سعر الذهب اليوم الخميس 2-10-2025 يصل لأعلى مستوى وعيار 21 الآن بالمصنعية    متى يبدأ العمل بالتوقيت الشتوي 2025 رسميًا؟ استعد ل تغيير الساعة في مصر    البيت الأبيض: مناقشات حساسة تجري الآن بشأن خطة غزة    "الاحتلال "يهاجم أسطول الصمود وكولومبيا تطرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية ومظاهرات حاشدة بعدة عواصم عالمية..وحماس: نحيي شجاعة النشطاء    85 شهيدًا فلسطينيًا حصيلة الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة خلال 24 ساعة    خطة ترامب لغزة.. قراءة تحليلية في وهم السلام وواقع الوصاية    «رحلة إسقاط الكبار مستمرة».. المغرب يضم البرازيل إلى قائمة ضحاياه    «قولاً واحدًا».. خالد الغندور يكشف رحيل فيريرا عن تدريب الزمالك في هذه الحالة    مصرع أمين شرطة وإصابة آخر فى حادث تصادم بالنوبارية    الداخلية: القبض على مدرس اُتهم بالاعتداء على طالب ابتدائي في الهرم    عبدالله مجدي الهواري: «بحب الفن ونفسي أبقى حاجة بعيد عن اسم أمي وأبويا»    مدير مستشفى معهد ناصر: نستقبل مليوني مريض سنويًا في مختلف التخصصات الطبية.    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    4 أهداف.. تعادل مثير يحسم مواجهة يوفنتوس أمام فياريال بدوري أبطال أوروبا    رياضة ½ الليل| هشام يسلف الزمالك.. إيقاف تريزيجيه.. قائمة الخطيب.. والموت يطارد هالاند    زكريا أبوحرام يكتب: الملاك الذي خدعهم    رئيس مجلس المطارات الدولي: مصر شريك استراتيجي في صناعة الطيران بالمنطقة    إصابة 4 عمال في حادث تصادم نقل وميكروباص أمام كارتة ميناء شرق بورسعيد    قرار هام بشأن شخص عثر بحوزته على أقراص منشطات مجهولة المصدر بالجيزة    السيطرة على حريق شب داخل مخلفات بعين شمس    شهادة صحفي على مأساة أفغانستان الممتدة.. جون لي أندرسون يروي أربعة عقود في قلب عواصف كابول    أكاديمية «أخبار اليوم» في ثوبها الجديد.. وفرحة الطلاب ببدء العام الدراسي| صور وفيديو    اللجنه العامة توافق على اعتراض رئيس الجمهورية على مواد الإجراءات الجنائية    نقل الفنان السوري زيناتي قدسية إلى المستشفى بعد أزمة صحية مفاجئة    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 للموظفين والبنوك والمدارس بعد قرار رئيس الوزراء    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    وصول وفد رسمي من وزارة الدفاع السورية إلى موسكو    مرض اليد والقدم والفم (HFMD): عدوى فيروسية سريعة الانتشار بين الأطفال    تحذير لهؤلاء.. هل بذور الرمان تسبب مشاكل في الجهاز الهضمي؟    أكلة مصرية.. طريقة عمل محشي البصل خطوة بخطوة    الخارجية التركية: اعتداء إسرائيل على "أسطول الصمود" عمل إرهابي    مايولو: سعيد بالتسجيل أمام برشلونة.. نونو مينديش قام بعمل كبير    جوارديولا: لدينا نقطة وسنحصل عليها    «مقتنعوش بيه».. ماجد سامي: كنت أتمنى انتقال نجم الزمالك ل الأهلي    حل 150 مسألة بدون خطأ وتفوق على 1000 متسابق.. الطالب «أحمد» معجزة الفيوم: نفسي أشارك في مسابقات أكبر وأفرح والدي ووالدتي    محافظ الشرقية يكرّم رعاة مهرجان الخيول العربية الأصيلة في دورته ال29.. صور    الجيش الإسرائيلي: إطلاق 5 صواريخ من شمال غزة واعتراض 4 منها دون إصابات    انقطاع مؤقت للاتصالات قرب المتحف المصري الكبير.. فجر الخميس    سعر الذهب اليوم في السودان.. وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 2 أكتوبر 2025    هيئة مستقلة للمحتوى الرقمي ورقابة بضمانات.. 