بعد الفشل الذريع الذي مني به لقاء القمة الثلاثي الذي انعقد في نيويورك علي هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الاسبوع الماضي بين الزعماء الثلاثة باراك أوباما والرئيس محمود عباس وبنيامين نتنياهو، شعرت اسرائيل انها المنتصر الوحيد من القمة بسبب ثباتها علي مواقفها فيما كرر رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو في تصريحاته لوسائل الاعلام العبرية عن ارتياحه العميق لنتائج قمة نيويورك وترحيبه الحار بالتصريحات التي أدلي بها الرئيس باراك قبل انعقاد القمة وفي خطابه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة متباهيا بتبني الإدارة الأمريكية والرئيس أوباما شخصيا مواقف بالغة الأهمية وحيوية لاسرائيل وفي مقدمتها المبدآن الاسرائيليان اللذان أكدهما نتنياهو في جامعة "بان ايلان" في يونية الماضي وهما "الاعتراف الفلسطيني بيهودية اسرائيل واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين من دون شروط مسبقة، وقد أرفق نتنياهو هذا الارتياح بتأكيد الموقف الاسرائيلي الرسمي منذ سنوات كثيرة الرافض العودة إلي حدود عام 1967 والذي يري في الكتل الاستيطانية الكبري جزءاً من اسرائيل. لقد أكدت نتائج القمة ان نتنياهو هو المنتصر والمستفيد الأكبر من هذه القمة بثباته علي مواقفه ومطالبه وتحقيقه كل ما يريد من مواصلة الاستيطان وتهويد الأرض الفلسطينية واستئناف المفاوضات دون شروط مسبقة، وللأسف الشديد ربما يكون الرئيس عباس وفريق أوسلو هم الخاسر الأكبر اذ قدموا كل ما في استطاعتهم لكن دون مقابل خاصة بعد الانحياز الواضح في موقف الادارة الامريكيةالجديدة برئاسة أوباما وتراجع مواقفه السابقة في شكل فاضح أمام نتنياهو بحضور عباس في نيويورك عندما طالب اوباما حكومة الاحتلال باتخاذ خطوات من شأنها ضبط البناء في المستوطنات، كبديل عن مطالبه السابقة تجميد الاستيطان وتأكيده ضرورة استئناف المفاوضات دون شروط مسبقة، ويتضح في دعوة أوباما إلي مفاوضات ثنائية في الوقت الراهن تراجع ملحوظ عن دعوته السابقة إلي مفاوضات شاملة علي المسارات جميعها مع الدول العربية المعنية، في وقت واصل مطالبة تلك الدول باتخاذ خطوات تطبيعية مسبقة ومحابية لاسرائيل بذريعة المساعدة، في دفع عملية السلام، فيما يشير إلي حدوث انقلاب في مواقفه السابقة والتماهي مع مفردات الرؤية الاسرائيلية للحل السياسي. لقد كان هذا التراجع بمثابة الصدمة للفلسطينيين، وخيبة أمل كبيرة فقد اطاح هذا التراجع بمصالح العرب وكرامتهم خلافاً لما جاء في خطاب الرئيس الأمريكي في جامعة القاهرة قبل اشهر قليلة لمصلحة مواقف نتنياهو وحكومته من غلاة التطرف والاستيطان والعنصرية ولخدمة التحالف الاستراتيجي الأمريكي - الاسرائيلي الذي يحضر للمناورات العسكرية المشتركة في عرض البحر المتوسط، مما يفاقم من التوتر وعدم الاستقرار ويرسخ التفوق الاستراتيجي لدولة الاحتلال في المنطقة. اسرائيل التي اعلنت ارتياحها الشديد لقبول الرئيس الأمريكي موقفها القاضي لعدم وضع شروط مسبقة للتفاوض بين اسرائيل والفلسطينيين من علي منصة عالمية مهمة وعلي مسامع العرب والفلسطينيين، ودعوته الواضحة إلي الاعتراف باسرائيل كدولة للشعب اليهودي نري أن ذلك مكسب كبير يتغلغل جيدا في المجال الدولي وعظيم بالنسبة لها وهذا عزز من موقف نتنياهو المسبق، والشكل أوضح هذه المرة لأنه بات مدعوما من الادارة الامريكية بشكل أو بآخر بأن السلام سيتحقق فقط في حال اعتراف الفلسطينيين بدولة اسرائيل علي انها الدولة القومية للشعب اليهودي وهذا يعني عدم مسئولية اسرائيل عن اللاجئين والا تكون هناك مطالب لاقتطاع اجزاء مختلفة من اسرائيل أو اجزاء من سكانها وتري أن نهاية الصراع تعني نهاية الصراع وعلي أبومازن ان يختار بين طريق سلفه الرئيس الراحل ياسر عرفات أو مثل الرئيس المصري السابق أنور السادات، وهذا هو القرار الكبير الذي يتعين عليه اتخاذه بها امتحانه. لقد ووضع هذا المكسب السياسي المفاجئ الفلسطينيين في موقف لا يحسد عليه الأمر الذي اضطر الجانب الفلسطيني نقل معركته السياسية مع اسرائيل إلي المرجعيات التفاوضية بعد اخفاق جهود الإدارة الأمريكية في الزام اسرائيل بوقف الاستيطان، وجعل الرئيس عباس يحدد سياسته في المرحلة المقبلة والتي تنص علي تحديد مرجعية العملية التفاوضية بالقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية وخريطة الطريق واعلان انابوليس والتفاهمات مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، وحدوث التفاهمات التي توصل إليها عباس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ايهود أولمرت والرئيس بوش، الأراضي المحتلة عام 1967 بالضفة الغربية كاملة بما فيها القدسالشرقية حتي نهر الأردن والبحر الميت وقطاع غزة والأرض الحرام، وهي المنطقة التي كانت تفصل الضفة عن اسرائيل خلال الحكم الأردني منذ عام 1948 حتي عام 1967 كما اعتبرت ان قضايا المفاوضات للوضع النهائي هي القدس والحدود والاستيطان واللاجئون والمياه والأمن. لقد جاء التكتيك الفلسطيني الجديد بعد اخفاق المساعي الأمريكية في الزام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوقف الاستيطان إلا أن الرئيس عباس سيجد نفسه مطالبا من شعبه ومنظمة التحرير الفلسطينية التي توظفها للتغطية علي سياسة فرض الأمر الواقع الجارية علي قدم وساق التي تنهب الأرض وتنتهك حقوق الانسان وتدوس علي القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية غير آبهة بمطالب المجتمع الدولي والرأي العام العالمي الذي يطالب بانهاء الاحتلال والحصار والعدوان!!