التقى "صدى البلد" اللواء حسين إسماعيل حسين القفاص، أحد أبطال حرب السادس من أكتوبر، وحامل أعلى وأرفع الأوسمة في حرب أكتوبر 73 وسام نجمة الشرف العسكرية وصاحب أكبر الطلعات الجوية للمقاتلات على مواقع العدو الإسرائيلي بشرق القناة ابن عزبة بهتيم بالإسماعيلية. وقد أكد القفاص أن "حرب أكتوبر حملت العديد من البطولات العظيمة التى أعادت إلى مصر والمصريين كرامتهم وعزتهم، فقد استطعنا بعدها أن نرفع رأسنا أمام العالم أجمع"، وقال إن "التوفيق من عند الله عز وجل واختيارات جمال عبد الناصر وعبقرية وشجاعة السادات هم من أهم أسباب نصر أكتوبر 73"، ويروى اللواء القفاص تفاصيل مشاركته فى حرب أكتوبر فيما يلى: 5 أكتوبر 1973 تحدثت مع عاطف السادات يوم 5 أكتوبر وطالبته بأن يستطلع رأى الرئيس محمد أنور السادات ما إذا كنا سنخوض الحرب أم لا فكان رده: "والله ما فى حد عارف يكلم أبيه أنور حتى الآن"، فقلت له "أخوك هيحارب إمتى.. دول استدعونى النهارده.. وأنا بقالى أسبوع متجوز"، فرد عاطف وقال: "يظهر المسألة بجد المرة دى"، قلت له: "أخوك الناس بتقول عمره ما هيحارب، طيب هيحارب إزاى وفيه ناس سرحهم من الجيش وناس راحت عمرة"، فلهذه الدرجة كانت السرية. 6 أكتوبر 1973 صباح يوم 6 أكتوبر وأثناء وجودنا فى السرب الوحيد، فوجئنا بقائد اللواء المقدم طيار حسن فهمى وكان رجلا فى منتهى القسوة والحزم جلس معنا ولم نصدق ذلك، حيث لم نكن نراه غير فى أوقات الجزاء أو العقاب وتجاذب معنا أطراف الحديث وفى الساعة 1.45 ظهرا سألنا جاهزين وقال لنا: "ضحكنا كتير وهزرنا كتير، دلوقت وقت الجد". ودخلنا إلى غرفة العمليات ورأينا خطوط السير للأهداف وتمت معرفة التشكيل، وأبلغنا أن ساعة "س" الساعة 2 ووجه لنا رسالة من محمد حسنى مبارك قائد القوات الجوية فى هذا الوقت "البلد أمانة فى إيديكوا"، وزاد عليه قائد اللواء "اللى مش هيدمر الهدف مايرجعش". كانت لحظة صعبة وكنا ننظر لبعضنا البعض، وصدم عدد من الطيارين الذين لم تدرج أسماؤهم لتنفيذ الهجمات، وكانت مهمتنا فى مطارى القطامية والصالحية أن نضرب معسكر الصواريخ ووسائل الدفاع الجوى على خط القناة لإتاحة الفرصة لطائرات الميج 21 والسوخوى أن يدخلوا إلى عمق سيناء. وكنت طلبت صورا حديثة للمواقع من قائد اللواء حتى نستطيع التفريق بين الهدف الحقيقى والأهداف الوهمية التى كان يصنعها العدو فى ذلك الوقت، فقال: "دا اللى موجود.. إنت بقالك 3 سنين بتدرب مش محتاج صور عشان تفرق بين الهدف الحقيقى والوهمى". كما أن قائد القاعدة وضباط صف الميكانيكا لم يعرفوا بميعاد الحرب وكان كل ما يعرفونه أن اليوم هناك مشروع تدريب بالذخيرة الحية، وكنت فى تشكيل ضم النقيب إيهاب عبد العزيز، قائد التشكيل، ونقولة رزق الله ومدحت أبو السعد، وكانت من أهم التعليمات أن يكون الطيران فى حالة الصمت اللاسلكى حتى لا ينكشف الهجوم، وكان تشكيلنا أول تشكيل عبر خط القناة فى حرب 73 وكان بينى وبين الهدف 4 دقائق فقط. وقبل الوصول إلى القناة لاحظت زميلى فى التشكيل نقولة رزق الله يبتعد عنا ونظرت إليه وجدت عجل طائرته