حسين المناوي: «الفرص فين؟» تستشرف التغيرات المتوقعة على سوق ريادة الأعمال    الإمارات تدين بشدة محاولة استهداف مقر إقامة الرئيس الروسي    محافظة القدس: الاحتلال يثبت إخلاء 13 شقة لصالح المستوطنين    مندوب مصر بمجلس الأمن: أمن الصومال امتداد لأمننا القومي.. وسيادته غير قابلة للعبث    إسرائيل على خطى توسع في الشرق الأوسط.. لديها مصالح في الاعتراف ب«أرض الصومال»    نتائج لقاء ترامب ونتنياهو، البنتاجون يعلن عن صفقة ضخمة لتسليم مقاتلات "إف-15" لإسرائيل    الخارجية الروسية: أوكرانيا ستحاسب على أعمالها الإرهابية    بيان ناري من جون إدوارد: وعود الإدارة لا تنفذ.. والزمالك سينهار في أيام قليلة إذا لم نجد الحلول    وزارة الداخلية تكشف تفاصيل واقعة خطف طفل كفر الشيخ    النيابة تأمر بنقل جثة مالك مقهى عين شمس للمشرحة لإعداد تقرير الصفة التشريحية    تفاصيل مثيرة في واقعة محاولة سيدة التخلص من حياتها بالدقهلية    بعد نصف قرن من استخدامه اكتشفوا كارثة، أدلة علمية تكشف خطورة مسكن شائع للألم    أستاذ أمراض صدرية: استخدام «حقنة البرد» يعتبر جريمة طبية    أزمة القيد تفتح باب عودة حسام أشرف للزمالك فى يناير    نيس يهدد عبدالمنعم بقائد ريال مدريد السابق    القباني: دعم حسام حسن لتجربة البدلاء خطوة صحيحة ومنحتهم الثقة    ترامب ل نتنياهو: سنكون دائما معك وسنقف إلى جانبك    حوافز وشراكات وكيانات جديدة | انطلاقة السيارات    حسام حسن يمنح لاعبى المنتخب راحة من التدريبات اليوم    سموم وسلاح أبيض.. المؤبد لعامل بتهمة الاتجار في الحشيش    انهيار منزل من طابقين بالمنيا    فرح كروان مشاكل على حفيدة شعبولا يتحول إلى تحرش وإغماء وعويل والأمن يتدخل (فيديو وصور)    ناقدة فنية تشيد بأداء محمود حميدة في «الملحد»: من أجمل أدواره    الناقدة مها متبولي: الفن شهد تأثيرًا حقيقيًا خلال 2025    صندوق التنمية الحضارية: حديقة الفسطاط كانت جبال قمامة.. واليوم هي الأجمل في الشرق الأوسط    بينهم 4 دول عربية، تعرف على المنتخبات المتأهلة لدور ال 16 في كأس أمم إفريقيا    حسام عاشور: كان من الأفضل تجهيز إمام عاشور فى مباراة أنجولا    تحتوي على الكالسيوم والمعادن الضرورية للجسم.. فوائد تناول بذور الشيا    مجلس الوزراء: نراجع التحديات التي تواجه الهيئات الاقتصادية كجزء من الإصلاح الشامل    الزراعة: نطرح العديد من السلع لتوفير المنتجات وإحداث توازن في السوق    في ختام مؤتمر أدباء مصر بالعريش.. وزير الثقافة يعلن إطلاق "بيت السرد" والمنصة الرقمية لأندية الأدب    أمم إفريقيا – خالد صبحي: التواجد في البطولة شرف كبير لي    الكنيست الإسرائيلي يصادق نهائيًا على قانون قطع الكهرباء والمياه عن مكاتب «الأونروا»    أحمد موسى: 2026 سنة المواطن.. ونصف ديون مصر الخارجية مش على الحكومة علشان محدش يضحك عليك    هيفاء وهبي تطرح أغنيتها الجديدة 'أزمة نفسية'    التعاون الدولي: انعقاد 5 لجان مشتركة بين مصر و5 دول عربية خلال 2025    سقوط موظف عرض سلاحا ناريا عبر فيسبوك بأبو النمرس    وزير الخارجية