فى تصعيد جديد للأزمة التركية الكردية ، حصلت تركيا على الضوء الأخضر بالتوغل فى الأراضى العراقية للقضاء على المتمردين الأكراد حيث وافق البرلمان التركي بأغلبية ساحقة فى جلسة التصويت التى عقدت اليوم الاربعاء الموافق 17 اكتوبرعلي مذكرة تسمح للجيش التركي لمدة عام باجتياح شمال العراق للقضاء علي عناصر منظمة حزب العمال الكردستاني ، فقد صوت 507 نائبا من اجمالى 526 نائبا لصالح المذكرة فى حين رفضها 19 نائبا .وقد أوضحت الصحف التركية إن عقد جلسة البرلمان بصورة علنية جنب الحكومة إعطاء البرلمان معلومات سرية عن المذكرة كما قضى على احتمالات تسريب أية معلومات حول ما دار خلال الجلسة السرية .هذا فضلا عن اهتمام رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان بأن تحصل المذكرة على تأييد أكثر من 500 نائب ليكون ذلك بمثابة رسالة الى العالم بأن الجميع متفق حول هدف المذكرة و متوحد خلف القيام بالعملية العسكرية ضد منظمة حزب العمال الكردستانى ،ولتكون ورقة أيضا فى يده وهو يزور الولاياتالمتحدة الشهر المقبل . وأشارت الى سبب اخرلعلانية الجلسة البرلمانية ، هو عزل موقف نواب حزب المجتمع الديمقراطىالكردى المعارض ، وهو الحزب الوحيد الذى يقف ضد المذكرة وضد العملية العسكرية . كما ستساعد هذه الخطوة أيضا فى القضاء على أية خلافات فى صفوف نواب حزب العدالة والتنمية وستثنى نواب الحزب الذين يمثلون مدن جنوب شرق تركيا ذات الأغلبية الكردية عن إظهار معارضتهم لإرسال القوات الى شمال العراق لأنهم لن يجرأوا -فى رأى بعض المحللين -على إظهار موقف مخالف للارادة الوطنية فى تركيا. وقد وصف مراقبون اتراك القرار الصادر عن البرلمان بالسماح للحكومة بالتوغل شمال العراق بانه سيف مسلط على اكراد العراق بشكل اساسي. بينما يرى بعض المحللين انه رغم التصريحات الشديدة اللهجة، فان تركيا ستقتصر في عملياتها على قصف اهداف المتمردين من الجو وعلى هجمات صغيرة عبر الحدود مع تجنب شن هجوم كبير. ويأتي هذا الاجراء من جانب تركيا بعد سلسلة هجمات قاتلة شنها المتمردون الاكراد على القوات التركية، كما تلقي تركيا باللوم على حزب العمال الكردستاني في مقتل أكثر من 30 الف شخص منذ ان بدأ حملته المسلحة من اجل اقامة وطن مستقل في جنوب شرق تركيا عام 1984 . وقد بدأت المناوشات العسكرية بين تركيا والمتمردين الأكراد قبل أيام من التصويت على مذكرة الحكومة التركية حيث قصفت المدفعية التركية منذ السبت 13 اكتوبر مواقع قريبة من قرى كردية شمالي العراق ،وسبق أن قامت تركيا بعمليات عسكرية كبيرة في شمال العراق ضد حزب العمال الكردستاني في التسعينيات لكنها فشلت في القضاء على المتمردين ومن هنا يستبعد المحللون ان تكرر تركيا التجربة . وفى هذه الاثناء،أعرب الرئيس التركي عبد الله جول عن أمله فى أن تتفهم الدول العربية موقف تركيا بشأن العملية العسكرية المحتملة فى شمال العراق ، والذى يقوم فقط على حق الدفاع عن النفس فى مواجهة إرهاب منظمة حزب العمال الكردستانى ولا يحمل أية أهداف أخرى. ورغم ما يتعرض له "أردوغان" من ضغوط شديدة من الرأي العام لضرب معسكرات حزب العمال الكردستاني في شمال العراق بعد سلسلة من هجمات المتمردين على القوات التركية.. الا أنه أعلن امام حزب العدالة والتنمية الحاكم الثلاثاء أن اقرار هذا الاقتراح لا يعني أن يتبعه توغل فوري وقلل من شأن