مياه النيل.. هم جديد يضاف إلي هموم مصر.. وقضية تضاف للقضايا المتراكمة دون حل أو بحث.. قضية ليست كأي قضية.. انها قضية حياة أو موت.. فمعني عدم سريان مياه النيل في ارضنا ان يموت البشر والشجر وحتي الحجر.. الارض ستتصحر والحيوانات ستنفق والبشر سيفنون.. فمصر تعتمد علي مياه النيل بنسبة تزيد علي 95% وال 5% الأخري من المياه الجوفية والأمطار.. وهذا يعني ان حياة مصر منذ قديم الازل وحتي الان تعتمد علي مياه نهر النيل.. ولولاه ما قامت أكبر الحضارات ولا سكن أرضها بشر. وحين يكون الأمر كذلك.. فهو يعني أننا نتحدث عن مصدر الحياة في هذا البلد منذ أن دبت فيه الحياة.. فالماء يعني الحياة كما قال تعالي: ¢وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءي حَيّي أَفَلا يُؤْمِنُونَ ¢ صدق الله العظيم.. وقال النبي صلي الله عليه وسلم: ¢ الناس شركاء في ثلاثة: في الكلأ.. والماء.. والنار ¢.. وقيل له صلوات الله عليه وسلامه.. ¢ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء. قيل: ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الملح. قيل: ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: إن تفعل الخير خير لك .. وقال عليه الصلاة والسلام..¢ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل علي فضل ماء بقارعة الطريق يمنعه ابن السبيل.. فيقول له الله -عز وجل-: اليوم أمنعك فضلي إذ منعت ما لم تصنع يداك.. ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها لم يف.. ورجل بايع بعد العصر سلعة.. أو قال: قد أعطي بها كذا وكذا. فصدقه وهو علي غير ذلك ¢ صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم. الان تدعو دول منابع النيل إلي الغاء الاتفاقيات التاريخية ذات الطابع الدولي المبرمة لتوزيع حصص مياه النهر.. وإعادة النظر في توزيع الحصص معتمدة علي 3 حجج الاولي إنها تعتبر أن تلك المياه ملك لها.. ومن ثم فلها الحق ليس فقط في حجزها وراء السدود ولكن أيضاً في بيعها إلي مصر والسودان.. والثانية أن بعض تلك الدول قالت أن الحصص ينبغي أن يعاد النظر فيها بما يلبي تطور احتياجاتها التنموية.. والاخيرة أن تلك الدول احتجت بأن اتفاقية عام 1929 وقعتها مصر مع سلطة الاحتلال البريطاني.. لم تراع احتياجات مستعمراتها¢ دول المنبع ¢ وأن الحكومات القومية لم تبرمها ولكن أبرمها الاحتلال نيابة عنها.. وبعدما نالت تلك المستعمرات استقلالها فإن الأمر اختلف ولابد من إعادة النظر في الاتفاقات التي عقدها البريطانيون. هذه الحجج الواهية ليست من وضع وتخطيط هذه الدول ولكن هناك من حركها وما زال يحركها لتبتز مصر وتشغلها عن امور اخري.. فالدعوة إلي إعادة توزيع الحصص من قبل دول المنبع ليس لها اي اسباب وجيهة.. اذ نسبة اعتماد هذه الدول علي مياه النيل لا تتعدي من 1 إلي 5 % لأن كثافة الأمطار التي تهطل لاكثر من ثمانية أشهر علي تلك الدول تقلل من أهمية مياه النيل بالنسبة لها.. كما ان هذه الدول اصلا تعاني من الفيضانات التي تؤدي إلي مجاعات وامراض لا حصر لها.. وحجز كميات اضافية من مياه النيل في هذه الدول سيزيد الطين بلة.. ولن يفيدها بل سيسبب لها اضرارا وخيمة.. كما ان التنصل من الاتفاقيات الدولية بدعوي أنها وقعت في الماضي من قبل دول استعمارية.. امر يتناقض مع مبادئ القانون الدولي.. حيث ان مسألة استغلال الأنهار الدولية حظيت بمكانة متمّيزة في الدراسات القانونية الدولية التي اضطلعت بها لجان القانون الدولي الحكومية منها وغير الحكومية وايضا في الدراسات التي أجراها فقهاء القانون الدولي.. وقد اكدت المنظمات والمعاهدات والمؤتمرات الدولية أن مياه الأنهار مورد طبيعي مشترك لا يخضع لسيادة دولة بذاتها.. واهم هذه المؤتمرات والاتفاقيات الدولية مؤتمر معهد القانون الدولي في دورة مدريد عام 1911.. ومؤتمر رابطة القانون الدولي في