قد يتعجب الناس في العراق وفي العالم العربي من هذا التأخير في تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات والتي تخطت المواعيد الدستورية.. ولكن القريبين من الأحداث يدركون الأسباب التي تعوق انهاء هذه الأزمة . انهم علي علم بأن الصراع بين المد الإيراني الذي يستهدف السيطرة والهيمنة علي مقاليد الأمور في العراق وبين القوي الوطنية العراقية هو العقبة وراء عدم الخروج من هذا المأزق.. ان الضغوط الإيرانية وبدعم من العناصر العراقية العميلة تمارس كل أنواع التدخلات بما في ذلك تقديم العديد من الاغراءات وتوجيه التهديدات حتي تمنع تشكيل حكومة من عناصر لا تؤمن بالولاء سوي لهذا المد الايراني. وفقا للانباء التي تتردد علي الساحة السياسية العراقية ذكر مصدر مستقل في الائتلاف الوطني الذي يتزعمه عمار الحكيم رئيس المجلس الاسلامي الأعلي ان إيران هي اللاعب الرئيسي في تشكيل الحكومة العراقية. قال انها تمارس ضغوطا شديدة علي حلفائها من أجل الا يخرج التشكيل من عباءة التحالف الوطني الذي يجمع هذا الائتلاف بكتلة دولة القانون بزعامة نوري المالكي رئيس الحكومة المنتهية ولايتها والذي تصر طهران علي استمراره رئيسا للوزراء. وتأتي الضغوط الايرانية المحمومة وفقا لما نشرته صحيفة الشرق الاوسط اللندنية بعد ان بدأت ترجيحات تشكيل الحكومة تميل لصالح اياد علاوي زعيم الكتلة العراقية والمدعمة بالتكتل السني.. وهو الأمر الذي ترفضه إيران كليا. المشكلة التي تواجه الايرانيين هي رفض كلا الحليفين الشيعيين عمار الحكيم ومقتدي الصدر لاسباب خاصة بهما تولي العميل الايراني نوري المالكي رئاسة الحكومة بعد تجربة الاربع سنوات الماضية والتي أفرزت خلافات كبيرة بينهم. وإذا استطاع الايرانيون اقناع الائتلاف الوطني الشيعي باستمرار التحالف مع دولة القانون فانه من الصعب تحقيق ذلك مع مقتدي الصدر وكتلته التي تسيطر علي أربعين مقعدا في البرلمان. الخلاف بين الصدر والمالكي يعود الي الممارسات الحكومية ضد انصاره وضده هو شخصيا حيث اصدرت قرارا باعتقاله وهو ما جعله يبتعد تماما عن بغداد تجنبا لاقدام أجهزة المالكي علي تنفيذ هذا القرار. وتتجه الانظار حاليا إلي اربيل حيث التحالف الكردستاني الذي يجنح إلي الامساك بالعصا من الوسط. التزاما بهذا الموقف فان الكرد يصرون علي مشاركة كل الكتل الرئيسية في الحكومة وعدم استبعاد أي من الفائزين منها في الانتخابات . بناء علي ذلك فان الجميع يتجهون الآن إلي هذا التحالف الكردستاني باعتبار ان بيده حسم قضية تشكيل الحكومة. وان ارضاء الاكراد مرهون بالموافقة علي حسم قضايا الخلاف حول وضع الموصل وكركوك، مدن الثراء البترولي . في محاولة للخروج من الازمة. شهدت اربيل عاصمة الاقليم سلسلة من اللقاءات التي جمعت زعماء وقادة القوي العراقية. بالطبع فانه ليس خافيا ان ما يحدث حاليا في العراق ويتمثل في تنامي النفوذ الايراني انما يعود إلي الاخطاء القاتلة للاحتلال الامريكي الذي يزعم ويدعي العداء لايران. لقد وقعت هذه الاخطاء منذ اليوم الاول لتكريس احتلال العراق ومن خلال الفاسد بريمر اول حاكم أمريكي للعراق. ان سياسة واشنطن كانت السبب في فتح الطريق امام ايران وعملائها للتدخل في شئون هذا البلد العربي.. أليس غريبا انه وفي الوقت الذي تناصب فيه واشنطنايران العداء وتعمل علي محاصرة نظام الحكم فيها .. نجد ان العناصر والعملاء الايرانيين يتحركون ويتصرفون في العراق المحتل أمريكيا بكل الحرية التي تقود إلي الفوضي وعدم الاستقرار. ان ما تسعي اليه دولة الملالي هو الاستعداد وتمهيد الطريق لشغل الفراغ السياسي والأمني من الآن لضمان احكام قبضتهم بعد الانسحاب الأمريكي الكامل. إذن ومن واقع التطورات فان الغزو الأمريكي للعراق والذي جري تغطيته زيفا بأسباب غير صحيحة وكاذبة قد أدي إلي الايقاع بالعراق في براثن حكم الملالي في ايران. ان ما يحدث يؤكد جهل وسوء تخبط السياسة الأمريكية وهو ما يؤكد افتقارها لبعد النظر والتخريب في تقييم الاوضاع. ان نهاية ما يجري يبشر بهزيمة منكرة للولايات المتحدة تتمثل في تسليم العراق لايران علي طبق من ذهب.