يجتمع بأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي من الدرجات الحديثة والمتوسطة |صور    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي    الصحة: ارتفاع الإصابات بالفيروسات التنفسية متوقع.. وشدة الأعراض تعود لأسباب بشرية    الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوي الإعاقة تؤكد: دمج حقيقي وتمكين ل11 مليون معاق    توصيات «تطوير الإعلام» |صياغة التقرير النهائى قبل إحالته إلى رئيس الوزراء    الإفتاء توضح مدة المسح على الشراب وكيفية التصرف عند انتهائها    نيافة الأنبا مينا سيّم القس مارك كاهنًا في مسيساجا كندا    معدل البطالة للسعوديين وغير السعوديين يتراجع إلى 3.4%    «طفولة آمنة».. مجمع إعلام الفيوم ينظم لقاء توعوي لمناهضة التحرش ضد الأطفال    نقابة المهن التمثيلية تنعى والدة الفنان هاني رمزي    وزير الصحة: تعاون مصري تركي لدعم الاستثمارات الصحية وتوطين الصناعات الدوائية    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : وزارة العدالة الاجتماعية !?    السيمفونى بين مصر واليونان ورومانيا فى استقبال 2026 بالأوبرا    تاجيل محاكمه 49 متهم ب " اللجان التخريبيه للاخوان " لحضور المتهمين من محبسهم    وفاة والدة الفنان هاني رمزى بعد صراع مع المرض    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    اسعار الخضروات اليوم الإثنين 29ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    فوضى السوشيال ميديا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأناركية أسلوب حياة
نشر في إيجي برس يوم 07 - 01 - 2012

ليست الأناركية أو اللاسلطوية أو الفوضوية حسب الترجمة الشائعة نموذجًا فكريًا مغلقًا، ليست مذهبًا جامدًا يفرض على إتباعه طقوس إنضمام، إنها بالأحرى نموذجًا تحرريًا للحياة، يستبدل النظام المفروض بالقهر بنظام طوعي نابع من الاحترام والتفاهم والمتبادل، يستبدل علاقات البشر الحالية القائمة على الربح والخسارة بعلاقات حرة طوعية قائمة على المعونة المشتركة والمتبادلة بين أطراف المجتمع بعضهم البعض، تستبدل الدولة بالمجتمع المنظم ذاتيًا الحاكم لنفسه بنفسه، الأناركية حياة مفتوحة لكل من آمن بمبادئها وقيمها التحررية.
* ما هى اللاسلطوية ؟ و من هم اللاسلطويون ؟
اللاسلطوية هى فكرة عن الطريقة المثلى للعيش . اللاسلطوية هى أسلوب حياة .
اللاسلطوية هى فكرة أن الحكومة ( الدولة ) غير ضرورية و ضارة ، و المجتمع اللاسلطوى هو مجتمع بغير حكومة . اللاسلطويون هم من يؤمنون بتلك الفكرة و يرغبون فى العيش فى غير سلطوية ، مثلما فعل أسلافنا جميعا يوما .
هؤلاء المؤمنون بالحكومة - مثل الليبراليين ، المحافظين ، الاشتراكيين و الفاشيين - يعرفوا بكونهم دولانيين .
يمكن أن تبدو اللاسلطوية على هذا النحو سلبية بشكل بحت ، انها فقط " ضد " شئ ما . لدى اللاسلطويين ، فى الحقيقة ، العديد من الأفكار الايجابية بخصوص العيش فى مجتمع بغير دولة ، و لكن على العكس من الماركسيين ، الليبراليين و المحافظين ، لا يقدمون مخططا تفصيليا للعمل .