4 خبراء يضعون روشتة للتعامل مع «البلوجرز» (خاص)    ستاندرد آند بورز: إغلاق الحكومة الأمريكية يفاقم عدم اليقين في التوقعات الاقتصادية    المطبخ المصري في الواجهة.. «السياحة» ترعى فعاليات أسبوع القاهرة للطعام    السكر القاتل.. عميد القلب السابق يوجه نصيحة لأصحاب «الكروش»    اعتراضات على طريقة إدارتك للأمور.. برج الجدي اليوم 2 أكتوبر    أول تعليق من رنا رئيس بعد أزمتها الصحية: «وجودكم فرق معايا أكتر مما تتخيلوا»    ماذا كشفت النيابة في واقعة سرقة الأسورة الأثرية من المتحف المصري؟    الإسكان عن أزمة قرية بحر أبو المير بالفيوم: تحركنا لدراسة الوضع ميدانيا    أحمد موسى يوجه رسالة للمصريين: بلدنا محاطة بالتهديدات.. ثقوا في القيادة السياسية    أولى هجمات أكتوبر.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم: أمطار رعدية تضرب منطقتين    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    إصابة 9 أشخاص في انقلاب ميكروباص على طريق شبرا - بنها    التجربة المصرية في الاستزراع السمكي محور برنامج تدريبي دولي بالإسماعيلية    أرسنال بالعلامة الكاملة في الإمارات ينتصر بثنائية على أولمبياكوس    تسليم 21 ألف جهاز تابلت لطلاب الصف الأول الثانوي في محافظة المنيا    مدير معهد ناصر: اختيار المعهد ليكون مدينة طبية لعدة أسباب ويتمتع بمكانة كبيرة لدى المواطنين    تعرف على مواقيت الصلاه غدا الخميس 2 أكتوبر 2025فى محافظة المنيا    مجلس الدولة يقرر إعادة توزيع اختصاصات دوائر محكمة القضاء الإداري    مجلس حكماء المسلمين: العناية بكبار السن وتقدير عطائهم الممتد واجب ديني ومسؤولية إنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن الإعلام الفضائى العربى: الأرض ضاقت والسماوات مفتوحة- حمدى قنديل- صحيفة المصري اليوم
نشر في مصر الجديدة يوم 01 - 02 - 2010

منذ أيام قليلة قام وزراء الإعلام العرب بإخراج أبرع مسرحياتهم فى اجتماعهم الاستثنائى الذى عقدوه علي خشبة جامعة الدول العربية، فقد أصدر الوزراء بياناً نارياً بدا منه كأنهم يرفضون التدخل الأمريكى فى الشؤون العربية الذى دائماً ما خضعوا له، ويتمسكون بالسيادة الوطنية التى طالما أهدروها..
كان الكونجرس الأمريكى- بعد أن فشلت معظم المشروعات الإعلامية الأمريكية فى المنطقة- قد وافق فى بداية ديسمبر الماضى من حيث المبدأ على أخطر قانون ضد الإعلام المعادى لأمريكا، الذى «مارس على مدار سنوات عديدة نشر وبث مواد تشجع العنف ضد الولايات المتحدة وضد الأمريكيين»، وطالب مشروع القرار الرئيس الأمريكى بتقديم تقرير دورى للكونجرس حول مؤسسات الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية التى تدعو لدعم الجهاديين أو تساعد على انضمام الشباب لجماعات إرهابية، ودعا الحكومة الأمريكية إلى إيقاف المساعدات للدول التى تروج وسائل الإعلام فيها لهذه الأفكار..
وكما هو معروف فإن القرار يستهدف فضائيات عربية فى المقام الأول فى مقدمتها «المنار» اللبنانية التابعة لحزب الله التى صنفتها الحكومة الأمريكية من قبل كمؤسسة إرهابية وضغطت على الدول الأوروبية حتى أوقفت إرسالها على 10 أقمار صناعية من 13 قمراً كانت تبث برامجها، كما يستهدف فضائيات أخرى بينها «الأقصى» التابعة لحركة حماس «والرافدين» الناطقة باسم هيئة علماء المسلمين فى العراق، إضافة إلى فضائية غير عربية وإن كانت تبث باللغة العربية من خلال أقمار صناعية عربية هى «العالم» التى تنطلق من إيران.
المثير فى الأمر أن معظم الدول العربية تتفق مع الولايات المتحدة فى سياستها إزاء هذه الفضائيات باعتبار أنها تمثل فكر المقاومة، وبذلك تروج للإرهاب وتحرض على كراهية النظم العربية وأمريكا معاً، وتشكل خطراً فى هذه المرحلة بالذات التى تطبخ فيها طبخة الاستسلام العربية الأمريكية..
