يقول العليم الخبير »وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوي وإتقون يا أولي الألباب« (البقرة 791).. وحين يوصينا ربنا أن نتزود فلأي شئ نتزود؟ للآخرة التي إليها معادنا وفيها يتحدد مصيرنا.. ولم يوصنا رب العزة بالدنيا؟ لأننا في هذه الناحية لا نحتاج الي توصية فإهتمام معظم الناس منصب علي دنياهم التي سيغادرونها بعد حين ولن يتبقي لهم مما حصلوا عليه فيها، إلا ما قدموه لأنفسهم إبتغاء وجه الله وطمعا في مرضاته.. وفي ذلك يقول المولي تبارك إسمه »زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب« (آل عمران 41).. فيقول خالقنا ان الناس زينت لها الدنيا وما فيها من متاع، وهو متاع الحياة الدنيا لا أكثر وما عند الله خير من الدنيا وكل ما فيها.. وهذا تذكير آخر من بارئنا بألا نغرق أنفسنا في الإنكباب علي متاع الحياة الدنيا والإنصراف عن الاخرة أو إعطائها القليل من الإهتمام »بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقي« (الأعلي 61 -71) ففي الآخرة حياتنا الباقية والأبدية ولذلك فالذين لم يهتموا بآخرتهم أو صرفوا النظر عنها كليا أو جزئيا هؤلاء تبهتهم مشاهد يوم القيامة وتفاجئهم الحقيقة التي طالما شككوا فيها أو تعاموا عنها أو وضعوها جانبا، بأن حياتهم هي في الآخرة وليست في أعمارهم القصيرة والمحدودة في الدنيا »كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الانسان وأني له الذكري يقول يا ليتني قدمت لحياتي فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد« (الفجر 12 - 62) فحياتنا هي ما بعد البعث والنشور وليست الأيام والأعوام التي نقضيها علي الأرض التي ستتبدل يوم القيامة »يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار وتري المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشي وجوههم النار ليجزي الله كل نفس ما كسبت ان الله سريع الحساب هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب« (إبراهيم 84 - 25) وسرابيلهم جمع سربال وهو القميص والمعني أن أجسادهم عليها طبقة من القطران الأسود، لتزيد من حرارة النار عليهم.. فإزاء هذا التذكير من الله عز وجل ينبغي علي كل مؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسأل نفسه: هل ما قدمته لحياتي هو أفضل وأقصي ما يمكنني تقديمه؟ ولسوف يجد نواقص يمكنه ان يستكملها، وأبواب من الخير يمكنه أن يلجها، حتي يجد من الزاد ما يكفي لنجاته من الناروفوزه بالجنة وحبذا لو كان في منزلة أعلي فيها ليكون من السابقين وليس فقط من أصحاب اليمين »وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين« (الواقعة 7 -41).. فالإجتهاد في أمر الآخرة له مردود يستأهل منا أن نبحث وننقب عن كل ما يقربنا الي الله عز وجل فنأتيه وعن كل ما يغضبه علينا فنتجنبه ونكثر من الاستغفار لذنوبنا عسي الله أن يكفرها عنا ويتوب علينا، فهو سبحانه »غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير« (غافر 3) وذي الطول أي ذي القدرة والفضل.. والله يستحثنا علي الخشوع والخضوع له سبحانه بما يجعلنا أكثر إستجابة لما يأمرنا به ولما ينهانا عنه »ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق« (الحديد 61) وذلك حتي نكون من السعداء يوم القيامة وتلاحظون أن المولي عز وجل لم يستخدم كلمة السعادة فيما يتصل بالدنيا وإنما ذكرها إتصالا بيوم القيامة »ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد« (هود 301 - 501).. جعلنا الله من السعداء يوم القيامة... آمين....