* هل كان هناك يوما مجتمعا لاسلطويا ناجحا ؟
نعم ، العديد من الآلاف . اذ أن جميع البشر عاشوا ، فى أول مليون من سنواتهم أو أكثر ، فى جماعات صيد و التقاط صغيرة العدد متساوية فى الحقوق ، بغير تراتبية أو سلطة . هؤلاء هم أسلافنا . لابد أن المجتمعات اللاسلطوية كانت ناجحة ، لأن بغير ذلك أحدا منا لم يكن ليوجد الآن . عمر الدولة مجرد آلاف قليلة من السنوات . و الأمر استغرق كل هذا الوقت حتى يتم قمع المجتمعات اللاسلطوية الأخيرة مثل مجتمعات قبائل البوشمن * ، البيجمى ، و سكان استراليا الأصليين .
* و لكن لا يمكننا أن نعود لمثل تلك الطريقة فى الحياة ؟
تقريبا كل اللاسلطويين يوافقون على هذا . و لكن تظل دراسة تلك المجتمعات أمرا ملهما ، و أحيانا لالتقاط بعض الأفكار عن كيفية عمل مجتمع طوعى تماما ، فردانى للغاية ، و مع ذلك تعاونى . لنأخذ مثالا واحدا : رجال القبائل لديهم فى الأغلب طرق شديدة الفعالية لحل النزاعات من ضمنها الوساطة و التحكيم غير الملزم . تعمل طرقهم تلك بشكل أفضل من نظامنا القانونى ، لأن عائلة ، أصدقاء و جيران المتنازعين تشجعهم على التوافق على حل معقول للمشكلة ، مستعينة بالمتعاطفين الجديرى بالثقة من جانب الطرفين . حاول خبراء أكاديميين ، فى السبعينات و الثمانينات ، زرع بعض من تلك الأساليب فى النظام القانونى الأمريكى ، لكن بطبيعة الحال ذبل الزرع و مات ، لأنه يحيا فقط فى مجتمع حر .
* اللاسلطويين سذج . انهم يظنون الطبيعة البشرية طيبة فى جوهرها ..
ليس الأمر على هذا النحو . صحيح أن اللاسلطويين يرفضون الأفكار المتعلقة بالفساد الفطرى أو الخطية الأصلية - هى أفكار دينية لم يعد يؤمن بها معظم الناس . و لكنهم لا يؤمنون عادة أن الطبيعة البشرية طيبة فى جوهرها أيضا . انهم يأخذون الناس كما هم . أن البشر ليسوا أى شئ بشكل جوهرى . نحن من نعيش فى ظل الرأسمالية و حليفتها ، الدولة ، فقط أناس لم تملك أبدا فرصة أن تكون كل شئ يمكن أن تكونه .
على الرغم من أن اللاسلطويين غالبا ما يوجهون نداءات أخلاقية نحو الأفضل عند الناس - تماما مثل دعوتهم للمصلحة الذاتية المستنيرة - فاللاسلطوية ليست عقيدة للتضحية بالنفس ، هذا مع أنهم لطالما حاربوا و ماتوا من أجل ما يؤمنون به . يؤمن اللاسلطويون أن تنفيذ فكرتهم الأساسية سوف يعنى حياة أفضل تقريبا للجميع .
* كيف يمكنك الوثوق فى أن الناس لن تفترس بعضها البعض بغير دولة تكافح الجريمة ؟
ان لم يكن باستطاعتك الوثوق فى عدم افتراس البشر العاديون لبعضهم ، كيف يمكنك الوثوق فى أن الدولة لا تفترسنا جميعا ؟ هل الناس الذين يحصلون على السلطة لا أنانيون ، مكرسون ، و أسمى منزلة من الناس الذين يحكمونهم الى هذا الحد ؟ . الحق انه كلما زاد ارتيابك فى جيرانك ، كلما زادت أسبابك لأن تصبح لاسلطويا ! . فى ظل اللاسلطة ، تُختزل القوة و تنتشر فى جميع الأنحاء . الجميع يملك البعض ، و لكن أحدا لا يملك أكثر من اللازم . فى ظل الدولة ، تتركز السلطة و معظم الناس لا يملكون شيئا منها فى الحقيقة . أى نوع من القوة تحب أن تقف ضدها ؟ .
