[email protected] تستضيف العاصمة المصرية القاهرة الجولة الثانية لمفاوضات الشريكين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حول الاستفتاء المزمع إجراؤه مطلع العام القادم لتقرير مصير جنوب السودان. ونجدد في مطلع هذا المقال ما ذكرناه مدخلاً للمقال السابق الذي كتبته بمناسبة الجولة الأولي التي احتضنتها أيضاً قاهرة المعز. وهو أن مصر أفضل من يرعي مثل هذه المفاوضات، لأنها مثلها مثل شريكي نيفاشا، شريكة في هذا الهم مع أهل السودان جميعاً. وشراكة مصر تتجاوز شراكة الإخاء العربي والإسلامي والأفريقي، وأخوة وادي النيل أيضاً، فلها شراكة أخري في هموم السودان التي أطلت بمسألة تقرير المصير. إذ أن ما يصيب السودان في شماله وجنوبه من ويلات الانفصال إذا وقع لا قدر الله يصيب مصر أيضاً. صحيح أن الانفصال حق مشروع يمكن أن يختاره الجنوبيون إذا رأوا أنهم يضارون باستمرار الوحدة مع الشمال. ولكن الواضح أن أضرار الوحدة مهما بلغت فلن تبلغ ما يمكن أن يصيب الناس بالانفصال. فإذا اختار الجنوبيون الانفصال فهذا يعني أن أهل السودان عجزوا عن الاتفاق في القضايا المطروحة للحوار. وإذا فشل السودانيون في الاتفاق وهم دولة واحدة، فإنهم سيكونون أعجز إذا انفصلوا. وما لم يتفقوا عليه بحوار الحسني سوف يقودهم إلي مواجهات مسلحة، وعهد الجنوب والشمال مع المواجهات المسلحة قريب، وهو الغالب علي علاقتهما قبل السلام. ومن تداعيات أي حرب في الجنوب هجرات بشرية إلي الشمال، وصارت الهجرات في الفترة الأخيرة تمتد إلي مصر. والذين يهاجرون إلي شمال السودان، والشمال في مصر من ضحايا حروب الجنوب يكونون عادة من المسحوقين الذين لا حول لهم ولا قوة. وهؤلاء يكونون قد فقدوا كل شيء بالنزوح، ولا يمتلكون ما يواجهون به متاعب الحياة في الديار الجديدة فيصيرون كلاً علي من هبطوا أرضه، وكلاً علي أنفسهم أيضاً. ومصر قد عانت كثيراً من أمثال هؤلاء في هجرات الحروب الأولي، وما زال بقايا هؤلاء يشكلون أعباء ثقيلة في كل الاتجاهات. أما المشكلة الكبري فهي التي تنتج من وجود دولة جديدة في حوض النيل في هذا الوقت المتأزم حول تقسيم مياه النيل. ونرجو ألا ينساق حوار القاهرة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في الاتجاهات الطائشة التي تخرج عن مسار مظان الحل، مثل تلك التي تتحدث عن وجدانيات لا تسمن ولا تغني من جوع، هذا فضلاً عن المظاهر الاحتفالية التي لا أري أنها يمكن أن تغير في الواقع شيئاً. وهي ينطبق عليها المثل السوداني الشعبي »علوق الشدة« ولكن الأفيد أن ينخرط الجانبان في حوار جاد حول ما تسميه الحركة الشعبية السودان الجديد. وفي تقديري أن كثيراً مما تطرحه الحركة الشعبية في هذا الجانب قابل للأخذ والرد. والشيء الوحيد المرفوض وغير القابل للنقاش هو فرض علمانية علي الشمال ثمناً للوحدة. وبحمد الله فإن الذين يقولون بهذا الرأي أقلية في الحركة. ولكن قيادة الحركة وأغلب قواعدها يميلون إلي وحدة وفق أسس تضمن لهم مواطنة مساوية لمواطنة أخوانهم الشماليين. ثم أنهم يريدون أن يضمنوا حظاً أكبر في ثروتهم النفطية يعينهم علي تنمية الجنوب. ويأملون في عاصمة سياسية قوانينها متوازنة. ولا يمانعون في أن تكون الخرطوم عاصمة وطنية تسري عليها قوانين الشمال، ويرحبون بتخصيص مدينة جنوبية لتكون العاصمة السياسية.