آخر عرض قدمه بنيامين نتنياهو لاسترضاء الإدارة الأميركية: تجميد الاستيطان مدة عشرة أشهر في كل المناطق باستثناء القدس! هو عرض مناورة، يُرضي الأميركيين ويُحرج الفلسطينيين. هذا ما يريده نتنياهو لاستيعاب ردود الفعل على مواقفه السابقة بالرفض القاطع لتجميد بناء المستوطنات كتمهيد للعودة إلى المفاوضات، الأمر الذي أدى إلى موقف فلسطيني رافض وجامع، وإلى إعلان أبو مازن عدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، كما أدى إلى اهتزاز جديد لصدقية وصورة إدارة أوباما. المهم سيعتبر كثيرون اليوم أن خطوة نتنياهو جيدة، وهي مبادرة تعبّر عن تليين في الموقف، واستعداد للتفاوض والمطلوب من الفلسطينيين الرد بخطوة مقابلة تعبّر عن تليين أيضاً في موقفهم "وملاقاة" الآخر في منتصف الطريق. وإذا فعل الفلسطينيون يكونون قد كرّسوا الاستيطان والتوسع في القدس أي التهجير منها ومصادرة أملاك الفلسطينيين وتأكيد يهودية المدينة بطريقة أو بأخرى ومشوا مع نتنياهو على طريق تأكيد وحدة القدس كعاصمة لإسرائيل. وإذا رفضوا يتحملون مسؤولية فشل الوصول إلى اتفاق للعودة إلى التفاوض! هذه هي السياسة الإسرائيلية التقليدية، وسيكون الموقف الأميركي التقليدي هو ذاته أيضاً أي الموقف الداعم لإسرائيل. فالقدس هي الأهم، هي العاصمة الموحدة. والاستيطان لا يمكن وقفه وإسرائيل ستصادر المزيد من المنازل والأراضي لتستوعب المزيد من اليهود عليها وفيها. والمسألة تتجاوز عملية التجميد المؤقت للاستيطان. ويجب ألا ننسى الجوهر والشروط الإسرائيلية الأساسية خصوصاً في هذه المرحلة وهي: يهودية الدولة بما يعني الخطر على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين من الخارج، وعلى حق بقاء الفلسطينيين في الداخل وهم يتعرضون لهذا الخطر من خلال القتل والحصار والإذلال ومصادرة ممتلكاتهم. والشرط الثاني بقاء القدس عاصمة موحدة لهذه الدولة. وهذه المخاطر لا تقف عند حدود فلسطين، كما سبق وذكرنا لأنها تثير موضوع اللاجئين الفلسطينيين من زاوية العمل على توطينهم حيث هم أو تهجيرهم مرة جديدة لتوزيعهم على أراض في أصقاع العالم خارج أرضهم الحقيقية. مما سيخلق الكثير من المشاكل في أكثر من مكان. وفي طريق الوصول إلى هذا "الحل" سيكون دمّ كثير وتضحيات وتوترات وهزات وخضات في أكثر من مكان. والأخبث من ذلك، وفي ظل الاندفاعة الإسرائيلية الحالية وظروف الانقسام الفلسطيني والعربي والضعف العربي، تعود إسرائيل إلى طرح موضوع "اللاجئين اليهود العرب" الذي تناولناه منذ سنوات، وأشرنا في أكثر من مقال ومداخلة إلى ضرورة الانتباه إليه. فإسرائيل كما هو معلوم لا تريد "الأونروا" كمنظمة دولية لرعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين. وهي تشن حملة دولية عليها وتسعى إلى إلغائها وفي انتظار ذلك سعت ونجحت في منع تقديم المساعدات لها لتصل بدورها إلى اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات. وأيدتها في ذلك الإدارات الأميركية المتعاقبة. وقد طرح مشروع قانون في الكونجرس الأميركي سابقاً لإلغاء هذه المنظمة. لماذا؟ لأن تعريف اللاجئين حسب "الأونروا" يشمل في لائحتهم الذين هجروا عام 48 وأولادهم وأحفادهم وأجيالهم المتعاقبة، وبالتالي يصبح عددهم بالملايين، وليس مئات الألوف كما تدعي إسرائيل فقط! وهذا أمر مهم سكانياً ومالياً. سكانياً بمعنى أنه إذا طرح موضوع العودة، فالعدد محدود، ويقل عن المليون، وإذا طرح موضوع التعويضات كحل، فالعدد محدد والمبلغ المتوجب دفعه محدد أيضاً، وفي كل الحالات ليست إسرائيل هي التي ستدفع، بل تسعى إلى أن تقبض ثمن كل شيء. وهنا تعتبر إسرائيل أن عدد اليهود الذين "هجروا " من الدول العربية يتجاوز عدد اللاجئين الفلسطينيين. وهي بدأت منذ سنوات تثير هذه القصة علماً أن غالبية اليهود تركت الدول العربية طوعاً أو خضوعاً لضغوطات إسرائيلية. وفي سياق عمليات تهريب منظمة من قبل الحكومات الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية. وإسرائيل تعتبر أن عدد "المهجرين" اليهود وهم في الحقيقة "المهاجرون اليهود" من الدول العربية إليها أكبر بكثير من عدد اللاجئين الفلسطينيين! وبالتالي فإن تقدير كلفة تعويضاتهم، والمطالبة باسترداد أملاكهم قدرت في مرحلة معينة بمئة مليار دولار، وهي الآن تقدر بمبلغ أكثر بكثير وبالتالي سيكون وفق هذه السياسة، وهذا الحساب لإسرائيل في "ذمتنا" كعرب أكثر بكثير مما لدينا في ذمتها عددياً وسياسياً ومالياً! وفق الحساب الإسرائيلي والتوجهات الإسرائيلية سيكون لإسرائيل عندنا حساب مفتوح ولأجيال مقبلة لتعويض "يهودها" في دولنا العربية! الخطورة اليوم بالتحديد في هذا الموضوع تكمن في أن الكنيست الإسرائيلي صوت على مشروع قانون في قراءة أولى يؤكد أن "لا اتفاق سلام من دون ضمان تعويضات للاجئين اليهود العرب! ونص القانون: "في كل نقاش خلال مفاوضات السلام في الشرق الأوسط في موضوع اللاجئين الفلسطينيين ودفع التعويضات لهم مقابل الأملاك التي تركوها وراءهم عام 1948 تطرح حكومة إسرائيل قضية دفع تعويضات إلى اللاجئين اليهود الذين تركوا أملاكهم وراءهم في الدول العربية"... "وحكومة إسرائيل لا توقع على اتفاقية سلام مباشرة أو غير مباشرة أو بواسطة مندوب عنها على ميثاق أو اتفاقية من أي صنف كان مع أي دولة أو سلطة حول أي تسوية سياسية في الشرق الأوسط من دون ضمان حقوق اللاجئين اليهود من الدول العربية وفقاً لميثاق اللاجئين الصادر عن الأممالمتحدة". والخطورة الثانية هنا، تكمن في أن المشروع يستند إلى ميثاق الأممالمتحدة الذي تتجاوزه إسرائيل يومياً في كل ممارساتها الإرهابية وتدعمها في ذلك الإدارة الأميركية والكونجرس الأميركي، الذي اعترف بالمهاجرين اليهود كلاجئين وفقاً لميثاق الأممالمتحدة عام 2008، وعلى أثر ذلك بدأت الحكومة الإسرائيلية عملية حصر أملاك هؤلاء تمهيداً لمطالبة الدول العربية بإعادتها إليهم أو دفع تعويضات مناسبة عنها! والقانون الإسرائيلي الجديد يحدد عدد "اللاجئين اليهود" ب "مليون ونصف المليون لاجئ" أي ضعف عدد اللاجئين الفلسطينيين، الذين يعترفون بهم! وهكذا فإن "عملية السلام" اليوم سوف تتوقف وقد لا تصل إلى النتائج المرجوة منها بسبب عدم حل عقدة اللاجئين اليهود، وليس كما يفكر البعض بسبب عدم التوصل إلى حل "العقدة – الوهم" حسب الإسرائيليين أي عقدة اللاجئين الفلسطينيين! العرب والمسلمون والفلسطينيون يشددون على حق عودة اللاجئين. وعلى حل هذه القضية كأساس للحل الشامل بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكن الإسرائيليين يعيشون في عالم آخر سيفرضون على العرب الإقامة فيه. لا حل دون حل قضية اللاجئين اليهود... ولا تعويضات دون تعويضات للاجئين اليهود... إنها قمة الاندفاعة الإسرائيلية. الخطورة الثالثة الأبرز هي أن مشروع القانون الذي أشرنا إليه مرّ في الكنيست الإسرائيلي ولم يشعر به أحد ولم يعلق عليه أحد لا من الفلسطينيين ولا من العرب... نقلا عن صحبفة الإتحاد الإماراتية