لقد استطاع ايقاظ قدراته المتفوقة الكامنة في أعماق نفسه وتمكن من تدريبها ليصبح ساحرا مقتدرا وعرافا مشهورا السبت: شاعر انجليزي اسمه »اليستر كراولي«، رقيق الحس.. خصب الخيال.. كان في بداية شبابه متدينا مثل والده القس الورع في كنيسة احدي ضواحي مدينة لندن، إلا أنه أنجذب الي السحر فمارسه، واندمج في علومه ودهاليزه، وحقق كساحر شهرة واسعة فاقت شهرته كشاعر، وأصبح معروفا في معظم أنحاء أوروبا.. لكن أقاويل مختلفة شاعت حوله.. منها أنه أعاد اقامة حفلات القداس الأسود الداعرة.. وأنه أوقع عددا كبيرا من النساء الفاضلات وأشركهن في ممارسة أعمال سحرية جنسية.. وأنه يأكل لحوم البشر.. مما هيج الرأي العام ضده، وجعل الصحف تصفه بأنه »ملك الدعارة والفجور«.. و»أقذر أوغاد الدنيا علي الاطلاق«.. و»الوحش آكل البشر«.. فاعتقله البوليس.. وبعد سلسلة من التحقيقات تمت احالته الي المحكمة التي قضت بنفيه إلي جزيرة صقلية.. ويقال أنه قضي بقية حياته في فقر مدقع.. ويقال أيضا انه أقام في منفاه معبدا لممارسة طقوسه، وجمع حوله عددا كبيرا من الفتية والفتيات، مما جعل بوليس صقلية يقبض عليه ويطرده من الجزيرة، إلا ان أتباعه من الرجال والنساء ظلوا يترددون علي المعبد لممارسة طقوسه السحرية.. ومع أن الحملة التي شنها أعداء »كراولي« حوله كانت في منتهي الشراسة، ونجحت في اثارة الرأي العام في بريطانيا كلها ضده، إلا ان فريقا من الدارسين لتاريخ السحر والسحرة، أجمع علي أنه كان في البداية باحثا مخلصا عن الحقيقة فيما وراء العامل المادي المحسوس، ثم شغف بالجوانب الروحية وسافر الي الهند والتبت حيث درس علوم »الغيب« وفلسفته، وفنون السحر وأسراره الغامضة.. ولعله اعتقد ان انغماس الانسان في الجنس يعيده الي فطرته، فيسترد قدراته وملكاته التي كان يعتمد عليها في حياته الأولي مع الوحوش والضواري في الغابات والبراري ليتمكن من الرؤية أعمق، والسمع أبعد، والاحساس بالخطر قبل وقوعه، واكتشاف الأفاعي المختبئة في جحورها، أو مكامنها، بحاسة الشم القوية.. تلك القدرات التي تراجعت، أو خمدت، أو ضمرت، بعد أن أهملها عندما عرف الزراعة والصناعة، وأصبح متحضرا يعيش في القرية أو المدينة. لقد استطاع »كراولي« إيقاظ قدراته المتفرقة الكامنة في أعماق نفسه، وتمكن من تدريبها ليصبح ساحرا مقتدرا، وعارفا بخفايا الماضي والحاضر.. وجميع الأحداث التي تنبأ بها وقعت بالفعل بنفس التفاصيل التي ذكرها، وفي نفس الوقت الذي حدده.. فأصبح من العرافين الذين سيظل التاريخ يحتفظ بأسمائهم في ذاكرته. أشهر العرافين عراف ثالث ذاعت شهرته في العالم بأسره، هو »ميشيل نوستر داموس«، الذي ولد في فرنسا عام 3051، وتعلم اللغات اليونانية واللاتينية والعبرية، ثم درس الطب في جامعة »مونتبلييه« وأصبح طبيبا ماهرا.. لكن السحر استهواه فعكف علي دراسته.. وكتب عددا من النبوءات في شكل مقاطع منفصلة لا يزيد كل منها عن بضعة أسطر، قام بجمعها في كتاب أسماه »قرون« كان له بعد طبعه دوي هائل في حياته وبعد مماته. ومن أشهر نبوءات »نوسترا داموس« التي وردت في الكتاب هي ما قال فيها: »سيأتي زوجان ملكيان من طرق وعرة عبر غابة »رينز«، ويتوقفان عند صخرة »هيرن« البيضاء، ثم يدخلان قرية »فارين« قبل أن يسقط الرأس، وتثور