فجوة الإدارة وفجوة التنمية البشرية في واقعنا الثقافي العربي بحاجة ماسة الي التناول والتحليل وتسليط الأضواء علي ملامح الخلل من أجل تقويمها واستنهاض الطاقات الايجابية ومنع اهدارها او منع المزيد من اهدارها. ولعل من المهم أن أرصد هنا مصطلح »نزيف أو استنفاد او اهدار العقول« (BRAIN DRAIN)، والذي يقصد به في المصطلحات الدولية »هروب العقول« من دول الجنوب للشمال حيث وجود نظم ادارية واجتماعية ومهنية تستوعب المتميزين وتتيح لهم المزيد من الابداع وتحقيق الذات علي جميع المستويات.. ولكن هذا المصطلح يعني في واقعه هذا المستوي الذي يخسر فيه العالم العربي عقول ابنائه ممن يهاجرون أو يهربون الي ذلك الواقع الافضل لهم، كما انه يعني كذلك مستوي ثانيا حيث يتم استنزاف واهدار العقول التي قررت ان تظل في الوطن لتمارس ما يشبه نوعا من النضال التفاوضي ومنازلة النظم الادارية والاجتماعية غير الملائمة ومحاولة تغييريها الي واقع افضل يناسب ما يساعد النهوض بهذا الوطن ولا شك ان هناك اسماء لامعة للعقول المهاجرة او الهاربة كما ان هناك أسماء لامعة ايضا تعبر عن الشق الثاني للمصطلح من امثال جمال حمدان واحمد مستجير ود. غنيم الذي غير من النظام الاقل مواءمة الي نظام »system« عمل متميز جعل من مركز غنيم في المنصورة مركزا عالميا، كما أن هناك حالة نادرة من عودة العقول المهاجرة كما حدث مع مركز د. مجدي يعقوب لعلاج أمراض القلب للأطفال، ولا يتسع المقال لرصد أمثلة لاسماء وجهود عدد كبير ممن ظلوا يناضلون في هذا الوطن ويحتاجون الي لفت النظر الي تجاربهم ومحاولاتهم من أجل تشجيعهم والرهان علي أن اختيارهم كان هو الأفضل لمصر من أجل احداث التغيير الايجابي الحقيقي للنهضة بهذا الوطن قدر استطاعتهم. ولعلي أعود وأسلط الضوء علي حجم »نزيف العقول« فأذكر هنا احصائية للجهاز المركزي تقول بأن هناك 448 ألف مصري من ذوي التخصصات المختلفة والمهارات المتميزة يقومون بخدمة أهداف التنمية في 21 دولة في أمريكا وأوروبا من بينهم 2457 عالما من العلماء الذين يشكلون قاعدة انطلاق متقدمة للغاية في تلك الدول.. ولعل من المهم والايجابي ان نركز علي أهمية منازلة النظم الادارية المتخلفة التي تمثل عملا رئيسيا لاستنزاف واهدار طاقات العقول المبدعة التي قررت ان تعطي من وقتها وجهدها لمنازلة هذه النظم البالية من اجل تمكين هذه العقول من اداء واجبها للعمل علي نهضة مصر بلا يأس وإحباط، وهذا الأمر يستلزم التعامل الفعال مع كل ابعاد منظومة »فجوة الادارة« وفجوة التنمية البشرية القائمة في واقعنا وهو ما تناولناه وسنتناوله في سلسلة مقالات قادمة أمهد لها في هذا المقال بذكر الاسئلة التي يتعين علينا اثارتها ومحاولة الاجابة عليها ومنها: 1- هل نحتاج في البداية الي برامج مهمة وفعالة لتعميق الانتماء للوطن (loyality progrms) ؟ فما طبيعتها ولماذا نبدأ بها؟ 2- تحدث عالمنا الكبير د. فاروق الباز في احد برامجه الحوارية عن أهمية وروعة مركز ابحاث الفضاء المعروف NASA، وحين بادرته المذيعة المحاورة قائلة لماذا لا تعود ويعود كل علماء مصر من الخارج بأعدادهم الكبيرة لخدمة الوطن الأم.. قال لها عالمنا الكبير »أرجوك سبيهم هناك.. يأخذوا خبرة.. لأن الخبرة هناك تحدث لي ولهم كل يوم.. ونحن نعود للوطن في اجازات وفي مؤتمرات ومحاضرات لافادة أهل الوطن بالخبرة التي اكتسبناها.. فسيبوهم يحصلوا علي تلك الخبرة المستمرة في اجوائها« وهذه المقولة لعلمنا الكبير تثير سؤالا آخر لتدارك »نزيف العقول المصرية«، ومنع المزيد من الاهدار وهو ماهي اساليبنا وادواتنا لعمل جسور راسخة تسهل مهمة علمائنا في الخارج ممن لا يزالون يحلمون وينتمون بقلوبهم لهذا الوطن المعطاء رغم كل الظروف الصعبة.. لابد من اثارة ابعاد هذا السؤال للوصول الي اجابات معظم الاستفادة الفعلية لصالح نهضة هذا الوطن وتظل هناك اسئلة ونماذج واجابات سنتناولها في المقالات القادمة، والله ولي التوفيق وكل عام والجميع بخير بمناسبة عيد الفطر المبارك.