وفى واقع الأمر فإن قرار الكونجرس الأمريكى لا يزعج معظم الدول العربية إلا فيما يتعلق بالتهديد بقطع المعونة الأمريكية عن الدول التى تتلقاها، أما فى الجانب الآخر من القرار المتعلق بمطاردة مؤسسات الأقمار الصناعية وقنواتها فليس هناك خلاف حقيقى بين الجانبين، فإما أن يتولى العرب أنفسهم تنفيذ إجراءات القمع والمنع أو تقوم بها أمريكا ولا شك أن الإدارة الأمريكية سعيدة بالقرار العربى الذى سيقوم العرب بموجبه بالمهمة أصالة عن أنفسهم، ونيابة عن الولايات المتحدة.
وتشهد أحداث السنوات الأخيرة أن وزراء الإعلام العرب قاموا بواجبهم هذا خير قيام، حتى قبل أن يقروا ما سمى «وثيقة تنظيم البث والاستقبال الفضائى الإذاعى والتليفزيونى فى المنطقة العربية»، فى اجتماع استثنائى أيضاً، عقد فى يناير 2008 بمبادرة من مصر والسعودية اللتين تعارضان بشكل صريح حرية الرأى والتعبير وتكممان الأفواه المطالبة بالديمقراطية والإصلاح.
وتهدف وثيقة التنظيم الفضائى إلى محاصرة القنوات والبرامج الإخبارية المناوئة للسياسات الرسمية العربية، وإن كان ذلك بحشد كلام مزخرف لطيف حول كفالة احترام الحق فى التعبير عن الرأى «الذى لا تحترمه سلطة عربية» وعن ضرورة العلانية والشفافية «التى لا يمارسها نظام عربى» وعن التزام الصدق والدقة فيما يبثه الإعلام من أخبار ومعلومات «تزوِّرها الحكومات أو تخفيها» وعن عدم التأثير سلباً على السلم الاجتماعى والوحدة الوطنية والنظام العام «هل طرح موضوع تركيز السلطة والثروة يهدد السلم الاجتماعى؟ هل انتقاد نظام طائفى كما فى لبنان والعراق أو مناقشة فتنة طائفية كما فى اليمن ومصر والبحرين يسىء إلى الوحدة الوطنية؟ وهل نشر أخبار المظاهرات والاحتجاجات يعتبر تكديراً للنظام العام؟».
وتعمد الوثيقة إلى الغموض خاصة عندما يتعلق الأمر بتناول القادة العرب أو الرموز الوطنية والدينية بالتجريح «ما هى هذه الرموز؟ وهل انتقاد رمز دينى صافح رئيس إسرائيل يعتبر تجريحاً؟» وكذلك عندما ينص بند على عدم التحريض على العنف والإرهاب «مع الجدل الدائم حول تعريف الإرهاب والفرق بينه وبين المقاومة» وعندما يقضى بند آخر بالامتناع عن بث كل ما يتعارض مع توجهات التضامن العربى «كيف يتفق ذلك مع حق القنوات وواجبها فى الإعلام عن الأحداث وتحليلها وانتقادها؟».
وقد دافع وزراء الإعلام العرب عن وثيقتهم هذه بدعوى أنها مجرد وثيقة «استرشادية» أى أنها مجرد مبادئ طوعية يلتزم بها من يريد، إلا أن خطورتها تكمن فى هذه الصفة بالذات، حيث تضع الإطار وتفرش الغطاء الذى تضع الحكومات فى ظله ما يحق لها من تشريعات، ولهذا وقفت فى وجهها جميع الجماعات والنخب المنادية بالإصلاح والديمقراطية فى الوطن العربى وفى الخارج، ومن بينها 34 منظمة حقوقية عربية ودولية أصدرت بيانا مشتركاً إثر خروج الوثيقة أعلنت فيه أنها باطلة شكلاً وموضوعاً لأنها «تستهدف بالأساس إحكام السيطرة على البرامج الحوارية والوثائقية التى تسلط الضوء على ممارسات القمع وقضايا الفساد المستشرى فى حكومات جاء أغلبها إلى الحكم عبر طرق بعيدة عن الديمقراطية»..
وليس فى هذا مبالغة، فمنذ أجيزت وثيقة التنظيم الفضائى قبل نحو 3 سنوات متسترة وراء لافتات أخلاقيات العمل الإعلامى، لم نسمع أنها استخدمت لحماية الأخلاق والتقاليد والثقافة العربية، ولا هى استخدمت لتعقب قنوات الإثارة الجنسية والفرفشة، وهزى يا نواعم، وقنوات القمار العلنى «التى اشتهرت باسم الفضائحيات» أو قنوات الفتاوى الإسلامية وقنوات الفتنة المسيحية.. فى مرة واحدة فقط، وكان ذلك فى عام 2007 قبل إصدار الوثيقة، هددت عرب سات بإيقاف قنوات السحر والشعوذة، وفيما عدا ذلك تكرست مهمة الوثيقة كمنصة للهجمة على الحريات ومطاردة المشاغبين الذين يعكرون مزاج الحكام العرب.