لم يرفع، مما تسبب فى تأخيره، ولم نستطع أن نحدثه ليرفع عجل طائرته، وذلك حفاظا على الصمت اللاسلكى. وقد دخلنا على ارتفاع منخفض حتى لا تستطيع الردارت كشفنا، وكان أول ما كسر الصمت اللاسلكى هو التكبير "الله أكبر" التى بدأها النقيب سعد الدرينى وبدأنا كلنا فى التكبير ووصلنا إلى الهدف ودمرنا الهدف كاملاً مستخدمين القنابل شديدة الانفجار والصواريخ 80 مللى، وفى طريق رجوعنا وجدنا نقولة رزق الله فى طريقه إلى الهدف، فطالبه قائد التشكيل بالرجوع والانضمام إلى التشكيل، وهو ما رفضه نقوله وأكمل طريقه لضرب الهدف المحدد له. كان من المقرر أن نقوم بطلعة طيران ثانية بعد ساعة، ولكن من النتائج المذهلة التى أذهلت العالم تم إلغاء الطلعة الثانية، حيث تم تدمير جميع الأهداف فى الطلعة الأولى، ولم نخسر غير 10 طائرات فقط من مجموع 220 طائرة، وعند وصولنا إلى المطار استقبلنا قائد اللواء وقائد القاعدة والضباط المتواجدين بالمطار بالأحضان والتهليل، وكان أعظم وأسعد يوم فى حياتى هو يوم 6 أكتوبر 1973. أحرج اللحظات فى إحدى الطلعات خلال معاونة القوات كنا فى طريقنا لضرب موقع أسلحة وذخيرة للعدو خلف القناة، وخلال تنفيذى للهجوم وجدت نفسى لا أرى من خلال الزجاج الأمامى للطائرة وكان أمرا غريبا، فبلغت من خلال اللاسلكى أننى لا أرى شيئا أمامى، فطلبوا منى فى برج المراقبة الانتظار وبعد ثوانٍ أبلغونى بأن قائد اللواء يأمرنى بأن أقفز من الطائرة فتجاهلت ذلك وأبلغتهم أننى سأتخذ طريقى إلى المطار على أن يوجهونى ونزلت إلى الممر من خلال توجيههم، وعند نزولى من الطائرة وجدت الجميع فى حالة ذهول وخوف، احتضننى قائد اللواء فنظرت إلى الطائرة ووجدت الواجهة الأمامية انصهرت تماما، واكتشفنا بعد ذلك أنه خلال هجومى على الهدف أطلق زميل لى قذيفة باتجاه الهدف وقد كنت وسط انفجار القذيفة، مما أدى إلى انصهار الجزء الأمامى من طائرتى. أصعب المواقف الثغرة كانت أسوأ ما فى الحرب، كانت أكبر منطقة دفاع جو للعدو، حيث كان العدو يدافع عنها بالطائرات وصواريخ الدفاع الجوى، وفى طريقنا لضرب أحد الأهداف داخل الثغرة، ذهب قائد التشكيل يعاونه "نقولة رزق الله" لضرب أحد طائرات الهليكوبتر بمحيط الهدف وأكملت أنا وزميل آخر فى اتجاه الهدف، فسمعنا فى اللاسلكى "نقولة" يبلغ قائد التشكيل أنه يرى الجناح الأيسر لطائرة القائد يحترق". وتم ضرب الطائرتين بصاورخين من جانب العدو، فقفز الاثنان من الطائرات، سقط القائد النقيب إيهاب عبد العزيز فى جانب العدو الإسرائيلى بينما سقط "نقولة" فى معسكر الجيش المصرى، حيث كان القتال محتدما وانفصل الجيشان عن بعضهما مسافة قريبة جدا، واكتشفنا فيما بعد أن الهليكوبتر التى استهدفها القائد كانت تقل موشى ديان، وزير الدفاع الإسرائيلى فى ذلك الوقت، وجولدا مائير، رئيسة الوزراء الإسرائيلية. وفى نهاية لقائه مع "صدى البلد" أكد القفاص أنه لا ينكر فضل وقيادة محمد حسنى مبارك، حيث إن 90% من الطيارين الذين اشتركوا فى حرب 73 من تلاميذه، حيث إنه تخرج من تحت يدى مبارك جيل من الطيارين لم ولن يتكرر. صدى البلد