* * كما فعل الرئيس الأمريكي باراك أوباما عندما اختار منبر جامعة القاهرة العريقة لإلقاء خطاب مصالحة بلاده مع العالم الإسلامي.. فعل رئيس وزراء إسرائيل زعيم الليكود بنيامين نتنياهو ليتحدث عن توجهات حكومته اليمينية بالنسبة لسياسات إسرائيل الخارجية وبصفة خاصة التعامل مع القضية الفلسطينية.. واختار جامعة بار إيلان.. في تل أبيب لهذا الغرض.. وعادت من جديد سحابة "التضحيات المؤلمة" فوق سماء المنطقة.. لتربط بين بعض ما أورده أوباما من نقاط في الخطاب ثم تصريحات أثناء زيارته الأوروبية بعد ذلك.. وما اعتبره نتنياهو كذلك بمجرد الانتقال من منظومة الحكم الذاتي للفلسطينيين المقيمين في المناطق!!.. إلي اشارته الموافقة علي اقامة دولة فلسطينية.. ولكنه اشترط أن تكون منزوعة السلاح.. وثمنها الأساسي اعتراف فلسطين بإسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية!!.. وهو التوجه الذي يرفضه العرب والمنطق وحقائق التاريخ.. ويفتح كذلك الباب للتنكيل بالفلسطينيين الموجودين داخل الخط الأخضر "والذين حصلوا بالفعل علي الهوية الإسرائيلية.. وصمدوا علي مدي 60 عاماً لعديد من الإجراءات الاستثنائية.. والاتهامات.. ليس آخرها قانون تعديل المواطنة أمام الكنيسة والذي ينص علي الاخلاص لإسرائيل كدولة يهودية.. صهيونية.. ديمقراطية.. وأن يلتزم المواطن الإسرائيلي في كل مكان بتحية العلم الأزرق بنجمته السداسية.. وقيل عند تقديم المشروع انه لا يمكن السماح لهؤلاء الفلسطينيين بالعمل لصالح منظمة التحرير.. أو كمستتشارين لها.. ويتمتعون بعضوية الكنيست.. كما حدث أيام الزعيم التاريخي الراحل.. ياسر عرفات. ** وربما أراد نتنياهو من خلال موافقته علي مبدأ قيام دولة فلسطينية "باعتباره تغييراً استراتيجياً في سياسة حكومة اليمين التي رفضت بشدة الاقتراح من قبل" ربما أراد ان يلقي بهذه الاستجابة علي ساحة التفاوض أو حتي تجاذب التصريحات وإعلان المواقف" ليبرر لأوباما رفضه المطالب الأمريكية لتجميد الاستيطان في الضفة الغربية.. وهو الأمر الذي أصبح موضعاً للخلاف العلني النادر بين إسرائيل والإدارة الأمريكية.. ولم تفلح فيما يبدو مهمة وزير الدفاع الإسرائيلي في تبرير حدة الخلاف أثناء زيارته لواشنطن.. خاصة مع نفي وزيرة الخارجية الأمريكية تماماً لوجود تفاهم مسبق حول هذا الموضوع إبان رئاسة الحليف الأكبر لإسرائيل.. جورج بوش للولايات المتحدة ولكن علينا ألا نتوقع حرباً أمريكية إسرائيلية حول المستوطنات.. في ظل انشغال مبعوث السلام بنقل رسائل ومقترحات في جولات مكوكية.. تمهد لاستئناف المفاوضات.. وموقف عربي صامد وقوي يرفض يهودية الدولة.. ويعتبر ذلك انتكاسة كبري علي طريق مسيرة السلام.. وكما يقولون في المفاوضات.. هناك المسألة الأساسية القابلة للتفاوض.. وتعني بها هذه المرة الموافقة علي قيام دولة فلسطينية.. وان كان التفاوض لتغيير الشروط الأخري ممكناً حسب قناعة واشنطن بالأساس.. بأن حان الوقت لتحقيق رؤية الدولتين.. ونزع أشواك القنابل الست الكبري عن طريق