ظل النمط الدائم لاستخدام الوثيقة هو استخدامها كسلاح سياسى، وحتى قبل أن تصدر قادت مصر على وجه الخصوص حملة لاغتيال حرية التعبير فى القنوات الفضائية العربية، مستنيرة بخبرتها فى اغتيال هذه الحرية فى قنوات مصر الحكومية والخاصة.. فى مارس 2006 أوقف النايل سات بث قناة «خير» بعد 45 يوما من بدء إرسالها دون إبداء أسباب، غير أن مصادر قالت إن السبب هو بثها مواد ورسائل تحرض على العنف فى العراق وتهاجم آرييل شارون بقوة بعد دخوله المستشفى..
وفى مارس 2007 أوقفت مصر بث قناة «الزوراء» العراقية بحجة أن «تردد بثها يتداخل مع قنوات أخرى تبث من نفس القمر»، لكن السبب الحقيقى كشفته وزارة الخارجية الأمريكية عندما أعلنت فى الشهر السابق أن سفارتها فى القاهرة، هى والسفارة العراقية، قد طلبتا من الحكومة المصرية منع بث «الزوراء» لبثها دعايات معبرة عن الجماعات السنية المسلحة فى العراق..
وفى مارس 2008، وكانت وثيقة التنظيم الفضائى قد صدرت، استهلت مصر أولى خطوات تطبيقها عندما قطعت إرسال قناة «البركة» من قمرها بعد 9 أشهر من البث لم تتلق خلالها أى ملاحظة، وهى قناة اقتصادية ذات فكر إسلامى معتدل.. وفى مارس 2008 أيضاً «مارس دائماً!» أوقفت مصر بث قناة «الحوار» دون إعطاء القناة مهلة للإعلان عن ذلك كما جرى العرف، وهى قناة تدعم المقاومة تبث من لندن، ولوحظ أن قرار الإيقاف صدر بعد أيام من تصريح لجمال مبارك انتقد فيه «الفضائيات المغرضة».
أما قناة «العالم» الإيرانية فقد أوقف بثها مرتين خلال 3 أشهر فقط من عام 2009 بدعوى وجود شكاوى من إحدى الدول العربية ضد القناة، وكان الإيقاف فى المرة الثانية بعد أيام من اجتماع عقده عدد محدود من وزراء إعلام دول الاعتدال العربية فى الرياض، دعوا إليه دون إعلان واختتموه دون إصدار بيان.. وتم الإيقاف على كلا القمرين عرب سات ونايل سات، ولكن عرب سات وحدها هى التى أعادت البث، مما يوحى بأن مصر أصبحت أكثر تشدداً فى حصارها للإعلام من السعودية..
وتلجأ مصر أحياناً إلى إيقاف قنوات لأيام محدودة كقرصة أذن، كما حدث مؤخراً مع «أوربت» بدعوى تأخرها فى سداد مستحقات مالية، وكثيراً ما تلجأ إلى سلاح التهديد بالإيقاف الذى يؤتى ثماره عادة، وقد شهدت ذلك بنفسى عندما أوشكت على التعاقد مع قناة «الجديد» اللبنانية لإذاعة برنامجى «قلم رصاص» ولما طلبت بث البرنامج من القاهرة، هددت السلطات المصرية بإيقاف بث القناة من نايل سات فى فبراير 2009.
على أن وثيقة تنظيم الفضائيات وإجراءات الردع والمنع والقمع التى اتخذت قبلها وبعدها شجعت على قيام مناخ محرض على كبت أصوات قنوات الفضاء، وهكذا تعالت أصوات بعد أزمة مباريات كأس كرة القدم الأفريقية مؤخراً تطالب برفع قناة الجزيرة من قمر نايل سات، ورفع محام دعوى أمام محكمة مصرية يطالب بإيقاف بث قناة «المنار» بتهمة إهانة الرئيس ووصف النظام المصرى بالعميل لأمريكا وإسرائيل، رفضها القضاء،
كما حظرت دول مثل الأردن والجزائر وتونس تسجيل برامج سياسية للقنوات العربية فى أراضيها، وأغلقت دول مثل المغرب والعراق وفلسطين وغيرها مكاتب لقنوات فضائية وسجنت مراسليها. وسدت دول مثل ليبيا أبوابها دون الإعلاميين العرب إلا إذا كان الأمر متعلقاً بحديث مع «الأخ القائد»، واعتقلت أخرى كالسعودية وسوريا معارضين شاركوا فى برامج تذيعها قنوات بعينها منذ أيام اعتقل داعية إسلامى سورى شارك فى برنامج الاتجاه المعاكس فى قناة «الجزيرة».