العواصف، وتشب النار، وتسيل الدماء، وتنقطع الأطراف والرءوس«. وبعد أكثر من 052 سنة قامت الثورة الفرنسية، وكان الملك »لويس السادس عشر« وزوجته الملكة.. ماري انطوانيت« قد هربا من باريس، وعبرا غابة »رينز«.. وتوقفا عند تل »هيرن« الصخري الأبيض، امام حاجز أقامه الثوار، الذين لم يكتشفوا شخصيتيهما، وسمحوا لهما بالعبور ليدخلا قرية »فارين«.. وقد ألقي القبض عليهما بسبب وشاية »الكونت دي ناربون«، احد وزراء الملك الذين خانوه وتواطأ مع الثوار.. وسيق الملك والملكة الي المقصلة، حيث تم اعدامهما بقطع رأسيهما، بعد ان انفجر الإرهاب، وغرقت فرنسا في الدماء، وطارت الرءوس وبترت مئات الأطراف!! وفي مقاطع أخري وصف »نوسترا داموس« تفاصيل كثيرة ودقيقة عن الثورة الفرنسية.. وحدد موعدها، »عام 9871«.. وقال أنها »نار، ودماء، وحديد، وحبل«،.. وقال عن المقصلة »كل من ابتكر هذه الأشياء سيموت بها«.. وقال عن نابليون انه »سينشر الخراب في العالم كله«.. وكان مذهلا ان يتنبأ »نوسترا داموس« بكل ذلك قبل أن يحدث بأكثر من 052 عاما.. وكانت له نبوءات أخري بصعود ملوك وباوبات، وانتشار أوبئة ومجاعات تحققت جميعها علي نحو يثير الدهشة.. أما المقطع الخاص بطريقة موته هو شخصيا فكان من أدق وأغرب المقاطع التي وردت في كتابه.. إذ يقول بالحرف: »بعد عودته من سفارته، سيعثر عليه أقرباؤه، وأصدقاؤه بالقرب من سريره.. أما هو فسيكون في طريقه الي الله«.. وبعد عشرين سنة من كتابته لهذه النبوءة، أوفده أهل مدينة »سلون« في مهمة إلي مدينة »آرليه« .. وبعد عودته ذهب بعض أقاربه للاطمئنان عليه، حيث كان يشكو من مرض النقرس.. ويعيش وحيدا في بيته، ولما لم يرد عليهم أحد عندما طرقوا الباب، فتحوه عنوة ودخلوا ليجدوه ميتا علي الأرض بالقرب من سريره!! لقد شهد القرن السادس عشر الكثير من العرافين غير »كراولي«، و»تيوريل«، و»جوريك«،و»نوسترا داموس«، الذين تحدثوا عن تفصيل دقيق لأحداث حقيقية قبل وقوعها، وكأنهم كانوا يشاهدونها بأعينهم.. مما جعل العلماء والباحثين يعتبرون القرن السادس عشر العصر الذهبي لازدهار السحر والعرافة.. ولكن هل معني ذلك ان في وسع الساحر والعراف معرفة الغيب؟! قبل الاجابة علينا ان نسأل انفسنا أولا.. ما هو الغيب؟.. هل هو ما سيحدث غدا؟.. أم هو الذي يحدث الآن في مكان بعيد عن نطاق حواسنا، ونجهل طبيعته؟.. أم هو الذي حدث وانتهي ولم نعلم به؟ الفرق كبير جدا بين »الغيب« و»المجهول«.. ولنتأمل معا المثال التالي: استاذ في الجامعة كتب اسئلة الامتحان علي ورقة ووضعها داخل مظروف احتفظ به في ادراج مكتبه قبل موعد الامتحان بشهر.. وهو وحده الذي يعرف مضمون الاسئلة، ويعرف أيضا اذا كانت سهلة أو صعبة.. اما الطلبة فلن يعرفوا أي شيء عنها إلا يوم الامتحان بعد شهر كامل.. والي أن ينقضي الشهر سيظل الامتحان بالنسبة لهم »مجهولا«، وليس »غيبا« لأن الاستاذ يعرف تفاصيله... »الغيب« شيء، والمجهول شيء آخر مختلف.. ومن الخطأ الفادح الخلط بينهما.. والذين نصادفهم في بعض الأحيان.. الذين يتمتعون بامتلاك الشفافية التي تمكنهم من رؤية وسماع ما لا نستطيع ان نراه أو نسمعه، انما هم يتعاملون مع »المجهول« لأن »الغيب« لا يعرفه إلا الله سبحانه وتعالي، فهو وحده علام الغيوب...