* و لكن - لنتحدث بواقعية - ماذا سيحدث ان لم تكن هناك شرطة ؟
مثلما يلاحظ اللاسلطوى آلن ثورنتون : " الشرطة لا تقوم بأعمال الحماية و انما الانتقام " . فلتنس باتمان يقود فى الأرجاء ليوقف الجرائم الدائرة . لا تمنع دوريات الشرطة الجريمة ، و لا تلقى القبض على المجرمين . عندما تم ايقاف دوريات الشرطة سريا و انتقائيا فى أحياء مدينة كنساس ، بقت معدلات الجريمة على حالها . دراسة أخرى تجد بالمثل أن عمل المباحث و مختبرات الجريمة لا تأثير له على معدل الجريمة . و لكن عندما يجتمع الجيران على حماية بعضهم البعض و صرف ما من شأنهم أن يكونوا مجرمين ، سيجرب الأخيرين حى آخر تحميه فقط الشرطة . يعرف المجرمون أنهم يتعرضون لخطر أقل هناك .
* و لكن الدولة الحديثة مرتبطة بعمق فى تنظيم الحياة اليومية . تقريبا كل نشاط لديه نوع من الارتباط مع الدولة ؟
هذا صحيح ، و لكن عندما تفكر فى الأمر ، ستجد أن الحياة اليومية - تقريبا بأكملها - لاسلطوية . اذ نادرا ما يقابل المرء رجل شرطة الا عندما يدون له تذكرة مرور لتجاوز السرعة . تسود الترتيبات الطوعية و التفاهمات فى كل مكان تقريبا . مثلما كتب اللاسلطوى رودلف روكر : " الحقيقة أنه حتى فى ظل أسوأ أنواع الاستبداد ، تنتظم معظم علاقات الانسان الشخصية مع زملائه من خلال توافق حر و تعاون تضامنى ، الأمر الذى بدونه ستكون الحياة الاجتماعية غير ممكنة على الاطلاق " .
الحياة العائلية ، البيع و الشراء ، الصداقة ، العبادة ، الجنس ، وقت الفراغ .. جميعها أمور لاسلطوية . حتى فى مكان العمل - الذى يعتبره العديد من اللاسلطويين قهريا تماما مثل الدولة - يتعاون المرؤوسين ، بشكل مستقل عن رئيسهم ، فى سبيل الحد من العمل و انجازه .
يتحدث البعض أن اللاسلطوية لا تصلح . و لكنها ، تقريبا ، الأمر الوحيد الذى يفعل ! . تتكئ الدولة - بشكل غير مستقر - على أساس من اللاسلطة ، كذلك الأمر بالنسبة للاقتصاد .
* فلنفترض انك على حق ، أن اللاسلطوية طريقة أفضل للحياه من تلك التى نحياها الآن ، كيف يمكننا أن نتخلص من الدولة لو انها قوية و قامعة مثلما تقول ؟
لطالما فكر اللاسلطويون فى هذا السؤال ، و لا يملكون اجابة واحدة بسيطة . لقد حاربوا الفاشيين على الجبهة فى أسبانيا العام 1936 ، عندما حاول الجيش القفز على السلطة و حيث كان هناك مليونا من اللاسلطويين ، فى الوقت الذى أيدوا فيه استيلاء العمال على المصانع و تشكيل الفلاحين لتعاونيات على الأرض . و فعلوا الشئ نفسه فى أوكرانيا ما بين 1918 - 1920 ، حيث كان عليهم مجابهة كلا من القيصريين و الشيوعيين . لكن ليس على هذا النحو يمكننا اسقاط النظام فى عالم القرن الحادى و العشرين .
فلتتأمل الثورات التى أطاحت بالشيوعية فى شرق أوربا . كان هناك بعض العنف و الموت ، فى بعض الدول أكثر من غيرها ، و لكن ما أسقط السياسيين و البيروقراطيين و الجنرالات - نفس الأعداء الذين نواجههم - هو رفض معظم السكان للعمل أو فعل أى شئ آخر من أجل الحفاظ على استمرارية نظام فاسد . ماذا كان على الحكوميون فى موسكو أو وارسو أن يفعلوه ؟ أن يلقوا بالسلاح النووى على رؤوسهم ؟ أن يبيدوا العمال الذين يقتاتون من خلالهم ؟
لقد آمن معظم اللاسلطويين منذ أمد ، أن ما يسمونه الاضراب العام ( الرفض الجمعى للعمل ) يمكنه أن يلعب دورا كبيرا فى انهيار الدولة .