هكذا كان المشهد عندما عقد مجلس وزراء الإعلام العرب اجتماعه الاستثنائى فى الأسبوع الماضى.. وكان من حسن طالع الوزراء أن هبط عليهم مشروع قرار الكونجرس الأمريكى، فتظاهروا بإدانته كما لو كانوا مدافعين عن الحريات حقا، واستغلوا الضجة التى أثاروها حوله حتى يمرروا خطوات فى مشروع قيام «مفوضية إعلام عربية» فى إطار الجامعة العربية، تستكمل بها الدول العربية حلقات التضييق على الإعلام التى أودت بها إلى احتلال المراتب بين 85 و 162 فى قائمة الحريات الإعلامية على مستوى العالم.
مفوضية الإعلام هذه هى الآلية التى ابتكرتها أمانة الجامعة العربية وتبناها أمينها العام لتطبيق مبادئ وثيقة تنظيم الفضائيات، وهى الإنجاز المتفرد للجامعة التى لم تصادف جهودها فى أى من القضايا الكبرى نجاحاً يذكر.. يلاحظ هنا أن الجامعة اختارت اسم «المفوضية» لهذا الجهاز، وهو اسم لا يرد كثيراً فى قاموس العمل العربى وإن كان يتكرر فى هيئات الاتحاد الأوروبى ودوله، وذلك جرياً من الجامعة وراء المحاكاة الظاهرية للقشور دون اقتباس لإنجازات أوروبا فى مجالات الوحدة والتكامل..
وعندما يكتمل قيام المفوضية سوف تصبح جهازاً قومياً للرقابة ومفتشاً سياسياً ومقصلة للإعلام العربى سواء تعلق الأمر بالفضائيات أم بشبكة الإنترنت، وبذلك يسجل التاريخ اسم الجامعة وأمينها العام على رأس قائمة الجلادين أعداء حريات الإعلام فى الوطن العربى.
إلا أن وزراء الإعلام المتحمسين للمفوضية لم يجيزوا قيامها فى اجتماعهم الأخير، ليس فقط لأن دراساتها لا تزال فى حاجة إلى استكمال، ولكن الأهم هو أن دولاً تحفظت عليها مثل قطر التى تحتضن قناة الجزيرة، كما أن لبنان، حيث توجد فضائيات تمثل التعدد الطائفى والسياسى، لا يبدى الحماس اللازم..
لكنه مهما كان الأمر، قامت المفوضية أم لم تقم، طبقت الوثيقة أم لم تطبق، فقد بادرت دول عربية إلى اتخاذ إجراءات تنفيذية فى مقدمتها مصر التى كان وزير إعلامها أنس الفقى قد كرر أكثر من مرة «إننا مطالبون بأن تكون لنا وقفة جادة أمام ما يشهده الإعلام الفضائى من تحولات خطيرة، فقد خرجت بعض الفضائيات عن مسارها الصحيح، وعلينا أن نعترف بأن هناك تجاوزات حدثت وتحدث على مدار الساعة، تستوجب أن تكون لنا وقفة جادة نتحمل فيها مسؤولياتنا أمام شعوبنا»..
وقد أعد الفقى بالفعل مشروع قانون لتنظيم البث المسموع والمرئى وكذلك الإنترنت ينتظر أن تدفعه الحكومة إلى مجلس الشعب هذا العام، ويعتبر أخطر قانون على حريات الإعلام صدر فى تاريخ مصر، سوف تليه قوانين مماثلة فى دول عربية أخرى.
أمام هذه الهجمة لابد لنا أن نؤكد أن وثيقة تنظيم الفضائيات ما كانت لتصدر ومشروع مفوضية الإعلام العربى ما كان ليطرح سوى لأن تجمعات المهنيين واتحاداتهم ونقاباتهم لم تقم بواجبها على نحو كاف لتفعيل مواثيق الشرف العديدة التى تبنتها كل المؤسسات الإعلامية العربية سواء على المستوى الوطنى أو القومى، ولم تقم بالتصدى لمشروعات وزراء الإعلام العرب بالقدر الكافى.. و،لكنه من الإنصاف القول إنه على الرغم من تواجد منظمات مهنية راسخة فى مجال الصحافة، فإن الإعلاميين فى الإذاعة والتليفزيون ليست لهم تجمعات مهنية وطنية مماثلة بسبب قيود حكومية صارمة..