هلسنكي عام 1966 والتي سمّيت بقواعد هلسنكي المتعلقة باستخدام مياه الأنهار الدولية.. وأهم هذه القواعد.. ان المجري المائي الدولي هو أي مجري مائي تقع أجزاؤه في دول مختلفة.. ولكل دولة متشاطئة الحقّ في حصة عادلة ومعقولة من مياه المجري المائي الدولي.. ووجوب احترام الحقوق المكتسبة الناجمة عن الاستخدامات القائمة لمياه المجري المائي الدولي.. وعدم جواز قيام أية دولة متشاطئة بإجراءات أو إنشاءات علي المجري المائي الدولي أو فروعه إلاّ بعد إخطار الدول المتشاطئة معها والتوصل إلي إتفاق معها بشأن ذلك.. وعدم جواز إلحاق الضرر بالدول المتشاطئة الأخري سواء من حيث كمية المياه أو نوعيتها.. ووجوب التبادل المستمر للمعلومات والبيانات بين الدول المتشاطئة في كل ما له علاقة بمياه المجري المائي المشترك. كما ان مسألة توارث المعاهدات الدولية طرحت امام مؤتمر فينا 1978.. ورأي المؤتمر حرصاً علي استقرار النظام الدولي خاصة فيما يتعلق بالحدود الدولية أو الالتزامات والحقوق الدولية المتفق عليها في الماضي.. ان تاخذ هذه الاتفاقيات الدولية الحكم الخاص بمعاهدات الحدود وأنظمتها.. ولا يجوز للدولة الخلف أن تتنصل من الالتزامات التي تضمنتها اتفاقيات دولية لها هذا الطابع وأبرمتها الدولة السلف.. وينطبق هذا علي المعاهدات الموقعة بين بريطانيا ومصر عام 1929 ومصر والسودان 1959.. والاتفاقات التي تطالب هذه الدول بالغائها ولا تعترف بها.. هي نفسها الاتفاقيات التي أنشأت هذه الدول واقامت لها كيانات معترف بها دوليا.. والغاءها أو عدم الاعتراف بها من شأنه احداث فوضي في المنطقة. لقد كان معظم هذه الدول لوقت ليس ببعيد خاضعة للحكم المصري كما ان هذه الدول كانت جميعها إلي وقت قريب تمثل دولا صديقة وشقيقة لمصر.. مصر التي طالما ساندت شعوب القارة الافريقية عامة.. وشعوب دول حوض النيل بصفة خاصة.. في سعيها للاستقلال من الاستعمار الاوروبي وقدمت لها ما تستطيع من المساعدة علي كافة المستويات.. مصر التي كانت قبلة حركات التحرر الوطني في عموم القارة السوداء وكانت القاهرة مفتوحة لقادة التحرر من مختلف هذه الدول.. ماذا الذي جري لهذه العلاقات التاريخية والاقليمية بين ابناء النيل ؟؟.. هل لان مصر تخلت عن دورها الحيوي في المنطقة .. هل فقدت نفوذها المعنوي وخرجت من دائرة التأثير ؟؟.. هل تدفع مصر الآن ثمن غيابها عن أفريقيا تاركة الساحة لليهود ليعيثوا في الارض فسادا ؟؟.. لقد كتبت كثيرا من قبل محذرا من هذا الوضع ولكن وقع الامر الذي كنا نخشاه.. ولابد ان نواجهه بالحكمة والذكاء وليس بالعاطفة والتسرع. ان مصر لم تغتصب حقها في مياه النيل وانما نالته بطريقين.. الاول طبيعي وهو ان مجري النيل من عمل الطبيعة ولم يكن بفعل البشر وسيظل يجري في مصر باذن الله مجريه.. والثاني بموجب اتفاقيات دولية ملزمة لا يمكن لاي طرف عدم الاعتراف بها أو نقضها.. وفي رأيي ان الحل لهذه المشكلة.. ليس بابتزاز هذه الدول لمصر وليس بتهديد مصر لهذه الدول أو حتي استجدائها وتلويحها بمعونات ومشروعات استثمارية.. وانما بتشكيل ادارة من ممثلين عن دول حوض النيل جميعها.. تكون مستقلة عن حكومات هذه الدول.. ومهمتها متابعة النهر ورسم خطط وسياسات استغلاله الاستغلال الامثل بحيث لا يضار احد من هذه الدول.. ولكن اعتقد ان دول الظل التي تقف وراء دول المنبع لن ترضي باي حل وستواصل تشجيع هذه الدول من اجل الاضرار بمصر في المقام الاول ثم بالسودان.. هذه الدول الغربية تمنح دول المنابع منحا لا ترد وقروضا ميسرة لبناء سدود علي المنابع.. وهذا التصرف الغربي بالطبع ليس حبا في هذه الدول ولكن... كل الخيارات امامنا مفتوحة ولكن يجب ان تكون الحلول الدبلوماسية واللجوء للمنظمات الدولية والاحتكام بالقانون الدولي هو اول خياراتنا.. بعدها وفي المرحلة الاخيرة تاتي القوة و¢ ياروح ما بعدك روح ¢. * نقلا عن جريدة الجمهورية