أتاحت لي مرافقة وفد الهيئة التشريعية السودانية لولايات دارفور الثلاث الوقوف علي الأوضاع الطبيعية، وكيف يفكر أهل هذه المنطقة. وكان البرلمان السوداني قد كون لجنة طارئة برئاسة نائب رئيس المجلس القيادي في الحركة الشعبية السيد أتيم قرنق. وانبثقت عن هذه اللجنة الطارئة ثلاث لجان، لجنة سياسية ولجنة لاستفتاء تقرير مصير جنوب السودان، وثالثة لسلام دارفور. وضم الوفد نحواً من ثلاثين عضواً من أعضاء البرلمان أكثرهم من دارفور، مع نواب من الجنوب والشرق والوسط. وقضي الوفد يومين بمنطقة دارفور زار فيها عواصمالولايات الثلاث، الجنينة، الفاشر، ونيالا، والتقي حكوماتها ومجالسها التشريعية وفعالياتها ومواطنيها، وأدار معهم حواراً كانت جملة ساعاته خمسا وعشرين ساعة خلال أقل من يومين. المدينة الأولي التي نزلنا بها هي مدينة الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور. وبرغم روعة الطبيعة وجمالها في هذه المنطقة، إلا أن حال المدينة لا يسر، وهي مدينة ليس بها أي مظهر من مظاهر التنمية، وفيها وجود كثيف للأمم المتحدة ومنظماتها تجسده طائراتها وسياراتها ومبانيها. ويضاعف عدد هذه الدواب الأممية كل دواب المدينة الحكومية والأهلية، بما في ذلك الدواب البلدية مثل (الكارو) ولقد استوقفتني العقود التي توقعها منظمات الأممالمتحدة مع الموظفين من أهل المنطقة والتي يصل بعضها لخمسة وعشرين عاماً. وعندما سألت أحدهم عن هذه الفترة الطويلة، وهل تتوقع هذه المؤسسات الأممية أن تبقي في دارفور كل هذه المدة، فقال لي إذا خرجت قبلها يمكن أن ينقلوا إلي دول أخري لكنهم لا يستبعدون أن يصلوا إلي هذه السنين الخمس والعشرين. المدينتان الأخريان الفاشر ونيالا حالهما أحسن كثيراً من حال مدينة الجنينة، ولكنهما لا يصلان لحال أية حاضرة ولاية أخري في السودان. وكنت قد زرت قبل أسبوع مدينة كادقلي حاضرة ولاية جنوب كردفان، وهي تشبه في ظروفها منطقة دارفور، حيث أنها تعرضت لحروب طويلة بمناصرة بعض أبنائها الحركة الشعبية لتحرير السودان، ولم تهدأ الأوضاع فيها إلا بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية في العاصمة الكينية نيروبي في التاسع من يناير عام 2005م، ومع ذلك فإن التنمية التي انتظمت ولاية جنوب كردفان فاقت كل الولايات الأخري، وذلك لأنها منطقة محاددة وتمازج مع الولاياتالجنوبية، فجاءها نصيب معقول من التنمية بهدف ترجيح خيار الوحدة. وهو برنامج ترعاه الحكومة الاتحادية ويشرف عليه نائب الرئيس السيد علي عثمان محمد طه. ولعل هذا ما حدا بوالي ولاية شمال دارفور السيد عثمان محمد يوسف كبر بالتوازن بين التنمية في دارفور، ومثيلتها في الجنوب. وقال إن الوحدة التي تصرف الحكومة من أجل جعل خيارها راجحاً تتأثر كثيراً بما يحدث في دارفور. واستدل بمصطلح نائب الرئيس السوداني السيد علي عثمان في وصف الوضعين، فهو قال أن استفتاء جنوب السودان أخطر، وسلام دارفور أعجل. فقال كبر إن لم نسابق بدعم الأعجل، فعلي الأقل نساويه مع الأخطر، حتي لا يضيع علينا تفريطنا في الأعجل المسألة الأخطر فنفقد الاثنين معاً. المسألة التي حازت انتباه الجميع هي مسألة الإقليم الواحد لمنطقة دارفور. وهو مطلب تنادي به الحركات المسلحة، التي تضع من بين شروطها عودة دارفور إلي ما كانت عليه قبل الحكم الاتحادي الذي أتت به الإنقاذ وزاد عدد ولايات السودان، وجعل من إقليم دارفور ثلاث ولايات. ولكن يبدو أن هذا الطلب لا يجد من يعضده من أهل الداخل. فلقد اتفق حاكمون ومعارضون علي استحالة عودة الإقليم والواحد مرة ثانية. ويرون أن المكتسبات التي تحققت بالتقسيم لا يمكن التفريط فيها مهما كانت الظروف. وقال أحدهم أن الحكومة لو حملت السلاح إلي جانب المتمردين فلن يفلحوا معاً في إعادة الإقليم. ولقد كان رأي الحكومة واضحاً، في وقوفها مع خيار الشعب في دارفور. ولقد نصت اتفاقية أبوجا للسلام علي استفتاء أهل دارفور حول الوضع الذي يريدونه لحكم منطقتهم، الإقليم الواحد، أم يبقي الوضع علي ما هو عليه الآن ثلاثة.