رسالة بعد أخري .. تساهم في التخفيف من حدة امتعاضي من انتشار ظاهرة العنف في اختلاف الرأي، والكراهية في التعامل مع الخصوم، والقسوة وقت التشفي في هموم وكوارث المقربين، والمنافسين، ومن كانوا محظوظين أو محسودين! زيادة انتشار هذه الظاهرة في مجتمعنا المصري ، اقنعتنا منذ فترة طويلة بأن »الكل يكره الكل«، وأن صفات: التسامح، والطيبة، والمودة، والعطف علي الضعفاء والفقراء والجوعي والعطشي من الإنسان والحيوان والنبات، وصدق الأحاسيس عند مشاركة الآخرين أفراحهم وأحزانهم، و.. و.. وغيرها من صفات المواطنة المصرية وموروثات المصريين، قد تناقصت وتقلصت وأصبح من يزال يتصف بصفة واحدة أو صفتين منها، ينظر إليه ممثلاً لأقلية في طريقها إلي الانقراض بين يوم وليلة! لهذه الأسباب كان ترحيبي برسالة ممثلي تلك الأقلية، التي تسعدني رقة كلماتها، و إنسانية أصحابها، وسمو مشاعرهم و مشاعرهن. وفيما يلي رسالة جديدة وصلتني من قاريء كريم، وأكدت سطورها أن الأغلبية المنقرضة ما تزال تقاوم، وتعافر، من أجل البقاء. كتب السيد الدكتور هاشم شعير من المنصورة يقول: [أنا من قرائكم القدامي. أتابع مقالاتكم منذ زمن بعيد، وأنا من أكبر المعجبين بمواقفكم الشجاعة في مواجهة الإرهاب والتطرف، وبمشاعركم الإنسانية النبيلة، وبما تمثلونه من قيمة كبري في عالم الصحافة والرأي العام. ما شجعني علي الكتابة إليكم، هو مقالكم: »صوت الأقلية المنقرضة« المنشور بتاريخ 2010/6/27 ومقال: »إنسانيتنا المفتري عليها« بتاريخ 2010/7/6. وقبل أن أتوجه بالتحية إلي السيدة الفضلي »نانوش« علي دعوتها النادرة بإنقاذ الطيور من العطش، لا بد أن أعرض عليكم ما حدث في مدينة المنصورة منذ أيام قليلة وأود أن أضعه تحت نظركم، وتحت نظر السيد اللواء/سمير سلام محافظ الدقهلية. وقع الحادث المؤسف والمحزن في حي »توريل« 7 شارع إسماعيل صبري علي بعد خطوات من مبني محافظة الدقهلية. في هذا الشارع.. كانت تعيش كلبة مع صغارها منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، وكانوا ينامون في أحد الجراجات، ولم يحدث أبداً أن تهجمت الكلبة الأم علي أحد. بل علي العكس كانت مسالمة إلي أبعد حد.. حتي أن القطط كانت تعيش بجانبها في أمن وسلام. كانت والدتي تهتم بإطعام الكلبة وصغارها. تضع لهم الطعام في أطباق نظيفة من البلاستيك، فكانت الكلبة تترك القطط تأكل أولاً، ثم تأتي مع صغارها ليأكلوا ما تبقي، لتضرب بذلك مثالاً مدهشاً للرحمة والأخلاق الرفيعة التي يفتقدها حالياً أغلب البشر. .. يبدو أن بعض السكان خافوا علي أنفسهم، وعلي أطفالهم، من الكلاب وهو فزع صبياني لا مبرر له فأبلغوا الجهات المختصة. في الساعة السادسة عصر يوم 2010/6/28 جاءت مجموعة من الرجال مدججين بالسلاح (..) قيل أنهم من الدفاع المدني وقاموا بإطلاق النار علي الكلبة وصغارها علي مرأي من الجميع! وبعد أن نفّذوا حكم الإعدام بدم بارد، تركوا الضحايا الأبرياء الكلبة الأم وصغارها ملقاة في الشارع يوماً كاملا ً في مشهد يؤذي النفوس والأبصار حتي جاءت عربة جمع القمامة لترفع الجثث في الساعة الواحدة من بعد ظهر اليوم التالي! الحكاية لها أبعاد كثيرة، لا يتسع لها حيز الخطاب. ويمكن تلخيص بعضها فيما يلي: 1) في أي عصر نعيش؟ ومنذ متي صار مسموحاً بإطلاق النار في الشوارع، وتنفيذ أحكام الإعدام في الطريق العام؟! 2) أي جرم ارتكبته الكلبة المسكينة و صغارها، لكي تلقي معهم هذا المصير البشع؟ وما سر هذه النظرة الدونية والنزعة الجاهلة التي تسمح بحرمان الحيوانات من حقها في الحياة؟! 3) ما تأثير ذلك علي الأطفال الذين شاهدوا عملية الاغتيالات لحظة بلحظة؟ وعلي فرض أن العملية لم تؤثر علي نفسية الأطفال.. أليس من المؤكد أنها ستعلمهم القسوة مع الحيوانات الأليفة؟ 4) ألم يكن من المحتمل أن تطيش طلقة فتصيب أحداً من المارة أو الأطفال الذين تسمّروا أمام هذه المشاهد البشعة؟! 5) هل هذه هي الطريقة المثلي لمواجهة الكلاب الضالة؟ وما هو دور جمعية الرفق بالحيوان بالضبط؟ هل لهذه الجمعية وجود أو فائدة؟! لا زالت والدتي إلي اليوم تبكي الكلبة وصغارها، ولا تترك مناسبة إلاّ لتندد بقسوة الناس في هذه الأيام. إننا نفاجأ يوماً بعد يوم بتصرفات بالغة القسوة والوحشية من أفراد، وجماعات، وجهات رسمية وغير مسئولة إن دلت علي شيء فتدل علي أننا جد بعيدون عن التحضر، وعن تعاليم الأديان التي نتشدق بها ليل نهار! أشكركم علي وقتكم الثمين.. وعلي اهتمامكم بإثارة هذه القضية، وأتوجه بخالص الاحترام والتقدير إلي السيدة/»نانوش«، و إلي ابنة السيد المهندس/ضياء الجلاد.. وردي علي دعوتهما الكريمة هو: [ لقد بادرت فوراً بوضع طاسة المياه في شرفة منزلي ، و والدتي فعلت ذلك أيضاً]. ولكم مني أطيب التمنيات، د. هاشم محمود شعير مركز شعير الطبي/ ميدان علي باشا مبارك المنصورة الرسالة لا تحتاج إلي تعليق، فصاحبها قال كل ما كنت أود أن أعلق به علي ما جاء فيها.