* اذا كنت ضد جميع الحكومات ، اذن أنت بالتأكيد ضد الديمقراطية ؟
ان كانت الديمقراطية تعنى أن يتحكم الناس فى حياتهم ، اذن جميع اللاسلطويين سيكونون - مثلما أسماهم اللاسلطوى الأمريكى بنيامين تاكر - " ديمقراطيين جيفرسونيين ثابتين " . سيكونون وحدهم الديمقراطيين الحقيقيين . و لكن هذه ليست الديمقراطية كما هى فى الواقع .
ينتخب جزء من الناس ، فى الحياة الحقيقية ( فى أمريكا دائما ، تقريبا ، قلة من الناس ) ، حفنة من السياسيين يتحكمون فى حياتنا بتمرير القوانين و استخدام بيروقراطية و شرطة - غير منتخبة - لتنفيذها ، سواء أرادت الأغلبية ذلك أم لم ترد .
مثلما كتب الفيلسوف الفرنسى روسو مرة - و هو ليس لاسلطويا : " فى الديمقراطية ، يكون الناس احرار فقط فى لحظة تصويتهم . باقى الوقت هم عبيد الحكومة " .
يقع السياسيون و البيروقراطيين فى مناصبهم تحت تأثير قوى من الشركات التجارية الكبرى و جماعات المصالح الخاصة الأخرى فى أغلب الأحيان . الجميع يعلم هذا . البعض يستمر فى الصمت لأنه يستفيد من أصحاب السلطة . الكثير يستمر فى الصمت لأنه يعلم أن المعارضة لا تجدى نفعا ، و ربما يتم تسميتهم متطرفين أو حتى " لاسلطويين / فوضويين ! " ان تحدثوا عن الأمر كما هو . بعض من ديمقراطية !! .
* حسنا ، ان لم تنتخب مسئولين لاتخاذ القرارات ، فمن سوف يفعل ؟ لا تخبرنى أنه بامكان كل شخص أن يفعل ما يروق له بشكل شخصى دون اعتبار للآخرين ؟
لدى اللاسلطويين العديد من الأفكار بشأن كيفية اتخاذ القرارات فى مجتمع طوعى و تعاونى حقا . يؤمن معظم اللاسلطويين أن مثل هذا المجتمع يجب أن يرتكز على تجمعات محلية ، صغيرة بما يكفى لأن يعرف الناس بعضهم البعض ، أو يتشاركون على الأقل فى روابط أسرية أو صداقات ، آراء ، أو اهتمامات .
و لأنه مجتمع محلى ، فالناس يشتركون أيضا فى معرفتهم الشائعة ببيئته . انهم يعرفون أنه سيتعين عليهم العيش مع تبعات قراراتهم ، على العكس من السياسيين أو البيروقراطيين الذين يقررون لأشخاص آخرين .
يؤمن اللاسلطويين أن اتخاذ القرارات لابد أن يتم دائما على أصغر مستوى ممكن . كل قرار يمكن أن يتخذه الأفراد لأجل أنفسهم - بغير تداخل مع قرارات أى شخص أخر من أجل نفسه - لابد أن يتم على هذا النحو . كل قرار يُتخذ فى مجموعات صغيرة ( مثل الأسرة ، التجمعات الدينية ، أو زملاء العمل .. الخ ) هو من جديد لهم ، طالما لا يتداخل مع الآخرين . ستذهب القرارات التى تحمل تأثيرا أكثر اتساعا بشكل ملحوظ ، ان كانت تهم أحدا ، الى مجلس عارض للجماعة قائم على المواجهة المباشرة .
