بعدما أعلن المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، أنه لن يرضخ للشارع الإيراني في أزمة الانتخابات، معتبرا أن نتيجتها نهائية، عاد وقال أمس، بعدما وافق على طلب مجلس صيانة الدستور بتمديد مهلة النظر في الطعون لمدة 5 أيام، إنه «يتعين على الأمة كلها احترام القانون. لقد أكدت وسأظل أؤكد تنفيذ القانون في المسألة الانتخابية وصيانة قانون البلاد. لن ترضخ المؤسسة ولا الأمة للضغوط مهما كان الثمن». وفيما ما زال مجلس صيانة الدستور يتلقى شكاوي زعيم التيار الإصلاحي مير حسين موسوي وزعيم حزب «اعتماد ملي» مهدي كروبي، قالت مصادر إيرانية مطلعة ل«الشرق الأوسط» إن المرشد الأعلى لإيران «واقع تحت ضغط كبير» من مؤسسات وشخصيات سياسية ودينية نافذة في إيران، موضحة أن تصريحاته أمس، التي قال فيها «لن ترضخ المؤسسة ولا الأمة للضغوط مهما كان الثمن» تعكس تزايد الضغوط عليه. وقالت مصادر إيرانية ل«الشرق الأوسط» إن «التحالف الإصلاحي»، الذي يضم موسوي وكروبي والرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، ورفسنجاني وعددا كبيرا من مراجع التقليد الكبار في قم، يتجهون لخوض 7 أسابيع حاسمة في المواجهة بين جناحي النظام في إيران، الإصلاحي والمحافظ، وأن الهدف هو «تقييد السلطات المطلقة للمرشد». وأوضح مصدر إيراني آخر أن رفسنجاني سعى خلال مشاوراته إلى وضع أسس جديدة يكون بموجبها «الولي الفقيه» مسؤولا أمام مجلس الخبراء، وليس مطلق الصلاحيات، مشيرا إلى أن هذه الأزمة يمكن وصفها ب«الثورة الخضراء المشروطة» على غرار «ثورة المشروطية الأولى» التي قادها الإيرانيون قبل نحو 100 عام لتقييد سلطات الشاه. وتابع «هناك مطالب الآن بأن يكون الولي الفقيه (مراقبا) للنظام وليس قائدا لأركان النظام». وأوضح المصدر الإيراني أن الأزمة الحالية أضعفت خامنئي بالفعل. ورغم التضييقات الأمنية الشديدة فإن المئات تمكنوا في التظاهر أمس قبل أن تتدخل قوات الباسيج لتفريقهم. حين يهتز المرشد وتحت هذا العنوان وفي جريدة الوفد المصرية كتب د. وحيد عبد المجيد :حاول آية الله علي خامنئي، في خطبة الجمعة الماضية في جامعة طهران، أن يعيد إلي موقع المرشد الأعلي »القائد أو الولي الفقيه« مكانته التي بدا أنها اهتزت تحت وطأة أزمة الانتخابات الرئاسية العاشرة. ولذلك حرص علي أن يكون حاسمًا، ولكن بلباقة وكياسة، ولتبديد الانطباع الذي شاع بأنه تراجع عن موقف اتخذه تحت ضغط الاحتجاجات علي نتائج الانتخابات حين أبدي استعدادًا لإعادة فرز صناديق الاقتراع في الدوائر الانتخابية المطعون عليها، فقد رأي غير قليل من المراقبين في قبوله إعادة الفرز تراجعا يضعف سلطة المرشد الأعلي بعد أن كان قد اعتبر فوز محمود إحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية »عيدا حقيقيا«. غير أن اللهجة الصارمة التي تحدث بها خامنئي، والإجراءات القمعية التي اعقبتها لمنع الاحتجاجات، ربما تكون كافية لإظهار قوة السلطة التي يتمتع بها المرشد الأعلي، ولكن مكانة هذا الموقع العلي في الجمهورية الإسلامية لا تنبع فقط من سلطته شبه المطلقة، وإنما