توقعات بهجوم وشيك على شمال العراق موضحا أن تصويت البرلمان سيعطي من الناحية الفعلية لثاني أكبر جيش في حلف الاطلسي حرية مطلقة في عبور الحدود الجبلية وشن هجوم في التوقيت الملائم وبالطريقة التي يراها مناسبة. وقد ذكرت صحيفة " حريت " التركية أن الرئيس جول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان تطرقا الى هذا الموضوع مع الرئيس السورى بشار الأسد فى مستهل زيارته لتركيا ، والذى اعرب عن تاييده لقيام الجيش التركي بعملية في الاراضي العراقية تستهدف مواقع متمردي حزب العمال الكردستاني, باعتبار ذلك نابعا من حق تركيا المشروع في الدفاع عن اراضيها مؤكدا موقف سوريا القائم على ضرورة المحافظة على وحدة أراضى العراق وسيادته. وأشارت الصحيفة الى أن "جول "و"أردوغان" حملا الحكومة العراقية المسئولية عن تصاعد نشاط عناصر منظمة حزب العمال الكردستانى ضد تركيا نتيجة عدم اتخاذها خطوات حاسمة وفعالة ضد وجود المنظمة على أراضى العراق على الرغم من التحذيرات التركية المتكررة، وأن تركيا تأمل فى ألا تقيم الدول العربية موقفها بشأن العملية العسكرية المحتملة بشكل خاطىء . وفي محاولة لإنقاذ الوضع المتوتردبلوماسيا، دعا الرئيس العراقي، جلال الطالباني، تركيا إلى منح الحكومة العراقية مزيداً من الوقت لوقف هجمات حزب العمال الكردستاني، كما توجه طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي إلي أنقرة أمس الثلاثاء لطمأنة تركيا الى انها ملتزمة بمنع المتمردين الاكراد من استخدام العراق منصة انطلاق لشن هجمات على جارتها، وأقر طارق الهاشمى خلال زيارته بحق تركيا فى اتخاذ جميع الاجراءات التى من شأنها تحقيق أمن حدودها واستقرار شعبها حال فشل الحكومة العراقية فى القيام بمسئولياتها الخاصة بوقف الارهاب الذى تتعرض له تركيا بسبب وجود عناصر منظمة حزب العمال الكردستانى " الارهابية " فى شمال العراق . وناقش مع الرئيس عبد الله جول ورئيس الوزراء أمس عدة بدائل للعملية العسكرية لانهاء المشكلة التى تؤدى الى توتر العلاقات بين البلدين ،وشدد الهاشمى على أن الحكومة العراقية عازمة على اتخاذ جميع الاجراءات التى من شأنها تأمين الحدود المشتركة مع تركيا .وبالنسبة لمذكرة الحكومة التركية التى يناقشها البرلمان اليوم وتسمح للجيش التركي بدخول شمال العراق،.قال الهاشمى إن المذكرة ستفتح الباب أمام دخول القوات التركية شمال العراق معربا عن أمله فى أن تتيح الحكومة التركية فرصة أخيرة للحلول الدبلوماسية وأن تعطى الفرصة الاخيرة للحكومة العراقية لتوحيد جهودها معها للتعامل مع هذه المشكلة التى لا تهدد أمن تركيا وحدها وإنما تهدد أمن ومصالح العراق أيضا .وفي تصريحات اشارت ضمنا الى امكانية تجنب عمل عسكري، صرح نائب الرئيس العراقي في انقرة الاربعاء بأنه حقق اهدافه من المحادثات العاجلة التي اجراها مع الزعماء الاتراك. بينما أشارت صحيفة " ميلليت" التركية الى أن الرئيس "جول" أكد للهاشمى أن تركيا ليست لديها أطماع فى أراضى أو نفط العراق لكنها تريد الأمن والاستقرار لشعبها وأنه - وكما أكد مسبقا لمرات عدة- هناك ضرورة ملحة للقضاء على الارهابيين المنتشرين بشمال العراق لأن تركيا تفقد من جنودها يوما بعد يوم فى عمليات المنظمة الارهابية وقد نفد صبرها. في غضون ذلك ،عقد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي اجتماعا طارئا