مثل هذا المجلس ، مع ذلك ، ليس هيئة للتشريع . لا أحد منتخب . يمكن لأى شخص أن يحضر . يتحدث الناس باسم أنفسهم . و لكن بينما يتحدثون بشأن مسائل محددة ، يدركون جيدا أن الفوز بالنسبة لهم ليس - كما كان بالنسبة لمدرب الفوتبول فينس لومباردى - ليس " الشئ الوحيد " . انهم يبتغون الفوز للجميع ، و يثمنون صحبة جيرانهم . انهم يحاولون ، فى البداية ، التقليل من سوء الفهم و توضيح المسألة . هذا كاف ، فى الأغلب ، للتوصل لاتفاق . و ان لم يكن ، سيعملون على القبول بحل وسط . كثيرا جدا ما ينجزونه . ان لم يكن ، يستطيع المجلس ارجاء المسألة - اذا كان أمرا لا يستلزم قرارا فوريا - من أجل أن تتناقش بشأنها الجماعة بأكملها قبل الاجتماع الآخر . ان فشل هذا ، ستتحرى الجماعة ما اذا كانت هناك طريقة لأن تنفصل الأغلبية مؤقتا عن الأقلية ، كل منفذا لأولوياته .
لدى الأقلية خيارين ، ان استمر الناس فى خلافاتهم التى لا يمكن التوفيق بينها : يمكنها أن تساير الأغلبية هذه المرة ، لأن هارمونية الجماعة أكثر أهمية من المسألة . و ربما يمكن للأغلبية أن تسترضى الأقلية بقرار بشأن أمر آخر . اذا فشل كل شئ ، و كانت المسألة شديدة الأهمية بالنسبة للأقلية ، يمكنها أن تنفصل لتكون مجتمعا مستقلا ، تماما مثلما فعلت مختلف الولايات الأمريكية ( كونيتيكت ، رود ايلاند ، فيرمونت ، كنتاكى ، مين ، يوتاه ، فيرجينيا الغربية .. الخ ) . ان كان انفصالهم ليس حجة ضد الدولانية ، فهو ليس حجة أيضا ضد اللاسلطة .
هذا ليس فشلا للاسلطة ، لأن الجماعة الجديدة ستعيد خلقها . اللاسلطة ليست نظاما كاملا ، انها فقط أفضل من جميع الأنظمة الأخرى .
* لا يمكننا اشباع جميع احتياجاتنا من خلال مستوى محلى ..
ربما ليس جميعها ، و لكن هناك أدلة من علم الآثار لتجارة لمسافات طويلة - على مدى مئات أو حتى آلاف الأميال - فى أوربا اللاسلطوية ما قبل التاريخية . أدارت المجتمعات اللاسلطوية البدائية - التى قام بزيارتها الأنثروبولوجيين فى القرن العشرين ، مثل البوشمن و ساكنى جزر التروبرياند القبليين - تجارة من هذا النوع بين " شركاء تجارة " فرديين .
لا تعتمد اللاسلطة العملية أبدا على اكتفاء ذاتى محلى كامل ، و لكن يلح العديد من اللاسلطويين المحدثين على أن التجمعات و المناطق لابد أن تكون مكتفية بذاتها قدر الامكان ، كيلا تعتمد على دخلاء بعيدين و غير شخصيين من أجل الضروريات .
حتى فى ظل التكنولوجيا الحديثة ، التى صممت خصيصا - فى الأغلب - لتوسيع الأسواق التجارية من خلال تدمير الاكتفاء الذاتى ، حتى فى ظل هذا ، الكثير من الاكتفاء الذاتى المحلى ما زال ممكنا ، أكثر بكثير مما تريد الحكومات و الشركات لنا أن نعرف .
* أحد تعريفات اللاسلطة هو الفوضى . أليس هذا ما سوف تكونه اللاسلطة : فوضى ؟
بيير- جوزيف برودون ، أول شخص يسمى نفسه لاسلطويا ، كتب يقول : " الحرية هى أم ، و ليست ابنة ، النظام " . النظام اللاسلطوى أرفع شأنا من نظام الدولة القهرى ، لأنه ليس نظاما من قوانين جبرية ، و لكنه ببساطة كيفية اقرار تجمعات من البشر - تعرف بعضها البعض - سبل العيش معا . يرتكز ، اذن ، النظام اللاسلطوى على القبول المشترك و المنطق السليم .