وعلى المستوى العربى لا توجد منظمة إقليمية فاعلة سوى اتحاد إذاعات الدول العربية، وهو -كما يشير اسمه- منظمة بين الحكومات، وإن كان قد فتح أبوابه للقنوات الفضائية الخاصة.. ويضم الاتحاد لجنة استشارية عليا للتنسيق بين الفضائيات العربية، إلا أنها لا تضم عدداً كافياً من هذه القنوات، كما أنها لم تبذل الجهد المطلوب، مما أطلق يد الحكومات فى مجال الفضاء.. وتتردد الآن دعوات لقيام المهنيين بوضع وثيقة مقابلة لوثيقة تنظيم الفضائيات، وكذلك دعوات لتنشيط دورهم فى حصار المواد التى تتنافى والأخلاق العامة بأنفسهم، الأمر الذى سيكبح، فيما لو حدث، جماح السيطرة الحكومية.
الإعلاميون العرب مطالبون الآن بالتصدى لهذه المهمة، ومطالبون أيضاً بالالتحام بالقوى السياسية المستقلة والمعارضة ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدنى ونخبة المفكرين والمثقفين ليشكلوا جبهة فى كل بلد على حدة تناهض خطوات تكبيل الحريات الإعلامية، وتوقف المشروعات المماثلة لمشروع القانون المصرى، وتطالب بتطبيق القوانين القائمة فعلاً، وفيها ما يكفى لحماية الأخلاق العامة، أو تعديلها على نحو يستوعب تطورات تكنولوجيا الاتصال الحديثة..
هذه التكنولوجيا تمثل النصير الأكبر للإعلاميين، ذلك أن تقدمها هو الذى أتاح وجود شبكة الإنترنت، التى يربو عدد مستخدميها فى الدول العربية على ال40 مليوناً، وقد زاد العدد بين سنتى 2000 و2007 بمقدار 9233 مرة فى السودان و4500 فى المغرب و3740 مرة فى الجزائر و2220 مرة فى ليبيا و1370 مرة فى اليمن و1170 مرة فى السعودية و1033 مرة فى مصر..
وقبل الإنترنت أتاحت التكنولوجيا إطلاق القنوات الفضائية التى وصل عددها فى منتصف عام 2009 إلى 696 فضائية تبث فى المنطقة العربية من مصادر عربية وأجنبية، وتتكاثر هذه القنوات كل عام بل كل يوم، ويتضاعف عدد الأقمار الصناعية التى تبثها، وتزداد قوتها وتتسع مساحة تغطيتها وتنخفض إيجاراتها.
وزراء الكهف العرب يبدو أنهم لا يعيشون فى عالمنا هذا، الذى تضيق فيه الأرض بإجراءات الرقابة والمصادرة والتسلط، لكن أبواب السماوات مفتوحة على مستقبل لا تحد آفاقه حدود.
عن الإعلام الفضائى العربى: الأرض ضاقت والسماوات مفتوحة- حمدى قنديل- صحيفة المصري اليوم


منذ أيام قليلة قام وزراء الإعلام العرب بإخراج أبرع مسرحياتهم فى اجتماعهم الاستثنائى الذى عقدوه علي خشبة جامعة الدول العربية، فقد أصدر الوزراء بياناً نارياً بدا منه كأنهم يرفضون التدخل الأمريكى فى الشؤون العربية الذى دائماً ما خضعوا له، ويتمسكون بالسيادة الوطنية التى طالما أهدروها..
كان الكونجرس الأمريكى- بعد أن فشلت معظم المشروعات الإعلامية الأمريكية فى المنطقة- قد وافق فى بداية ديسمبر الماضى من حيث المبدأ على أخطر قانون ضد الإعلام المعادى لأمريكا، الذى «مارس على مدار سنوات عديدة نشر وبث مواد تشجع العنف ضد الولايات المتحدة وضد الأمريكيين»، وطالب مشروع القرار الرئيس الأمريكى بتقديم تقرير دورى للكونجرس حول مؤسسات الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية التى تدعو لدعم الجهاديين أو تساعد على انضمام الشباب لجماعات إرهابية، ودعا الحكومة الأمريكية إلى إيقاف المساعدات للدول التى تروج وسائل الإعلام فيها لهذه الأفكار..
