرعة، الأمر الذى شجعنى على الاستمرار بحماسة كبيرة استجابة لنداء وعيى الأيديولوجى المبكر، وميلى الناضج للكتابة، وعززت الانطلاقة بقصص أخرى عن الثورة الجزائرية، وعن مواضيع أخرى تفرضها مشاعر اللحظة وهكذا وجدت نفسى مرتاحا فى القصة كجنس أدبي، وقادرًا على مزاحمة الكتاب التونسيين المعروفين الذين كانوا ينشرون فى الصحف والمجلات المختلفة". ومن أشهر ما كتبه الطاهر وطار من روايات طويلة كانت روايته "اللاز" 1974، "الزلزال" 1974، "الحوات والقصر" 1975، و"عرس بغل" 1978، "العشق والموت فى زمن الحراشى" ونشرها مسلسلة فى مجلة "الوطن العربي" 1979، واختتم وطار مسيرته الإبداعية الطويلة بروايته "قصيد فى التذلل" وكان آخر ما نال من جوائز، جائزة الرواية لمؤسسة سلطان بن على العويس الثقافية عام 2009. وقد ألف الطاهر وطار عدة كتب ترجمت من العربية إلى نحو 10 لغات منها، الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية والبرتغالية والفيتنامية واليونانية والأوزبيكستانية والأذرية.