* متى تشكلت فلسفة اللاسلطوية ؟
يعتقد بعض اللاسلطويين أن أفكارا لاسلطوية عبر عنها ديوجين الكلبى فى اليونان القديمة ، لاوزى فى الصين القديمة ، و صوفيين من العصر الوسيط و أيضا أثناء القرن السابع عشر ابان الحرب الأهلية الانجليزية .
لكن اللاسلطوية الحديثة تبدأ مع وليام جودوين و كتابه " العدالة السياسية " المنشور فى انجلترا 1793 . أحياها ، فى فرنسا ، بيير - جوزيف برودون فى أربعينات القرن التاسع عشر بكتابه " ما هى الملكية ؟ " ملهما حركة لاسلطوية وسط العمال الفرنسيين . عرف ماكس شتيرنر فى " الأنا و ما لها " 1844 معنى الأنا المستنيرة ، التى هى قيمة لاسلطوية أساسية . توصل الأمريكى يوشيا وارن - بشكل مستقل فى نفس الوقت - لنفس الأفكار ، و أثر فى حركة واسعة النطاق فى ذلك الوقت لتأسيس مجتمعات يوتوبية . تطورت الأفكار اللاسلطوية لمسافة أبعد، من خلال الروسيان : ميخائيل باكونين ، الثورى العظيم ، و بيتر كروبوتكين ، الدارس شديد الاحترام .
و يأمل اللاسلطويين أن تستمر أفكارهم فى التطور فى ظل عالم متغير .
* هذه الأمور الثورية لها صدى مماثل كثيرا للشيوعية ، و لا أحد يريد ذلك ..
لقد ظل اللاسلطويين و الماركسيين أعداء منذ ستينات القرن التاسع عشر . و على الرغم من أنهم تعاونوا ، فى بعض الأحيان ، ضد أعداء مشتركين - مثل القيصريين أثناء الثورة الروسية أو الفاشيين الأسبان أثناء الحرب الأهلية الأسبانية - فان الشيوعيين لطالما خانوا اللاسلطويين . من كارل ماركس لجوزيف ستالين ، و الماركسيين يتهمون بعنف اللاسلطويين .
يسمى بعض اللاسلطويين - أتباع كروبوتكين - أنفسهم " شيوعيين " ، و لكنهم يناقضون بشيوعتهم الحرة ، الناشئة من أسفل ( ادارة الموارد الطوعية للأرض ، المرافق ، و العمل ، من خلال تجمعات محلية يعرف فيها الناس بعضهم البعض ) يناقضون بها الشيوعية المفروضة بالقوة من خلال الدولة ( تأميم الأراضى و مرافق الانتاج ، انكار كل حكم ذاتى محلى ، و تحويل العمال لموظفين للدولة ) . كيف يمكن للنظامين أن يكونا أكثر اختلافا ؟
رحب اللاسلطويين ، و فى الحقيقة شاركوا ، فى سقوط الشيوعية الأوربية . و ساعد بعض اللاسلطويين الأجانب المنشقين من الكتلة الشرقية لسنوات طويلة - الأمر الذى لم تفعله الحكومه الأمريكية . و الآن ، فاللاسلطويين ناشطين فى كل البلاد الشيوعية سابقا .
أضعف التداعى الشيوعى بالطبع الثقة فى كثير من اليسار الأمريكى ، و لكن ليس اللاسلطويين . اذ أن العديد منهم لا يعتبرون أنفسهم يساريين على أية حال .
بقى اللاسلطويين فى جميع الأنحاء قبل الماركسية ، و ها نحن مازلنا باقين بعدها .
