أثارت وثيقة تنظيم البث والاستقبال الفضائي والإذاعي والتليفزيوني في العالم العربي, التي أقرها وزراء الإعلام في اجتماعهم الاستثنائي الأخير بالقاهرة العديد من ردود الفعل, أغلبها رافضة, واصفة الوثيقة بأنها مقيدة للحريات في عصر الإعلام الحر والسماوات المفتوحة, وأن هدف الوثيقة الأساسي هو حماية الحكم والأنظمة العربية من النقد الذي تبثه العديد من البرامج الحوارية في القنوات الفضائية الخاصة التي انطلقت في الفضاء العربي وبلغت أكثر من400 قناة بعضها يمثل إزعاجا للعديد من الدول, وهو ما دعا إلي سرعة إصدار الوثيقة وتنفيذها قبل اعتماد آلية تنفيذها في الاجتماع المقبل للوزراء. وفي رحلة البحث عن الحقيقة ومواجهة المسئول عن إعداد وتنفيذ الوثيقة في بيت العرب, كان حوار الأهرام مع السفير محمد الخمليشي, الأمين العام المساعد للجامعة العربية للإعلام, وأكد في الحوار الممتد علي مدي أكثر من ساعة بمكتبه ببيت العرب علي ضفاف نيل القاهرة, أن الوثيقة تعتبر نافذة منذ صدور قرار وزراء الإعلام العرب بالموافقة الجماعية عليها في الثاني عشر من شهر فبراير الحالي وذلك برغم عدم صدور آلية التنفيذ وأصبح من حق كل دولة تنفيذها انطلاقا من احترام كل دولة لسيادتها, وهو ما حدث في مصر والسعودية والعراق والمغرب والأردن إلي حد ما. وللعلم فإن الجامعة العربية ليست معنية فقط بالجانب السياسي الذي كان بكل أسف من أبرز معوقات العمل العربي المشترك نتيجة استمرار وتصاعد المشاكل العربية العربية. ومن مهام الجامعة العربية الاهتمام بالجانب الثقافي والاجتماعي والإعلامي.. إلخ, وليس الجانب السياسي فقط, هذا إلي جانب نجاحها في إشراك المجتمع المدني في أعمالها من خلال البرلمان العربي وغيره. * ولكن سيادة السفير, الوثيقة تضع قيودا علي حرية الإعلام بدلا من البدء بإعداد برامج لإصلاح وتطوير وتحديث الإعلام العربي؟ دعني أتساءل: لماذا انتقدت أجهزة الإعلام الوثيقة من خلال رصدي لردود الفعل النقد المنصب علي الجانب السياسي, وهو لا يشكل أكثر من12% من الإعلام العربي.. وقبل الانتقاد, أدعو الجميع للقراءة الدقيقة للوثيقة والمبادئ التي انطلقت منها من خلال الالتزام بالمبادئ والمواثيق الدولية والاهتمام بالمجتمع وقيمه الدينية والأخلاقية والاجتماعية أكثر ما هو منصب علي الفقرة الرابعة من البند السابع, والتي تطالب بعدم تناول القادة والرموز الوطنية والدينية بالتجريح, وهذه الفقرة لم تمنع انتقاد برامج القادة والمسئولين, ولكن ما هو ممنوع التجريح في حياتهم الخاصة وشخصيتهم, وهذا ينطبق علي الرموز الدينية والتاريخية. * لكن القيادات شخصيات عامة من حق الإعلام كسلطة رابعة انتقاد سلوكياتها إذا خرجت عن المألوف أو عن عادات وتقاليد المجتمع؟ نحن لسنا ضد مبادئ الديمقراطية الثلاثة: المساواة والحق والعدل. إذن.. لماذا صدرت الوثيقة الآن؟ الوثيقة جاءت لسد فراغ استشعرناه بعد منع قناة المنار من البث في الفضاء الأوروبي, وذلك بعد إخلالها ببنود الوثيقة الأوروبية بالتحريض علي الكراهية, برغم أنها كلمة مطاطة وغير محدودة. وأمام ذلك وجدنا أن لدينا فراغا وعدم ضبط لما يبث في فضائياتنا إلي جانب ما يبث إلينا من الخارج, وكان لابد من معالجته والبداية منذ أكثر من عامين في عام2005 قرر وزراء الإعلام وضع تشريعات لتنظيم البث الفضائي السمعي والبصري والإلكتروني, وعلي الفور عكفت الجامعة العربية كأمانة لتنفيذ ما قرر الوزراء من خلال تشكيل عدة فرق من ممثلي الدول ال22 الأعضاء والخبراء.. ومنهم دولة قطر شاركت في جميع الاجتماعات لإعداد مشروع الوثيقة. إذن لماذا تحفظت قطر علي الوثيقة؟ لم تعترض علي الوثيقة ولكن علي بدء تنفيذها, لأن أجهزتها لم تنته من دراستها علي ضوء تشريعاتها الداخلية. سعادة السفير الخمليشي.. البعض فسر الاعتراض القطري بأنه للمحافظة علي قناة الجزيرة, وعدم وقوعها تحت مقصلة عقوبات الوثيقة, خاصة أن حرية الجزيرة تسبب إزعاجا لعدد من الدول بالمنطقة؟ المؤسف أن البعض اختصر الموقف القطري في الجزيرة لمواقف بعض الدول منها.. وأقول إن الجزيرة قناة ناجحة إخباريا بالدرجة الأولي, ولكن الوثيقة مفتوحة وتضمن حقوق الجميع ولا نستطيع الحكم علي الوثيقة إلا بعد صدور آلية التنفيذ لبنودها التي ستعكف اللجنة الدائمة للإعلام علي إعدادها من خلال فرق خبراء دوليين عرب وممثلي القنوات الفضائية العامة والخاصة, وأشدد علي الخاصة, ثم ترفع الآلية للاجتماع المقبل لوزراء الإعلام العرب بالقاهرة في شهر سبتمبر المقبل, وأؤكد أن الآلية هي التي ستفصل وتحدد إن كانت الوثيقة ظالمة أو مظلومة. ولكن البعض فسر الوثيقة علي أنها جهاز رقابة عربي علي حرية الرأي بالفضائيات العربية؟ هذا غير صحيح لأننا في الجامعة العربية لن نكون رقباء علي الحرية, ولكن كل دولة مسئولة عن القنوات التي تبث من أرضها خاصة أو عامة, انطلاقا من سيادة الدولة حتي لو انطلقت القنوات الفضائية من مناطق إعلامية حرة مثل دبي ومصر, وبالطبع الوثيقة لن تطبق علي الأقمار التي تؤجر باقات وهو ليس مسئولا عن المحتوي, ولكن الوثيقة ستطبق علي المحتوي والبرامج الإعلامية للبث.. وبالتالي إذا كان هناك خلاف أو مظلمة من الدولة أو من القناة الفضائية التي تبث برامجها من الدولة ستكون الآلية هي الحكم. الفضاء العالمي متفوح.. لماذا نحن نقيده بالوثيقة؟ نحن لم نخرج عن المعتاد في العالم وكنا الفضاء الوحيد في العالم الذي ليس لديه وثيقة مبادئ لتنظيم البث منه وإليه.. وأمام ذلك استعنا بجميع الوثائق العربية والعالمية من مبادئ وتشريعات ووثائق لتنظيم البث وحصلنا علي وثيقة البث الفضائي من الاتحاد الأوروبي التي توصلوا إليها بعد26 عاما من التطوير وصدرت في عام2006 تحت اسم معايير البث السمعي والبصري في دول الاتحاد الأوروبي ولا تختلف كثيرا عن الوثيقة العربية التي استفادت من تجارب الآخرين, لأننا لا ننطلق من الصفر, وفي الصين والعديد من دول آسيا وفي إفريقيا توجد أيضا وثيقة, والمؤسف أن جميع الدول العربية ليس لديها وثيقة لتنظيم البث باستثناء العراق!! من خلال تجارب الآخرين.. هل توجد لديهم آلية للرقابة؟ نعم توجد.. وهو ما يدرسه خبراؤنا للاستفادة من تجارب الآخرين, وقد اضطلع وزراء الإعلام في الوثيقة الأساسية التي وزعت عليهم قبل الاجتماع علي نتائج دراسة الخبراء الدوليين للوثائق العالمية وتم ضمها لجهاز تنفيذي ورقابي. هل يمكن التعرف علي الخطوط العريضة لآلية تنفيذ الوثيقة؟ لابد أن يكون لها مجلس أعلي للإشراف علي تنفيذها بمقر الجامعة العربية أو مكان آخر, وسيكون المجلس منتخبا من وزارات الإعلام والقطاع الخاص أصحاب القنوات الفضائية البالغ عددهم أكثر من400 قناة فضائية, إلي جانب علماء ومتخصصين في الإعلام ورجال القانون. هل الآلية وضعت لوائح البرامج الحوارية في القنوات الخاصة التي أصبحت تسبب إزعاجا لعدد من الدول والمسئولين؟ كما قلت البرامج الحوارية والسياسية لا تشكل إلا نسبة ضئيلة في مسيرة الإعلام وفي بنود الوثيقة التي تشمل جميع جوانب الحياة بمختلف أبعادها. وإذا خالفت إحدي القنوات الفضائية أحد بنود الوثيقة من يحاسبها.. هل الدولة أم آلية التنفيذ العربية؟ أعتقد أن الاثنين يتعاونان أولهما الدولة من خلال مسئوليتها وسلطاتها الوطنية لها حق مراجعة القناة في المرحلة الحالية, لأنه لا يوجد لدينا مرصد عربي لمراقبة مئات القنوات الفضائية التي تبث في العالم العربي, ونحن سنكون جهة رقابة محايدة. ما هو الموقف إذا خالفت قناة حكومية بنود الوثيقة؟ هذا ما ستحدده الصلاحيات ووسائل عملها التي ستتيح لآلية التنفيذ ومجلسها الأعلي الذي سيضم ممثلين عن القنوات الفضائية الخاصة من حقوق المراقبة.. وبالطبع ستكون هناك مراحل للمراجعة. هل ستكون هناك حملات توعية بالوثيقة؟ هذه خطوة مهمة, وأنا أقوم بها منذ صدور الوثيقة, لكن نحن لسنا الجهة المقررة للوثيقة والمنفذة لها, لأنها موضوع سيادي لكل دولة ونحن سكرتارية فنية لكل ما يقرره الوزراء. هناك تخوف بعد تطبيق الوثيقة من هروب القنوات الفضائية الخاصة للبث من دول الجوار أو من قطر المعترضة علي الوثيقة؟ أولا: الوثيقة تتعامل مع ما يبث داخل الدول العربية, أو ما نتلقاه من بث خارجي من حقنا بموجب الوثيقة مراجعتهم, خاصة كما قلت إن أغلب دول العالم لديها وثيقة لتنظيم البث الفضائي والوثيقة تهدف إلي حماية الجانب الأخلاقي للمجتمع. وماذا عن الكليبات الفاضحة والقنوات الجنسية؟ هذا من اختصاصات الهيئة العربية المسئولة عن تنفيذ ومتابعة الوثيقة من خلال مرصد عربي للفضائيات أو متابعتها من خلال اتحاد الإذاعات العربية. هل لديكم ميزانية لتنفيذ الوثيقة؟ للأسف لا توجد ونحن نعمل بميزانية الأمانة العامة للإعلام بالجامعة, والتي لا تتعدي آلاف الجنيهات وليس الملايين, كما أنه ليس لدينا أموال من الدول لسداد مكافآت الخبراء الذين أعدوا الوثيقة وعملوا علي مدي أكثر من عامين. هل العجز المادي هو أساس عدم تنفيذ أغلب قرارات العمل الجماعي العربي المشترك وعدم تنفيذ الاستراتيجية الإعلامية لمواجهة الحملة الظالمة ضد العرب في الخارج؟ للأسف هذا واقع مع إقرار الاستراتيجية الإعلامية التي تضم6 بنود واتفقنا علي تنفيذ بندين كل عام, وأن يتوافر بالصندوق الخاص بالاستراتيجية كل عام4,5 مليون دولار سنويا, وللأسف مضي عامان ولم تلتزم أغلبية الدول بالسداد ولم نصل إلي مليوني دولار, وبالتالي لم تتحرك, وتم تجميد الاستراتيجية نتيجة عدم توافر الميزانية المقررة وهي22 مليون دولار تسدد علي خمس سنوات. إذا كان العمل الإيجابي لم ينفذ.. فلماذا الإسراع بفرض الوثيقة التي ستواجه نفس المشكلة؟ عملية التنفيذ في العمل العربي المشترك ستظل مرهونة بإرادة الدول العربية أولا وأخيرا وليس بإرادة الجامعة وأمانتها العامة والأساس هو التزام الدول العربية بالتنفيذ وسداد التزاماتها المادية, ولكن ما يحدث هو العكس, والمؤسف أن العديد من الدول ترفض السداد إلا بعد سداد الجميع والمحصلة عدم تنفيذ أغلب القرارات العربية التي تصدر بالإجماع!! إذا كان هدف الوثيقة هو حماية المجتمع من الفوضي الإعلامية.. لماذا اقتصرت علي الفضائيات ولم تتطرق إلي الإعلام الإلكتروني, وهو في رأيي الأخطر؟ تنظيم الإنترنت موجود في قرار تنفيذ الوثيقة التي تنص علي وضع تشريعات للبث الإلكتروني أيضا, ولكن نحن كأمانة عامة بدأنا بالبث الفضائي, إلا أن البث الإلكتروني ونحن في طور إنشاء لجنة للإعلام الإلكتروني تضم خبراء الإعلام والاتصالات, مهمة صعبة, لأن أمريكا هي الدولة الوحيدة التي لديها ضوابط للبث الإلكتروني, وهو جانب معقد وصعب, لأن التطور فيه سريع جدا. هل هذه الوثائق تتعارض مع مبادئ الملكية الفكرية وحقوق الإنسان؟ لا علي العكس, الوثيقة ليست لحماية النظم, ولكنها أساس لحماية المجتمع ولا تتعارض مع الحرية وحقوق الإنسان. ولكن لماذا تقودون مجتمعاتنا العربية للرقابة الجماعية في وقت ألغت فيه أغلب دول العالم الرقابة علي الفكر والإعلام في عصر السماوات المفتوحة؟ الوثيقة ليست رقابة هي مبادئ للالتزام بها لحماية المجتمع ولا توجد مواجهة لأن أحسن تشريع في الدنيا هو القرآن الكريم.. هل جميع المسلمين ملتزمون به وهو دستور سماوي جميع الدساتير.. هل يلتزم بها الحاكم والمحكوم؟.. القضية بصراحة شديدة أساسها التربية والتعليم, ولن يحمي أبناءنا ومجتمعاتنا إلا التربية والثقافة والتعليم السليم والدور الأساسي للأسرة لحماية أبنائها.. والحكم علي الوثيقة لن يتم إلا بوضع آلية تنفذها والوزراء لم ولن يكمموا الأفواه ولن يسعوا إلي اغتيال حريات المجتمع باستصدار الوثيقة.. وهذا خطأ كبير. هل مصر والسعودية هما فقط اللذان يتبنيان الوثيقة؟ هذا لغط صحفي, لأن الوثيقة صدرت بناء علي رغبة وزراء إعلام جميع الدول العربية ال22 لسد فراغ تشريعي لتنظيم البث الفضائي والوثيقة تهدف إلي وجود إعلام نظيف وليست مقصورة علي الجوانب السياسية, بل ستمتد إلي برامج السحر والشعوذة والجنس للحفاظ علي المجتمع.