استمرارا للحديث الذي بدأته في الأسابيع الماضية والموجه للدكتور زكي بدر وزير التعليم حول الاصلاح المنشود للمناهج وبالذات التربية الدينية أقول ان لدينا علما يعرفه طلاب الأزهر ويعرفه المهتمون بالدراسات الإسلامية ويعرفه جيدا جميع المشرعين علي امتداد العالم كله وخاصة أوروبا وقد اعترف بعض المستشرقين بأن صناع القوانين في كل أوروبا ومنهم نابليون بونابرت قد استفادوا من هذا العلم استفادة كبيرة في وضع قوانين المرافعات التي استوردناها نحن منهم بعد ذلك.. هذا العلم في اعتقادي وقد اتيح لي أن أقرأ شريعة حمورابي التي يدعون أنها أم القوانين أعظم ألف مرة من شريعة حمورابي.. العلم الذي اقصده هو علم أصول الفقه.. لقد قام رعيل عظيم من فقهاء الاسلام في القديم بعد ان استفاضوا في حفظ القرآن الكريم وتفسيره وبعد أن حشدوا الحديث الشريف وحفظوه ودرسوه وبعد أن قام أئمة المذاهب الأربعة بتقديم إبداعهم وبعد أن انضم إليهم أئمة الفقه الشيعي.. بعد ان وضعوا مذاهبهم واستنبطوا نظرياتهم وحددوا نقاط الاختلاف والاتفاق.. أقول بعد هذا الحشد الرائع للمعرفة بكل مبادئ الدين وتفاصيله وبكل ما جاء به وكل ما دعا إليه بعد كل ذلك توصلوا لهذا العلم »أصول الفقه« هذا العلم في تصوري أعظم وأخلد ما توصل إليه الفكر الاسلامي في كل العصور.. فهو يقوم علي مجموعة من القواعد القليلة خمس أو ست قواعد لاغير وكل قاعدة تنقسم إلي عدة قواعد فرعية تقل أو تكثر حسب القاعدة الأساسية وهي في كل الأحوال لاتزيد علي العشر و هي قواعد شارحة.. أما القواعد الأساسية فقد تلخص فيها الفقه الاسلامي كله.. بل تلخصت فيها كل أسس العدالة الإنسانية.. بل تلخصت فيها كل القواعد الكفيلة بنشر العدل بين جميع الناس ووضع حد لأي ظلم ظهر أو قد يظهر.. هي المفاتيح التي لو أمسك بها أي حاكم أو أي قاض لتوصل إلي القول الحاسم في التوصل لحل لأي قضية ولأي مشكلة.. والعظيم في هذه القواعد انها تنطبق انطباقا كليا مع العقل فلا يستطيع أي إنسان مهما كان متعصبا ضد الإسلام أو منكرا له أن يقول ان قاعدة واحدة من هذه القواعد تتنافي مع الإنسانية أو مع المنطق أو مع العدالة. وسوف أقدم في هذه السطور بعض الأمثلة أرجو أن توضح ما أرمي إليه، قاعدة رئيسية تقول: لا ضرر ولا ضرار، هذه القاعدة الرئيسية معها خمس قواعد فرعية تشرحها هذه القواعد الفرعية الخمس هي الضرر يزال - الضرر يدفع بقدر الامكان- الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف- يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام- درء المفاسد أولي من جلب المصالح. هكذا بكل البساطة والوضوح.. قاعدة أخري تقول الأصل براءة الذمة.. هذه قاعدة عامة تشرحها 11 قاعدة فرعية هي: ما يثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين- الأصل في الصفات والأمور العارضة هو عدمها- الأصل اضافة الحادث إلي أقرب أوقاته- الأصل في الاشياء الإباحة- لا عبرة للدلالة في مقابلة التصريح- لا ينسب إلي ساكت قول- لا عبرة بالتوهم- لا حجة مع الاحتمال الناشئ عن الدليل- لا عبرة بالظن البين خطؤة- الأصل في الابضاع التحريم. قاعدة رئيسية أخري تقول »المشقة تجلب التيسير« ومعها بعض القواعد الشارحة تقول: الاصل بقاء ما كان علي ما كان- إذا ثبت دين علي شخص وشككنا في وفائه فهو باق- الضرورات تبيح المحظورات -إذا اتسع الأمر ضاق- ما ابيح للضرورة يقدر بقدرها- ما جاء لعذر بطل لزواله- الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة - إذا تعذر الأصل يصار للبدل.. هذه بعض الأمثلة لعلم عظيم أهملناه والسؤال ماهو الضرر لو أن مناهج الدين احتوت في كل سنة دراسية علي قاعدة واحدة مع شرحها اننا لوفعلنا ذلك لخلقنا عند التلميذ الوعي بروح العدالة وخلقنا في نفس من يريدون بعد ذلك التخصص في القانون قاعدة أساسية وبسيطة للعدالة ولقدمناها ضمن مناهجنا علما عظيما عرفه الجميع وجهلناه وهو علم رغم عظمته سهل التناول محدود المساحة وقاعدة واحدة ضمن منهج عام لا تضر. وللحديث بقية ولله الأمر