* ألا يؤيد اللاسلطويين العنف ؟
لا يقارب اللاسلطويين فى العنف الديمقراطيين ، الجمهوريين ، الليبراليين و المحافظين . يبدو هؤلاء الناس فقط سلميين ، لأنهم يستخدمون الدولة فى القيام بأعمالهم القذرة : أن تكون عنيفة لحسابهم . و لكن العنف يظل عنفا . ارتداء زى أو التلويح بعلم لا يغير هذا . الدولة عنيفة بحسب التعريف . بغير العنف ضد أسلافنا اللاسلطويين - جماعات الصيد و الالتقاط و المزارعين - ما كانت لتوجد دول الآن . بعض اللاسلطويين يؤيدون العنف ، و لكن كل الدول تخوض فى العنف كل يوم .
بعض اللاسلطويين ، وفق تراث تولستوى ، سلميين من حيث المبدأ . و يعتقد عدد قليل نسبيا منهم فى استمرار الاعتداء ضد الدولة . لكن يؤمن معظمهم بالدفاع عن النفس و يقبلون بدرجة من العنف أثناء موقف ثورى .
ليست المسألة فى واقع الأمر العنف مقابل اللاعنف و لكنها تتعلق بالفعل المباشر . يؤمن اللاسلطويين أنه لابد للناس - كل الناس - أن تقبض على أقدارها بأياديها ، فرديا أو جماعيا ، سواء كان القيام بهذا قانونيا أو غير قانونى ، و سواء تضمن عنفا أو كان يمكن تحقيقه بشكل سلمى.

* ما هى بالظبط البنية الاجتماعية للمجتمع اللاسلطوى ؟
معظم اللاسلطويين ليسوا " بالظبط " متأكدين . سيكون العالم مكانا مختلفا للغاية بعد ابطال سلطة الحكم .
لا يقدم اللاسلطويين فى العادة مخططا تفصيليا ، و لكنهم يطرحون بعض المبادئ الارشادية . انهم يقولون أن المساعدات التبادلية - التعاون عوضا عن المنافسة - هى أصح أساس للحياة الاجتماعية . انهم فردانيين من جهة اعتقادهم أن المجتمع يوجد لمنفعة الفرد - و ليس العكس . و هم يفضلون اللامركزية ، بمعنى أن أسس المجتمع لابد أن تكون تجمعات محلية مباشرة . ثم تتفدرل تلك التجمعات ، فيما يتعلق بالمساعدات التبادلية ، فقط لتنسق الأنشطة التى لا يمكن أن تقوم بها التجمعات المحلية منفردة .
تقلب اللامركزية اللاسلطوية الهرمية القائمة رأسا على عقب . فى الوقت الحالى ، كلما ارتفع مستوى الحكم ، كلما زادت القوة التى يملكها . أما فى ظل اللاسلطة ، فالمستويات الأعلى من الاتحادات ليست حاكمة على الاطلاق و لا تملك قوة قهرية ، و كلما ارتفعت كلما قلت المسئولية المفوضة لهم من أسفل .
مع ذلك ، فاللاسلطويين يدركون خطر أنه ربما تصبح تلك الفيدراليات بيروقراطية و دولانية . نحن يوتوبيين ، و لكن أيضا واقعيين . علينا أن نراقب تلك الفيدراليات عن كثب . مثلما صاغ الأمر توماس جيفرسون : " اليقظة الأبدية هى ثمن الحرية " .
* أى كلمات أخيرة ؟
ونستون تشرشل - سياسى انجليزى سكير ميت و مجرم حرب - كتب ذات مرة أن " الديمقراطية هى اسوأ نظام للحكم ، باستثناء ما يتعلق بجميع الأنظمة الأخرى " . اللاسلطوية هى أسوأ نظام للمجتمع ، باستثناء ما يتعلق بجميع الأنظمة الأخرى . كل الحضارات - مجتمعات الدولة - انهارت و تعاقبت ، حتى الآن ، بواسطة مجتمعات لاسلطوية . مجتمعات الدولة - بطبيعتها - غير مستقرة . ستنهار حضارتنا أيضا عاجلا أو آجلا . انه ليس قريبا جدا لنبدأ التفكير فيما سوف يحل محلها ، و لكن اللاسلطويين يفكرون فى الأمر لما يزيد عن المائتى عام .
نحن ندعوك لاستكشاف أفكارنا ، و الانضمام لنا فى محاولة جعل العالم مكانا أفضل .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.