وكما هو معروف فإن القرار يستهدف فضائيات عربية فى المقام الأول فى مقدمتها «المنار» اللبنانية التابعة لحزب الله التى صنفتها الحكومة الأمريكية من قبل كمؤسسة إرهابية وضغطت على الدول الأوروبية حتى أوقفت إرسالها على 10 أقمار صناعية من 13 قمراً كانت تبث برامجها، كما يستهدف فضائيات أخرى بينها «الأقصى» التابعة لحركة حماس «والرافدين» الناطقة باسم هيئة علماء المسلمين فى العراق، إضافة إلى فضائية غير عربية وإن كانت تبث باللغة العربية من خلال أقمار صناعية عربية هى «العالم» التى تنطلق من إيران.
المثير فى الأمر أن معظم الدول العربية تتفق مع الولايات المتحدة فى سياستها إزاء هذه الفضائيات باعتبار أنها تمثل فكر المقاومة، وبذلك تروج للإرهاب وتحرض على كراهية النظم العربية وأمريكا معاً، وتشكل خطراً فى هذه المرحلة بالذات التى تطبخ فيها طبخة الاستسلام العربية الأمريكية..
وفى واقع الأمر فإن قرار الكونجرس الأمريكى لا يزعج معظم الدول العربية إلا فيما يتعلق بالتهديد بقطع المعونة الأمريكية عن الدول التى تتلقاها، أما فى الجانب الآخر من القرار المتعلق بمطاردة مؤسسات الأقمار الصناعية وقنواتها فليس هناك خلاف حقيقى بين الجانبين، فإما أن يتولى العرب أنفسهم تنفيذ إجراءات القمع والمنع أو تقوم بها أمريكا ولا شك أن الإدارة الأمريكية سعيدة بالقرار العربى الذى سيقوم العرب بموجبه بالمهمة أصالة عن أنفسهم، ونيابة عن الولايات المتحدة.
وتشهد أحداث السنوات الأخيرة أن وزراء الإعلام العرب قاموا بواجبهم هذا خير قيام، حتى قبل أن يقروا ما سمى «وثيقة تنظيم البث والاستقبال الفضائى الإذاعى والتليفزيونى فى المنطقة العربية»، فى اجتماع استثنائى أيضاً، عقد فى يناير 2008 بمبادرة من مصر والسعودية اللتين تعارضان بشكل صريح حرية الرأى والتعبير وتكممان الأفواه المطالبة بالديمقراطية والإصلاح.
وتهدف وثيقة التنظيم الفضائى إلى محاصرة القنوات والبرامج الإخبارية المناوئة للسياسات الرسمية العربية، وإن كان ذلك بحشد كلام مزخرف لطيف حول كفالة احترام الحق فى التعبير عن الرأى «الذى لا تحترمه سلطة عربية» وعن ضرورة العلانية والشفافية «التى لا يمارسها نظام عربى» وعن التزام الصدق والدقة فيما يبثه الإعلام من أخبار ومعلومات «تزوِّرها الحكومات أو تخفيها» وعن عدم التأثير سلباً على السلم الاجتماعى والوحدة الوطنية والنظام العام «هل طرح موضوع تركيز السلطة والثروة يهدد السلم الاجتماعى؟ هل انتقاد نظام طائفى كما فى لبنان والعراق أو مناقشة فتنة طائفية كما فى اليمن ومصر والبحرين يسىء إلى الوحدة الوطنية؟ وهل نشر أخبار المظاهرات والاحتجاجات يعتبر تكديراً للنظام العام؟».
وتعمد الوثيقة إلى الغموض خاصة عندما يتعلق الأمر بتناول القادة العرب أو الرموز الوطنية والدينية بالتجريح «ما هى هذه الرموز؟ وهل انتقاد رمز دينى صافح رئيس إسرائيل يعتبر تجريحاً؟» وكذلك عندما ينص بند على عدم التحريض على العنف والإرهاب «مع الجدل الدائم حول تعريف الإرهاب والفرق بينه وبين المقاومة» وعندما يقضى بند آخر بالامتناع عن بث كل ما يتعارض مع توجهات التضامن العربى «كيف يتفق ذلك مع حق القنوات وواجبها فى الإعلام عن الأحداث وتحليلها وانتقادها؟».
