فى تقرير بعنوان «مواجهة مصر المالية»، رأت مجلة «فورين بوليسى» أن مصر تحتاج إلى علاج إدمانها الدعم، مؤكدة أن هذا لن يكون سهلا. وقالت إن الحكومة المصرية اجتمعت مجددا لتواصل مفاوضاتها الشاقة التى استمرت لنحو عامين مع صندوق النقد الدولى بشأن قرض ال4.8 مليار دولار. وحذرت أنه فى ظل انخفاض احتياطيات مصر من العملة الأجنبية إلى 13 مليار دولار، تواجه البلاد أزمة شديدة فى ميزان المدفوعات، حيث ينفد حرفيا -على حد قولها-رصيدها من العملة الصعبة، مما يمثل مشكلة كبيرة لمصر التى تستورد كثيرا من المواد الغذائية والوقود. وأوضحت أن مخزون القمح الاستراتيجى حاليا يغطى أقل من 90 يوما، وهو ما يمثل شبكة أمان صغيرة ومخيفة لمستورد القمح الأكبر فى العالم. ورغم الشعور المتزايد بالضرورة الملحة -على حد تعبير المجلة- الحكومة المصرية لم تستطع، أو ليست على استعداد لإنهاء صفقة صندوق النقد، حيث تراجعت فى الجولة الأخيرة من المحادثات، عن مجموعة الإصلاحات الاقتصادية التى وضعتها على الطاولة فى نوفمبر الماضى، وتقترح الآن خطوات أكثر تدرجا لمكافحة عجزها المالى. ومن بين النقاط الشائكة الرئيسية مع الصندوق -حسب المجلة- نظام الدعم المكلف وغير المستدام فى مصر الذى يستهلك حاليا ما يقرب من ثلث ميزانية الحكومة. «فورين بوليسى» قالت إنه فى حين يعرف على نطاق واسع أن دعم الغذاء والوقود مكلف وغير فاعل، فإن القيادة المصرية لا تريد أن تمس نظام الدعم، وهو ما لا يمكن لومها عليه -حسب المجلة- لأنه محفور فى ذاكرة كل سياسى مصرى انتفاضة خبز عام 1977 التى كادت تطيح بحكومة السادات عندما حاول إلغاء الدعم الحكومى على السلع الغذائية ووقود الطهى بناء على طلب من صندوق النقد، مما أدى إلى سقوط العشرات ونهب مئات المبانى قبل التراجع عن القرار، وتدخل الجيش لاستعادة النظام. بالنظر إلى الوضع الهش فى شوارع القاهرة، وبورسعيد، وغيرها من المدن الرئيسية، الحكومة المصرية لا ترغب فى إثارة المزيد من المتاعب من خلال إلغاء دعم الغذاء والوقود الذى طالما اعتبره المصريون أمرا مفروغا منه ومسلما به، إلا أن القيادة المصرية تدرك أيضا أنه من دون إصلاح نظام الدعم، سيتعذر الدفاع عن الوضع المالى الهش للبلاد. ورأت المجلة أنه عاجلا أم آجلا، سيكون الإصلاح الجاد لنظام الدعم أمرا حتميا غير أن حكومة مرسى مثل حكومة المجلس العسكرى السابقة، تواصل تأجيله، وتنتظر حتى انتخاب برلمان جديد قبل معالجة عبء الدعم الثقيل. ونصحت بأنه فى ظل تأجيل الانتخابات البرلمانية، ينبغى ضخ الكثير من النقد وهو ما لا يبدو قريبا من صندوق النقد الدولى أو قطر، التى دفعت المليارات بالفعل، محذرة من أن خزائن مصر سوف تجف خلال بضعة أشهر فقط. وأوضحت أن مصر بالتأكيد ليست وحدها فى إدمانها الدعم، لأن عديدا من البلدان الغنية والفقيرة مخطئة كذلك بالاعتماد على الدعم الذى نادرا ما يفى بالغرض المنشود منه، ولكن سرعان ما يصبح راسخا سياسيا. وفى ختام تقريرها قالت إن المضى قدما بالنسبة إلى مصر ليس بهذه الصعوبة، موضحة أن برنامجا فاعلا لإصلاح نظام الدعم ينبغى أن يركز أولا على دعم الوقود الأكثر تكلفة وغير الفاعل، ثم تدريج التخفيضات الأخرى بطريقة منهجية. وحسب المجلة، ينبغى أن يتزامن خفض الدعم مع التحويلات النقدية التى تستهدف الأسر الفقيرة والدعم الانتقالى لصناعات الطاقة الثقيلة مثل الأسمنت والزجاج التى ستكون الأكثر تضررا. الإصلاح بالتأكيد لن يكون سهلا، ولكن بالنظر إلى أنه لا مفر منه، لا بد أن يتم التخطيط جيدا له.