كثير من الناس يأخذون الجانب السهل من الحياة.. ويريدونها لهوا ولعبا وحسب.. ويعرضون عن الجانب الجاد منها، ورب العزة يشير إلي ذلك في قوله تعالي »فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتي يلاقوا يومهم الذي يوعدون« (الزخرف 38).. تراهم يخوضون في أحاديث »الدردشة« التي لاتنتهي »وقعدات« ألعاب الكوتشينة التي تثير حماسهم وتستجلب صياحهم وصراخهم.. وهم يسمرون حتي وقت متأخر من الليل ولايريدون أن تنتهي »القعدة«. وهم لاهون عما ينبغي أن ينشغلوا به وهو ما بعد هذه الدنيا بخيرها وشرها، بأفراحها وأحزانها، فهذا حديث ثقيل يعكر صفوهم ويفسد مزاجعهم.. هم لايحبون أن تأتي سيرة الموت علي ألسنتهم مع أن الموت قد يكون قاب قوسين أو أدني من أحدهم.. ينام الواحد سليما معافي، ثم ينادي عليه أهله في الصباح ليوقظوه فلا يرد، ويكررون النداء فلا يرد، ثم يتضح أنه أسلم الروح أثناء نومه.. وهناك من أسلم الروح وهو يتوضأ للصلاة أو وهو جالس إلي مكتبه ولم تكن به علة.. وإنما جاء الأجل، واذا جاء الأجل فقد نفذ السهم »فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولا يستقدمون« (الأعراف 43) ولكن الناس تصرف ذهنها عن هذا الموضوع وينتقلون إلي حديث غيره بسرعة اذا فتحه أحد.. وفي ذلك يقول رب العالمين »إعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والأولاد (الحديد 02) أما اللهو واللعب فقد عرضنا لأمثلة لهما، وأما الزينة فكل يتزين للناس ويبذل في ذلك وقتا وجهدا ومالا كثيرا.. والسيدات يتحلين بالمجوهرات والإكسسوارات وما إلي ذلك وينفقن علي ذلك أموالا طائلة.. كل هذا جائز فهو من طبائع البشر.. ولكن ينبغي ألا يكون هذا هو كل ما في الموضوع!! بل يتعين أن يكون للآخرة نصيب من وقتنا وجهدنا واهتمامنا فلا نغفل عنها أو نتجاهلها.. هنا تكون الخسارة فادحة إذ لابد أن نتزود للآخرة، وزاد الآخرة معروف ولا أحد يجهله.. منه جانب العبادات ومنه جانب المعاملات.. وهذا الجانب لايقل أهمية في صحيفة أعمالنا عن الشعائر، ويجزي الله عنه أعظم الجزاء.. حين نسدي الخير في أي صورة من الصور لمن نعرفهم ولمن لانعرفهم من الناس .. وهو أمر سهل ولكن جزاءه عظيم، مادام لم يصحب ذلك المن علي من نساعدهم أو تذكيرهم »بأفضالنا« عليهم، فهذا مالا يحبه الله ولايثيب عليه.. والنوافل- صلاة وصياما وصدقة- لها أهمية كبيرة في علاقة العبد بربه »وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتي أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه « »حديث قدسي« وتقوي الله في السر والعلن هي خير زاد لنا »وتزودوا فإن خير الزاد التقوي واتقون يا أولي الألباب« (البقرة 791).. هذا هو زادنا للآخرة، وهو الذي ينفعنا في تحديد المصير.. الجنة أو النار وإن كانت الجنة ففي أي درجة من درجاتها »ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون« (الانعام 231)..