لحكومته لبحث الأزمة . وشدد "المالكي" على "أهمية تفعيل عمل اللجنة الثلاثية "العراقية ،الأمريكية ، التركية" ومباشرة العمل بالاتفاقية الأمنية الموقعة مؤخراً بين بغداد وأنقرة.. واستمرار التواصل بين الحكومتين لمعالجة المستجدات الطارئة". وفيما يتعلق بتداعيات الموقف التركى بشأن مطاردة أكراد العراق على الصعيد الدولى ،فقد صرح مسؤول بقطاع النفط الايراني اليوم الاربعاء ان أسعار النفط العالمية ارتفعت بسبب التهديد التركي بشن عملية عسكرية في شمال العراق وشيوع المخاوف بين المستهلكين من انخفاض المخزون النفطي خلال الشتاء. وكانت أسعار النفط ارتفعت الى مستويات قياسية متجاوزة 88 دولارا للبرميل الثلاثاء ، مما يعد رقما قياسيا ، فسره محللون بوجود هواجس من عدم كفاية الامدادات خلال فصل الشتاء والتوترات في منطقة الشرق الاوسط. وذكرت وسائل الإعلام التركية أن أجهزة المخابرات والأمن التركية رصدت عشرة مواقع لمنظمة حزب العمال الكردستاني في شمال العراق ستكون هدفا للعملية العسكرية المحتملة خاصة أن الحكومة التركية توصلت الى قناعة بان فرص نجاح الحكومة العراقية في الضغط على السلطات الكردية في شمال العراق لوقف نشاطات حزب العمال الكردستاني باتت ضعيفة جدا، ونظرا لعدم اتخاذ واشنطن اجراء ضد عدد يقدرب 3000 مقاتل من حزب العمال الكردستاني يختبئون في شمال العراق رغم نداءات متكررة من تركيا على مدى عدة سنوات. ولاتزل الولاياتالمتحدة شريك تركيا في عضوية حلف شمال الاطلسي تعارض بقوة أي عمل عسكري خوفا من ان يؤدي الى زعزعة الاستقرار في منطقة كانت مسالمة الى حد بعيد. الا ان انقرة تؤكد انها استنفدت كل الخيارات الاخرى وبانها مستعدة لتحمل ردود الفعل المعارضة لها اذا دعت الضرورة للتوغل شمال العراق خصوصا ان حزب العمال الكردستاني مصنف اميركيا واوروبيا على لائحة المنظمات الارهابية. وتزامنت هذه الازمة مع توتر شديد في العلاقات الاميركية التركية بسبب اصرار مجلس النواب الامريكي على التصويت قريبا على مشروع قرار يصف ما حدث للارمن في مطلع القرن الماضي خلال حكم السلطنة العثمانية بالابادة الجماعية . وقبل ساعات من بدء الجلسة البرلمانية ،عقدت الخارجية التركية اليوم "الأربعاء " اجتماعا ضم سفراء دول الاتحاد الأوروبى والسفير العراقى فى أنقرة صباح جميل العمران لشرح أبعاد العملية العسكرية التى تخطط تركيا للقيام بها ضد مواقع منظمة حزب العمال الكردستانى في شمال العراق،ويستهدف الاجتماع حصول تركيا على الأرضية القانونية لهذه العملية وتأمين موقف دولى يعترف بحق تركيا المشروع فى الدفاع عن النفس فى مواجهة التهديدات التى تتعرض لها من جانب عناصر المنظمة فى شمال العراق ومساندة هذا الحق . وفى هذا السياق ، وجه الامين العام للامم المتحدة بان كي مون نداءً غير مباشرلتركيا بضبط النفس. و قال اننا نمر بفترة عصيبة جدا وحساسة في العراق، ونحتاج الى التعاون الكامل والمساندة من دول المنطقة مشيرا الى ان تركيا سوف تستضيف مؤتمرا دوليا عن العراق في اوائل نوفمبرالمقبل . وكانت تركيا والعراق وقعتا في نهاية سبتمبراتفاق تعاون ينص على "منع انشطة المنظمات الارهابية وانشطة حزب العمال الكردستاني بشكل رئيسي"، الا ان هذا الاتفاق لايسمح للقوات التركية بالتوغل في الاراضي العراقية لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني. 17/10/2007