السلام.. والتي تبدأ بتجميد المستوطنات "بعد أن زرعت إسرائيل منها ما فيه الكفاية" وتنتهي بوضع القدس "الذي أعلن نتيناهو مجدداً انها عاصمة إسرائيل الموحدة للأبد" وعودة اللاجئين التي يضاعف من قضيتها يهودية إسرائيل.. لأن ذلك يعني انضمام السكان العرب في إسرائيل كلهم أو من تختارهم الحكومة الإسرائيلية وأركانها من المتطرفين أمثال لييرمان للرحيل.. علماً بأن نتنياهو وان حرص أمام الاصرار الأمريكي للتقدم للأمام.. حرص علي تولي أمور السياسة الخارجية.. إلا اننا لا ننسي انها مسئولية ليبرمان المرفوض بشدة من معظم الأطراف.. ورغم إعلان نتنياهو الموافقة علي قيام الدولة الفلسطينية.. فإننا نلمح ما يؤكد الجذور المشتركة له مع أولمرت "كاديما" وأستاذهما السابق شارون.. الذي نفذ الانسحاب الأحادي من غزة.. وطالب الشعب الإسرائيلي بتضحيات صعبة.. "العبارة المفضلة الآن" ولذلك فقد حصل خطاب نتنياهو علي تأييد سريع من ليفني كاديما وحزب العمل.. وان كانت مواقف كاديما بالنسبة لحل الدولتين إيجابية.. كما ان أولمرت كان أول من أعلن عن ترسيم لحدود إسرائيل مع بداية عام ..2010 وان استمر في بناء وتوسعة المستوطنات.. وطرح فكرة تبادل الأراضي في الحل النهائي لإنشاء دولة فلسطينية متصلة الأوصال وان كان قد سبق نتنياهو في الحديث عن دولة منزوعة السلاح بدون جيش أو وزارات سيادية.. وكل ما تراجع عنه في الواقع نتنياهو هو فكرة البناء الاقتصادي للمناطق الفلسطينية وإعادة تأهيلها. بعد العدوان علي غزة والاقتحامات الدائمة لجيش الاحتلال للضفة معتبراً ذلك هو الأساس ليحكم الفلسطينيون أراضيهم.. مذكراً بمشروع آلون للحكم الذاتي للأراضي التي احتلت عام ..1967 والتي تراها المبادرة العربية للسلام هي المكان الطبيعي لإقامة الدولة الفلسطينية. .. لقد أفاضت الصحف الأمريكية في تحليل خطاب نتنياهو أمام جامعة بار إيلان ورأت ان الجديد فيه اقرار نتنياهو لأول مرة بمبدأ الدولة الفلسطينية.. في ضوء اصرار أوباما علي حل الدولتين.. كما رفض بحزم المطالب الأمريكية بتجميد الاستيطان.. بعد 10 أيام من رفض أوباما القاطع لشرعية استمرارها.. ووضع شروطاً لقيام الدولة الفلسطينية منها التسليم بيهودية الدولة.. وهو يعلم ان هذه الشروط سترفضها الإدارة الأمريكية نفسها.. وأجمعت التحليلات والتعليقات التي خرجت علي الخطاب.. بأنه أجهض آمال العرب والعالم نحو تحقيق السلام وحل القضية الأولي في الشرق الأوسط.. ونسف الآمال التي نمت بعد خطاب أوباما.. بإصراره علي تهويد القدس "رغم مسئولية الفلسطينيين ومطالبتهم بالقدسالشرقية عاصمة لدولتهم".. ورفض عودة الباحثين "رغم قرارات الأممالمتحدة" بإعلانه ان مشكلة اللاجئين يجب أن تحل خارج إسرائيل.. كما رفض تجميد المستوطنات.. التي قطعت الأراضي الفلسطينية إلي أوصال ممزقة. بالإضافة للسور العنصري العازل حول القدس والضفة.. والسور الآخر الذي ينوي الإسرائيليون بناءه علي مشارف غزة.. ووصفت بعض الصحف الخطاب بالمسموم الذي لم يأت بجديد علي الساحة.. واستفاض في وضع