لدي القوي الخارجية خاصة ايران وعدوتها الولاياتالمتحدة مصالح كبيرة معلقة علي الانتخابات العراقية المقررة يوم الاحد المقبل والتوترات السياسية وربما أعمال العنف التي قد تعقبها. ومع اعتزام الولاياتالمتحدة سحب قواتها بحلول نهاية العام المقبل تبدو ايران في وضع يؤهلها لمد نفوذها الذي كرسته في العراق منذ الغزو عام 2003 والذي تقول بعض الاراء انها الرابح الرئيسي منه. لكن طهران ستسبح ضد التيار القومي القوي في العراق الذي يعقد رغبتها في أن تتولي السلطة حكومة صديقة يقودها الشيعة ويفضل أن تكون معادية للولايات المتحدة. وعلي العكس يأمل الرئيس الامريكي باراك أوباما أن تؤدي الانتخابات الي تولي حكومة أكثر علمانية تتمتع بقاعدة عريضة يمكنها الحفاظ علي الاستقرار في العراق بما يسمح بضمان انسحاب سلس للقوات الامريكية. وتتبع كل من السعودية وتركيا وسوريا مصالحها لدي جار جعلته الصراعات الطائفية والعرقية والسياسية عرضة للتدخلات الخارجية. وقالت المجموعة الدولية لمعالجة الازمات "الدولة مازالت ضعيفة للغاية وسيادتها غير محكمة والطبقة السياسية فيها منقسمة وهو ما يكاد يكون بمثابة دعوة للتدخل الاجنبي." وأضافت المجموعة "نفوذ ايران واضح ويمتد في شتي أرجاء البلاد وبين النخبة السياسية بل يتخطي حتي التقسيمات الطائفية." وقالت المجموعة في تقرير قبيل الانتخابات ان طهران كرست " السلطة اللينة" المتمثلة في الدبلوماسية والتجارة وصفقات الغاز والمساعدات لاعادة الاعمار والتبرعات الدينية بشكل أكثر فاعلية بكثير من الدول العربية التي تحاول كذلك مد نفوذها في العراق. وتفضل جميع الدول المجاورة عراقا موحدا ومستقرا. ولدي هذه الدول ما يدعو للخوف من أي تفجر للاوضاع الداخلية قد يكون من شأنه أن يدفعها لتدخل مباشر قد يشعل صراعا في المنطقة. لكنها لا تريد عراقا قويا بدرجة تسمح له بتهديدها. ويصدق العراقيون عن طيب خاطر ما يقال عن دعم دولة أو أخري أحزابا عراقية أو ميليشيات أو انها ترسل مقاتلين عبر الحدود أو حتي تدبر تفجيرات. وعندما منعت لجنة يسيطر عليها الشيعة في يناير نحو 500 مرشح من خوض الانتخابات المقررة يوم الأحد المقبل بسبب مزاعم عن علاقاتهم بحزب البعث المحظور اتهمت الولاياتالمتحدة وبعض العراقيين طهران بأنها وراء هذه الخطوة. وكان اثنان من أبرز ساسة السنة ضمن المحظورين مما أثار مخاوف من أن تفقد الانتخابات القادمة مصداقيتها في أعين الاقلية السنية التي قاطعت انتخابات عام 2005 وهو ما يقوض فرص المصالحة الطائفية. وتبني رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وغيره من زعماء الشيعة قرار الحظر متحدثين عن مؤامرات بعثية لم يحددوها. ونجحت قلة من المرشحين المحظورين الاستئناف ضد القرار. ولا يعتزم السنة مقاطعة الانتخابات هذه المرة لكن المسألة تهدد بانعاش التوترات الطائفية التي سعي المالكي لدفنها. وقال فالح عبد الجبار استاذ علم الاجتماع وهو عراقي مقيم في العاصمة اللبنانية بيروت "كانت محاولة ايرانية لاحراج المالكي." ونفي أحمد الجلبي الذي يرأس لجنة المحاسبة والعدالة أن تكون ايران وراء الحظر أو انه يستهدف السنة. وقال "من السهل القول بان هذا الامر طبخ في طهران لكن هل لديهم الوصفة.. ولماذا لا تكون الحقيقة أن عودة البعثيين طبخت في واشنطن.. من السهل قول ذلك أيضا." وكان