تعود في أهم أبعادها إلي ارتفاع من يشغله فوق الخلافات وترفعه الذي يفترض أن يعصمه من أن يصبح طرفًا في أي صراع داخلي. ولذلك فإذا كانت مكانة هذا الموقع اهتزت فعلاً، فقد حدث ذلك بسبب انحياز خامنئي إلي نجاد علي نحو أفقده بدرجة أو بأخري دور الحكم المقبول من مختلف الأطراف، وليس نتيجة المرونة التي أبداها حين أوحي بإمكان إعادة فرز بعض الصناديق. فهذه هي المرة الأولي التي ينزل فيها المرشد الأعلي من عليائه، ويتخلي بدرجة ما عن موقعه الذي يفترض أن يرفعه فوق الخلافات وينزهه عن أن يكون طرفا في أي انقسام، ويجعله راعيا للإيرانيين جميعهم. فلم يخف خامنئي منذ بداية العملية الانتخابية انحيازه إلي نجاد عندما وضع مواصفات للمرشح الأفضل تنطبق عليه، ودعا الناخبين إلي اختيار من تتوفر فيه، وأهمها أن يكون متواضعا يحيا حياة بسيطة وليس طامعا إلي حياة مترفة، وأن يكون ممن يتصدون للأعداء وليس ممن يسايرونهم، وهو لم يبدد، في خطبة الجمعة الماضية، الانطباع بانحيازه إلي نجاد، بل أكده علي نحو يجعله طرفا مباشرا في المعركة، بما يؤدي إليه ذلك من اهتزاز في مكانته لا يعوضه إظهار أقصي مقدار من القوة. إيران: نهاية الجمهورية الأولى بينما اكد د. عمرو الشوبكي بجريدة المصري اليوم أن المظاهرات التي شهدتها إيران مؤخرا تجاوزت حدود الاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية، لتضع علامات استفهام حول طبيعة النظام الذى تأسس عقب نجاح الثورة الإسلامية عام 1979، ولتعيد النظر فى كثير من «ثوابت الجمهورية الأولى»، وتفتح الباب أمام «جمهورية ثانية» متصالحة مع جوهر القيم والمبادئ الإسلامية، ولكنها ستعيد النظر فى كثير من ثوابت الجمهورية الأولى بدءاً بصلاحيات «الولى الفقيه»، وانتهاء بالمبادئ التى تحكم طريقة اختيار المرشح لرئاسة الجمهورية وصلاحياته المحدودة مقارنة بصلاحيات مرشد الثورة ومجلس الخبراء الواسعة. لقد تأسست الجمهورية الأولى فى أعقاب اندلاع واحدة من أهم الثورات فى التاريخ الإنسانى كله، حيث خرج أكثر من 6 ملايين مواطن لاستقبال قائد الثورة الإمام الخمينى العائد من منفاه فى باريس، بعد أن ثار الشعب ضد جرائم نظام الشاة بعد سنوات طويلة من القمع والاستبداد سقط فيها آلاف الضحايا. ومنذ ذلك التاريخ شهدت إيران نظاما سياسيا فريدا ربط بين العقائدى والسياسى، أى بين الفكر الدينى والمذهبى للثورة، وبين متطلبات العيش فى ظل نظام سياسى حديث، فكان هناك برلمان منتخب ورئيس جمهورية منتخب لمدتين غير قابلتين للتمديد، لديه صلاحيات أقل من مرشد الثورة المنتخب من مجلس الخبراء، الذى يضم مجموعة من رجال الدين المنتخبين أيضا من قبل الشعب، وهم بدورهم ينتخبون ما يسمى الولى الفقية أو قائد أو مرشد الثورة، وتولى هذا المنصب عقب نجاح الثورة الإمام الراحل آية الله الخمينى، وحاليا المرشد على خامنئى. والمؤكد أن طريقة إدارة الانتخابات الأخيرة فى إيران، والتجاوزات الكثيرة التى شابتها، ساعدت على تفجر أحداث العنف والمظاهرات الأخيرة، رغم وجود شعبية حقيقية لأحمدى نجاد بسبب نزاهته وزهده الشخصى وتعاطفه مع