الشروط التعجيزية.. وأكدت انه رغم الحصار الأمريكي وبزوغ الخلافات الإسرائيلية الأمريكية علي الساحة علناً.. فإن كلمات نتنياهو جاءت متسقة مع ايدلوجيته العنصرية والمتطرفة والتي ساعدته في تجاوز المقعد الزائد لكاديما وتشكيل حكومة يمينية من غلاة المتطرفين.. وتحولت الألفاظ والجمل التي استخدمها إلي رصاص يقتل وينسف كل جهود ومبادرات السلام.. ويترك أحد خيارين: الأول: الإعلان الرسمي عن موت عملية السلام برمتها.. بما فيها المبادرة العربية التي كانت في طريقها لتحقيق أهدافها.. ومؤازرة الجهود العالمية لإنجاحها.. لتميزها بالمنطق والمصداقية "الأرض مقابل السلام.. والتطبيع مع إسرائيل بعد إعلان الدولة الفلسطينية". الثاني العودة للمفاوضات.. تحت العنوان الرئيسي.. اقامة الدولة الفلسطينية.. وتفنيد كل الادعاءات الإسرائيلية من المستوطنات حتي يهودية الدولة.. ربما لعدم جر المنطقة إلي مسلسل الضفة.. وهنا لابد من ممارسة الإدارة الأمريكية لضغوط حقيقية علي حكومة إسرائيل والتمسك بما أعلنه الرئيس أوباما من منبر جامعة القاهرة.. وحب به العرب والمسلمين.. خاصة وان تمسك أوباما بحل الدولتين وإعلانه الرفض الواضح للاستمرار في بناء المستوطنات.. وعدم كفاية ما اقترحه نتنياهو من قبل بإيقاف الاستيطان غير الشرعي.. هذا التمسك ومع التسليم بالعلاقة الاستراتيجية والمصالح المشتركة والتزام الولاياتالمتحدة بأمن إسرائيل.. اضطر نتنياهو للإمساك بالميكروفون.. والإعلان لأول مرة.. عما يراه يشكل عناصر سياسته الخارجية.. وهي بالطبع قابلة للتعديل ليس فقط لدي المستشارين أو في الغرف المغلقة.. ولكن بين صفوف المعارضة القوية بالكنيست.. وعدد من الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي.. وكذلك لدي الشعب الإسرائيلي الذي عايش العرب داخل الحدود الخضراء.. منذ عام 1948 ولأكثر من 60 عاما ولمس بالفعل ان جهودهم للبناء والتعمير موضع التقدير.. وان ما حصلوا عليه من حقوق للمواطنة تريد يهودية الدولة انتزاعها.. يستحقونها تماما باعتبارهم إحدي الفئات المنتجة في المجتمع. ** وفي هذا الظرف العصيب.. ولاسقاط المؤامرات والدسائس التي تحاك ضد الشعب الفلسطيني وتمنع خروجه من خيام "النكبة" ليس هناك من حل آخر سوي انتهاء الانقسام الفلسطيني.. والتناحر بين المنظمات الرئيسية.. وما لها من نتائج قدموها هدية مجانية لإسرائيل.. التوسع والمماطلة.. والاغراق في بحيرات المقترحات والتلاعب بالكلمات.. ان عودة الصف الفلسطيني إلي قوته.. والالتزام بميثاق منظمة التحرير وإنجاح الجهود المصرية للوفاق الفلسطيني.. تمضي في طريق ترميم البيت.. وتدفع العالم إلي مساندة الحقوق الوطنية المشروعة.. ولن يضاف إلي كاهلنا سداد فاتورة الخوف الديموجرافي التي تحاول بها إسرائيل التخلص من الشعب الفلسطيني.. وتبرير العنصرية.. داخل اليهودية.. والغريب ان نتنياهو ورجاله يحاولون افهامنا ان ذلك هو طريقهم لتحقيق "الديمقراطية" وهي فرصة لكشف الحقائق وازالة الضباب أمام عيون المجتمع الدولي. * الجمهورية