الجلبي ذات يوم هو السياسي المفضل في الولاياتالمتحدة وهو الان صديق لايران وأقر بأن القوي الخارجية تتدخل لكنه قال ان الامر يرجع للعراقيين في بناء مؤسسات قوية تمنع حدوث ذلك. وتأججت كذلك شكوك العراقيين بشأن التدخل الاجنبي عندما توجه اياد علاوي رئيس الوزراء السابق الذي يقود قائمة علمانية تضم ساسة من السنة لخوض الانتخابات الي الرياض قبل تسعة أيام واجتمع مع العاهل السعودي الملك عبد الله ومدير المخابرات. وكان بعض رجال الدين السعوديين قد أيدوا التمرد السني في العراق ويشتبه أن سعوديين أثرياء يمولون ميليشيات. ويرفض الملك عبد الله لقاء المالكي أو فتح سفارة سعودية في بغداد. ورفض علاوي "العقول المريضة" التي تريد ابعاد العراق عن جيرانه العرب نافيا أن تكون زيارته للرياض لها علاقة بالانتخابات. وتشعر السعودية التي تعتبر نفسها قلعة للسنة بالقلق من تصاعد النفوذ الايراني وهيمنة الشيعة علي مقاليد الامور في العراق بعد الحرب. لكن مصطفي علاني وهو محلل عراقي مقيم في دبي ومطلع علي اسلوب التفكير السعودي يقول ان الرياض تجنبت التدخل في العراق. ويضيف "انهم علي أعتابهم لكنهم لا يدعمون السنة هناك رغم تعرضهم لضغوط كبيرة للقيام بذلك. السعوديون يقولون انهم لا يمكنهم التدخل لان ذلك سيعود عليهم بالمشاكل دون تحقيق اي مكاسب." وتبقي تركيا وسوريا كذلك بعيدتان عن الظهور العلني. ولكن حساسية تركيا من الطموحات القومية للاكراد ودعمها للاقلية التركمانية في شمال العراق الذي يهيمن عليه الاكراد لم تمنعها من اقامة أعمال مزدهرة هناك. لكن امدادات النفط والغاز علي المحك. ولا ترغب أنقرة في ابعاد الحكومة المركزية في بغداد. ورغم سعادتها بالتعامل مع ايران الا انها تخشي من أنشطة طهران النووية. وتشترك سوريا مع تركيا وايران في القلق من الاكراد وتؤكد " الهوية العربية" للعراق. وتنفي دمشق اتهامات أمريكية وعراقية بانها تسمح بعبور مقاتلين عبر الحدود الي الاراضي العراقية. وفي صياغة علاقاتها مع العراق يتعين علي دمشق الموازنة بين علاقاتها طويلة الامد مع ايران ومساعي التقارب المترددة مع واشنطن وعلاقاتها بجماعات عراقية متنوعة وتفضيلها الخاص لقيادة علمانية قومية عربية في العراق. وقال سامي مبيض رئيس تحرير مجلة فورورد السورية التي تصدر بالانجليزية "سوريا لا يمكنها ان تتحمل عراقا تسوده الفوضي... ليس من مصلحة سوريا ان يجوب مسلحون لا يخضعون لحكم القانون شوارع بغداد داعين لاسلام سياسي متشدد." وتابع ان دمشق شجعت المصالحة في العراق وحثت السنة علي المشاركة في العملية السياسية. وقال جوست هيلترمان نائب مدير برنامج المجموعة الدولية لمعالجة الازمات للشرق الاوسط وشمال افريقيا انه أيا كانت نتائج الانتخابات فان الاستقرار قد يراوغ العراق حتي يتوصل ساسته لاتفاقات أساسية بشأن السلطة والاراضي والموارد. خلقت الولاياتالمتحدة واقعا جديدا في العراق وعليها ان تساعد العراقيين علي ابرام هذه الاتفاقات لتحقيق مصالحة طائفية وعرقية حقيقية حتي اذا كان ذلك يعني تأجيل سحب قواتها. وقال "من المفارقات أن ادارة (الرئيس الامريكي السابق جورج) بوش كانت مستعدة للبقاء للابد لكنها كانت تقوم بكل شيء بشكل خاطيء." وأضاف "تحليل ادارة اوباما جيد. فهي تعلم ما جري بشكل خاطيء وكيفية اصلاحه لكنهم فعلا لا يريدون البقاء."