أم القري تعيش في أفراح هذه الأيام وأصوات الحجيج بالتلبية تنشر السعادة في كل الأركان والكعبة المشرفة ارتدت أفضل كسوة معطرة بأطيب الروائح. ونسمات البيت العتيق تعطر أجواء البلد الحرام وتمتد هذه الرياح الطيبة إلي مختلف بلدان العالم الاسلامي فالمطارات والموانيء عامرة بالأفواج من الرجال والنساء. ملابس الاحرام زينة الحاج.. الكل تهفو نفسه إلي مشاهدة ساحة الكعبة أطهر بقعة علي ظهر الأرض وان ينال ثواب النظر اليها. فقد جاء الحديث الشريف عن سيد الخلق... النظر إلي ثلاثة عبادة. إلي الكعبة وإلي البحر وإلي وجه العالم العامل بعلمه. انها رحمات رب العالمين يغمر هؤلاء الذين تركوا الديار والأهل وكل متاع الحياة قاصدين آداء هذا الركن الخامس والجميع في شوق ولهفة للتمتع في رحاب أم القري والأماكن المقدسة مهبط أيام الوحي الأولي علي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ومن قبله أبوالأنبياء سيدنا إبراهيم عيه الصلاة وأتم التسليم. وهذه الأماكن المقدسة لها مكانتها عند الحق تبارك وتعالي وعلي كل قاصد لبيت الله الحرام ان يكون مدركاً لآداب هذه الرحلة المباركة "فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوي واتقون يا أولي الألباب" 197 سورة البقرة ولتكن الاخلاق الكريمة مصاحبة للحاج في كل مكان ابتداء من الخروج من منزله ومروراً بالميناء أو المطار أو الطريق البري الذي يسلكه وليدرك ان الشيطان حينما يشاهد هذه الأفواج والأصوات التي ترتفع بالتلبية تجعله يغلي ويتخذ كافة الأساليب لكي يبث همزاته بين هؤلاء الضيوف فليكن الحاج علي حذر. الشيطان سبق ان طارد أباهم ابراهيم فكان جزاؤه الرمي بالحصوات. وفي وجهه قذفه أبو الأنبياء لكي يردعه وليقل له ان أمر ربي لابد ان ينفذ وابتعد أيها اللعين. فعلي ضيوف الرحمن الابتعاد عن الاعمال التي تجعلهم يفقدون ولو جزءاً يسيراً من ثواب الرحلة المباركة وفي داخل المسجد الحرام تبدو صورة مكارم الأخلاق فليكن هناك متسع وافساح لمن يريد الجلوس بجوارك. وعدم رفع الصوت عند أي خلاف وليدرك الحاج ان العقاب عن أي إثم أو مخالفة يتضاعف كما ان الثواب عن الأعمال الصالحة يتضاعف آلاف المرات. هذه الرحلة تتطلب التذرع بالصبر وكظم الغيظ وتجنب الشقاق والجدال وليكن الايمان عاصما من الخطأ. وليكن التسامح والتقوي هي الأسلوب الأمثل لكل قاصد للبيت العتيق كما يجب ان يبادر الحاج بالسؤال عن أي منسك من مناسك الحج. والعلماء بحمد الله كثيرون ويرحبون بالاجابة عن أي استفسار وعلي الحاج الاكثار من الصلاة والذكر والتسبيح والالتزام بالاداب عند زيارة رسول الله صلي الله عليه وسلم وحذار من رفع الصوت أمام القبر الشريف فالله عز وجل قد قال في كتابه الكريم: يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون. إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوي لهم مغفرة وأجر عظيم" الحجرات 2.3 والالتزام بذلك في حال حياة أو وفاة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم. وليكن الحرص علي الاكثار من الصلاة في الروضة الشريفة. ان نور الايمان يتجلي في صدر الحاج وهو يتجه لأداء أي ركن أو واجب من واجبات الفريضة الخامسة وليكن اللجوء إلي الله في كل الامور مع الاكثار من الطواف قدر الامكان لان تحية أي مسجد في الأرض هي الصلاة أما تحية البيت العتيق فهي الطواف حول الكعبة وعلي الحاج ان يتجنب التزاحم والتدافع لكي يقبل الحجر الاسود فقد نهي سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم عن ذلك وليكن كبار السن والضعفاء محل تقدير واحترام والتعامل معهم بشفقة فالرحمة وطيب الكلام هو لغة التخاطب لضيوف الرحمن.. وإذا أراد الحاج الزحام لتقبيل الحجر الأسود فليكن بدون إيذاء لأي إنسان آخر. الحجاج في ضيافة الرحمن منذ الخروج من المنازل وليكن سلوك الحاج نموذجاً وقدوة للآخرين التراحم والامتثال لأمر الله والتسليم المطلق للواحد الأحد في كل تحرك وان التواضع والانكسار هو المستقر في كل قلب والتوجه إلي الله يجب ان يكون بالخشوع والذل والرجاء بأن يتقبل الله كل خطوة فوق هذه الاماكن المقدسة. نفحات الرحمن وبركاته تحيط بهولاء الضيوف وليكن النظر إلي الكعبة هو العمل الدائم. وليردد عند رؤية البيت العتيق "اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما" وان تكون السكينة وأكرر السكينة هي الصفة الملازمة لأي حاج. وان يكون الدعاء المفضل هو ما كان سيدنا ابراهيم يردده مع ابنه سيدنا اسماعيل "ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا انك أنت التواب الرحيم" وان لم يكن حافظا لهذه الأدعية فليردد أي دعاء وليحافظ علي الصلاة في مقام ابراهيم. تقبل الله من الجميع وجعل حجهم حجاً مبروراً وعلي الله قصد السبيل ورجاء اليه سبحانه ان يتقبل منا صالح الأعمال والعودة لديارنا سالمين بحوله وقوته.