الفقراء، بالإضافة لصغر سنه مقارنة بباقى المرشحين، وهى كلها عوامل ساعدت على نجاحه بصرف النظر عن توجهاته الأيديولوجية، والأخطاء الكثيرة التى حدثت فى عملية فرز الأصوات. الأمر نفسه ينسحب على مرشد الثورة خامنئى الذى قدم خطاباً يوم الجمعة الماضى شديد العمق وامتلك حضوراً شخصياً ودينياً من الصعب أن نجد نظيراً له لدى رجال الدين فى العالم العربى، ولكن الأزمة لم تعد فى كون المرشد والحكم المحافظ لديهما شرعية أم لا، إنما فى المعارضة العلنية لصلاحياته الاستثنائية، وفى عدم قدرته على الأمر والطاعة كما نصت مبادئ الجمهورية الأولى. دخل الخطاب الرسمى المحافظ معركة سياسية مباشرة وفجة، لم يكن المرشد بعيدا عنها، فى مواجهة المحتجين، حين وصفهم بأنهم عملاء الخارج تحركهم دول أجنبية، وهى الاتهامات نفسها التى تروجها النظم الاستبدادية فى العالم العربى، ولكن مع فارق أساسى أن التعددية المقيدة الموجودة داخل النظام السياسى الإيرانى جعلت هناك شعب حى لا يقبل التزوير ولو الجزئى، وقادر فى الوقت نفسه على التظاهر والنضال من أجل إصلاح مجمل النظام السياسى والدفاع عن الديمقراطية وعن مرشح حقيقى وشعبى فى انتخابات الرئاسة، وإذا كان من المؤكد أن الاحتجاجات الأخيرة لن تسقط النظام الإيرانى، فهو يمتلك قدراً من التعدد والتنوع الداخلى ولديه مؤسسات تعمل وزعماء فى الحكم والمعارضة لديهم شرعية بصرف النظر عن أزمتها، إلا أن جوهر الخلل فى النظام الإيرانى يكمن فى تلك «العقلية الأيديولوجية» التى حكمت عقل قادة الثورة، ورغبت فى إعطاء صلاحيات استثنائية لرجال الدين «وهم بالمناسبة منتخبون ومعظمهم علماء كبار وفقهاء مناضلون قادوا ثورة عظيمة ومع ذلك تعثروا»، وهى العقلية نفسها التى تحكم فكر الحركات الإسلامية، خاصة الإخوان فى العالم العربى. نعم لقد أنجزت إيران ثورة كبرى واستثنائية فى التاريخ الإنسانى بل جديرة بالاحترام، ولكن بعد ثلاثين عاما من انطلاقها فإن الشعب لا يحتاج إلى الحديث عن «الشرعية الثورية» إنما إلى شرعية دستورية وقانونية، والمؤكد أن الصلاحيات التى يمتلكها مرشد الثورة فى تناقض مع الصلاحيات المحدودة التى يمتلكها رئيس الجمهورية، وإذا كان خامنئى لديه شرعية شعبية ودينية، إلا أن المرشد القادم لن يمتلك هذه الشرعية نفسها، لأنه ببساطة لن يكون جزءا من هذا الماضى الثورى، وبالتالى ستكون شرعيته أقل، وسيصبح من العبث اعتباره الحكم والمرجع النهائى. المؤكد أن مستقبل النظام الإيرانى مرتبط بنقل معظم صلاحيات المرشد إلى رئيس الجمهورية المنتخب، مع بقاء منصب المرشد كقائد روحى للنظام السياسى وكجزء من الثقافة السياسية الشيعية للمجتمع الإيرانى، تماما مثلما تطورت النظم الملكية فى كثير من المجتمعات الأوروبية وأصبح الملك «يملك ولا يحكم»، أو هو رأس الكنيسة كما فى بريطانيا وغيرها، فمن الوارد، ببعض التفاؤل وكثير من الخيال والرهان على حيوية المجتمع الإيرانى، أن تقلص صلاحيات المرشد لصالح الرئيس المنتخب، وتؤسس الجمهورية الثانية، وتلك هى معركة المستقبل المنظور أو مرحلة ما بعد أحمدى نجاد القادمة لا محالة.