عدد القراء: 34 أولاد يمرحون في شارع الحمراء غير آبهين بالتوتر السياسي والفراغ الرئاسي لا اعياد ولا افراح، القلق يسيطر على النفوس ويحجز العواطف، والحزن يلف المكان. قبل اكثر من اسبوع اغتيل الشهيد اللواء فرنسوا الحاج، والآن تلوح في الافق اجواء متلبدة، سياسيا على الاقل. شاءت الصدف ان تجتمع الاعياد في الاسبوع نفسه، عيد ميلاد السيد المسيح، وقبله بأيام عدة كان عيد الاضحى المبارك، وبعد اقل من اسبوع عيد رأس السنة الميلادية. الاعياد الثلاثة لم تحفز القسم الكبير من اللبنانيين للاحتفال بهذه الثلاثية، الامر غريب، لان لبنان يغرق في اتون ازمة رئاسية - سياسية لم يشهد مثلها منذ عقود. كرسي الرئاسة الاولى فارغ منذ حوالي الشهر، الانقسام الداخلي على اشده، الحركة الاقتصادية عشية الاعياد شبه مشلولة، وسط بيروت مغلق بمخيم المعارضة منذ اكثر من عام. السياح العرب معظمهم أحجموا عن التوجه الى لبنان، بعد العملية الاجرامية الاخيرة، وحدهم اللبنانيون غارقون في ازمتهم، رغم كل هذا الحراك الدولي والعربي الكثيف لايجاد الحلول الناجعة لهذه الازمة المستعصية على الحل. العيد اليوم لا يشبه الاعياد السابقة، مظاهر البهجة غابت هذه المرة، فالاغتيالات لم تتوقف منذ فبراير ،2005 وقبل حوالي الاسبوعين اغتيل مدير العمليات في الجيش العميد فرنسوا الحاج (رقي الى رتبة لواء بعد اغتياله). اليوم يبقى الامل، حسب ما يقول هشام رباح (36 عاما)، إذ 'لا يمكن ان نحرم الاطفال من بهجة الاعياد، رغم الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان منذ حوالي ثلاثة اعوام، لكن الحياة يجب ان تستمر رغم كل شيء، لن نستسلم لليأس'. ما يحدثنا عنه هشام هو حال العديد من اللبنانيين عشية عيدي الميلاد ورأس السنة الميلادية، وهو التعبير الصادق عما يجول في خاطر معظم الشعب اللبناني المثقل بالمآسي والهموم. القلق يسيطر على مختلف مفاصل الحياة، بعد فشل الافرقاء في التوافق على انتخاب رئيس جديد. إلى مدينة الملاهي وحدهم الاطفال والفتية يحضرون ثياب العيد، لا يعنيهم ما يجري من حولهم، رغم ان السياسة تجري في عروق الاجنة داخل ارحام امهاتهم، 'اريد الذهاب الى مدينة الملاهي'، هذا ما يطلبه الفتى محمد من والده الذي يعده بأنه سيأخذه الى مدينة الملاهي غدا، إلا أنه لا يصدقه لانه لم يف بوعده ولو مرة واحدة، ففي العام الماضي لم يذهب خالد اسوة برفاقه الى مدينة الملاهي لان اعتصام المعارضة وما رافقه من احداث دموية اجبر الكثيرين على التزام منازلهم. وسط بيروت.. المعضلة من جهتهم، التجار ينتظرون هذه المناسبة للتعويض عن خسائرهم، اصحاب المقاهي والمطاعم في وسط بيروت لا يزالون يرزحون تحت وطأة ما يسمى باعتصام المعارضة منذ اكثر من عام، وتحديدا منذ الاول من ديسمبر الفائت. خالد جابر (28 عاما) يعمل في احد المطاعم وسط بيروت رغم حيازته اجازة في العلوم السياسية قبل اعوام، 'لا نعرف متى يصرفوننا من العمل بسبب اقفال وسط بيروت منذ اكثر من عام، فصاحب المطعم انذرنا بالصرف من العمل مطلع السنة القادمة'، اما زميلته الين ايوب فتشعر ب'القرف' من الحالة الراهنة وتتمنى الحصول على تأشيرة سفر الى فرنسا او كندا، 'لان الوضع في بلدنا لم يعد يطاق'. اذا كان قلب العاصمة على هذه الصورة المأساوية، فماذا عن الضاحية الجنوبية لبيروت والجبل والبقاع.. الخ؟ حج مبرور وسعي مشكور مدينة حزينة ولكن.. رغم هذه الاجواء القاتمة، تستعد بيروت لاستقبال الاعياد. على طول اوتوستراداتها رفعت زينة الاعياد، وازدانت واجهات المحال والمؤسسات باللافتات والنجوم، ورفعت اشجار الميلاد في الساحات، وزينت بعض مداخل المنازل التي تستعد لاستقبال الحجاج العائدين من اداء فريضة الحج. في منطقة برج ابي حيدر ترتفع اللافتات المرحبة بقدوم حجاج بيت الله الحرام، 'حج مبرور وسعي مشكور' على مدخل منزل الحاج احمد شبارو، 'لقد اتم الاخير مناسك الحج، والحمد لله هو في صحة جيدة ويعود غدا الخميس من المملكة العربية السعودية'، يقول ابنه زياد. بيروت والأضداد ويتكرر المشهد في معظم المناطق. كل شيء في الاشرفية يؤكد ان العدة اعدت للاحتفال بالاعياد، ويقول صاحب احد المحال جرج شعيا (52 عاما) 'لقد انهينا الترتيبات للعيد، وكل شيء على ما يرام'، اما عن الاحوال السيئة التي يعيشها لبنان فيوضح: 'لقد حزنا بالامس كثيرا لاغتيال العميد فرنسوا الحاج ومرافقه، لكن لبنان اعتاد على التضحية ويجب ان تستمر الحياة'. ومرة جديدة تثبت بيروت عشقها للحياة ورغبتها في الاستمرار عاصمة فريدة جامعة ما بين الاضداد، فمشهد الاعتصامات حول السرايا استمد هدوءا امن استمراره اكثر من اسبوعين، فيما مال النصف الثاني من الوسط التجاري نحو استقبال موسم اعياد الميلاد ورأس السنة والاضحى التي ارادت ان تتزامن هذه السنة لتؤكد استحالة قيام لبنان من دون جميع ابنائه. فبعد جمود في الفترة الاخيرة نتيجة اعتصامات المعارضة التي تزامنت مع اقفال بعض الطرق، عاد الوسط التجاري ليشهد انتعاشا مقبولا، وان لم يكن هو المرجو، بما يترجم جهود اصحاب المؤسسات التجارية في اتجاه المسؤولين لتحريك عجلة النشاط الاقتصادي في مؤسساتهم اقله في فترة الاعياد، التي انتقلت بهجته الى اسواق اخرى في عدد من المناطق القريبة من وسط بيروت. حجوزات ألغيت في الفنادق من المفترض ان تكون فترة الاعياد في اوجها بالنسبة الى الفنادق، اذ انه في مثل هذه الفترة من كل سنة كانت الحجوزات تصل الى نحو 130 في المائة، ولكن ما نشهده حاليا هو العكس تماما، فالغاء الحجوزات وصلت الى نسبة 40 في المائة، وان نسبة الالغاءات ستكون مائة في المائة في ايام العيد، لأنه كل يوم ثمة الغاءات، خصوصا انها بدأت منذ اغيتال فرنسوا الحاج في الثاني عشر من ديسمبر الجاري. في الضاحية الجنوبية تبدو الامور مختلفة، هنا الاستعدادات للعيد على قدم وساق، بالامس احتفل اهالي الضاحية بعيد الاضحى المبارك واليوم المحال تشرع ابوابها للزبائن، الاطفال يملأون الشوارع والاكياس يجرونها مع ذويهم، كل شيء يسير على قدم وساق، غدا العيد والفرح. الجبل: السياح والخوف يتميز لبنان بطقسه المعتدل، وتعتبر مدينتا بحمدون وعالية 'قبلة' المصطافين العرب، خصوصا الخليجيين ويشكل الكويتيون غالبية السياح العرب ويمتلك هؤلاء قسما لا بأس به من العقارات، ويمضون اجازاتهم السنوية في جبل لبنان. وتشي الحركة الكثيفة للطائرات المتوجهة الى مطار بيروت الى ان مئات السياح العرب يتوافدون الى بيروت على الرغم من الاوضاع السياسية المتوترة، ويعزز هذا الاعتقاد ما يفيدنا به مكتب الطيران الكويتي في بيروت 'جميع الرحلات الى بيروت حتى الخميس المقبل محجوزة، ولا يمكن شراء تذكرة سفر من الكويت الى بيروت قبل 31 الجاري'. كذلك هي حال طيران الشرق الاوسط وغيرها من شركات الطيران التي تنظم الرحلات الى بيروت، ولدى استفسارنا عن تأثير عملية الاغتيال الاخيرة على حجوزات الطيران: 'كنا نتوقع الغاء العديد من التذاكر، لكن هناك عدد قليل لا يتجاوز ال 2% من الركاب ألغوا حجوزاتهم في الفترة الممتدة من 12 الى 30 ديسمبر'. 'القبس' التقت عددا من السياح الخليجيين في مدينة بحمدون وعبر هؤلاء عن تمنياتهم بأن ينعم لبنان بالهدوء، وفي السياق نفسه يقول عبدالله العويضي: 'حضرت قبل ايام من الكويت لقضاء فترة الاعياد في لبنان، ورغم الظروف الصعبة التي يعيشها اللبنانيون، لكنني لمست مدى تعلق هؤلاء بالحياة وتصور ان البلاد تعيش في ازمة سياسية، واللبنانيون يزينون الطرقات ويرفعون اللافتات للاحتفال بالاعياد'. ويوافق الدكتور احمد العطار الآتي من السعودية ما يقوله العويضي، ويضيف: 'انا احب هذا البلد الجميل، واتمنى ان ينعم بالهدوء، لأن اللبنانيين عانوا طويلا من الحرب الداخلية والازمات المتعاقبة'.