وقد دافع وزراء الإعلام العرب عن وثيقتهم هذه بدعوى أنها مجرد وثيقة «استرشادية» أى أنها مجرد مبادئ طوعية يلتزم بها من يريد، إلا أن خطورتها تكمن فى هذه الصفة بالذات، حيث تضع الإطار وتفرش الغطاء الذى تضع الحكومات فى ظله ما يحق لها من تشريعات، ولهذا وقفت فى وجهها جميع الجماعات والنخب المنادية بالإصلاح والديمقراطية فى الوطن العربى وفى الخارج، ومن بينها 34 منظمة حقوقية عربية ودولية أصدرت بيانا مشتركاً إثر خروج الوثيقة أعلنت فيه أنها باطلة شكلاً وموضوعاً لأنها «تستهدف بالأساس إحكام السيطرة على البرامج الحوارية والوثائقية التى تسلط الضوء على ممارسات القمع وقضايا الفساد المستشرى فى حكومات جاء أغلبها إلى الحكم عبر طرق بعيدة عن الديمقراطية»..
وليس فى هذا مبالغة، فمنذ أجيزت وثيقة التنظيم الفضائى قبل نحو 3 سنوات متسترة وراء لافتات أخلاقيات العمل الإعلامى، لم نسمع أنها استخدمت لحماية الأخلاق والتقاليد والثقافة العربية، ولا هى استخدمت لتعقب قنوات الإثارة الجنسية والفرفشة، وهزى يا نواعم، وقنوات القمار العلنى «التى اشتهرت باسم الفضائحيات» أو قنوات الفتاوى الإسلامية وقنوات الفتنة المسيحية.. فى مرة واحدة فقط، وكان ذلك فى عام 2007 قبل إصدار الوثيقة، هددت عرب سات بإيقاف قنوات السحر والشعوذة، وفيما عدا ذلك تكرست مهمة الوثيقة كمنصة للهجمة على الحريات ومطاردة المشاغبين الذين يعكرون مزاج الحكام العرب.
ظل النمط الدائم لاستخدام الوثيقة هو استخدامها كسلاح سياسى، وحتى قبل أن تصدر قادت مصر على وجه الخصوص حملة لاغتيال حرية التعبير فى القنوات الفضائية العربية، مستنيرة بخبرتها فى اغتيال هذه الحرية فى قنوات مصر الحكومية والخاصة.. فى مارس 2006 أوقف النايل سات بث قناة «خير» بعد 45 يوما من بدء إرسالها دون إبداء أسباب، غير أن مصادر قالت إن السبب هو بثها مواد ورسائل تحرض على العنف فى العراق وتهاجم آرييل شارون بقوة بعد دخوله المستشفى..
وفى مارس 2007 أوقفت مصر بث قناة «الزوراء» العراقية بحجة أن «تردد بثها يتداخل مع قنوات أخرى تبث من نفس القمر»، لكن السبب الحقيقى كشفته وزارة الخارجية الأمريكية عندما أعلنت فى الشهر السابق أن سفارتها فى القاهرة، هى والسفارة العراقية، قد طلبتا من الحكومة المصرية منع بث «الزوراء» لبثها دعايات معبرة عن الجماعات السنية المسلحة فى العراق..
وفى مارس 2008، وكانت وثيقة التنظيم الفضائى قد صدرت، استهلت مصر أولى خطوات تطبيقها عندما قطعت إرسال قناة «البركة» من قمرها بعد 9 أشهر من البث لم تتلق خلالها أى ملاحظة، وهى قناة اقتصادية ذات فكر إسلامى معتدل.. وفى مارس 2008 أيضاً «مارس دائماً!» أوقفت مصر بث قناة «الحوار» دون إعطاء القناة مهلة للإعلان عن ذلك كما جرى العرف، وهى قناة تدعم المقاومة تبث من لندن، ولوحظ أن قرار الإيقاف صدر بعد أيام من تصريح لجمال مبارك انتقد فيه «الفضائيات المغرضة».
أما قناة «العالم» الإيرانية فقد أوقف بثها مرتين خلال 3 أشهر فقط من عام 2009 بدعوى وجود شكاوى من إحدى الدول العربية ضد القناة، وكان الإيقاف فى المرة الثانية بعد أيام من اجتماع عقده عدد محدود من وزراء إعلام دول الاعتدال العربية فى الرياض، دعوا إليه دون إعلان واختتموه دون إصدار بيان.. وتم الإيقاف على كلا القمرين عرب سات ونايل سات، ولكن عرب سات وحدها هى التى أعادت البث، مما يوحى بأن مصر أصبحت أكثر تشدداً فى حصارها للإعلام من السعودية..
وتلجأ مصر أحياناً إلى إيقاف قنوات لأيام محدودة كقرصة أذن، كما حدث مؤخراً مع «أوربت» بدعوى تأخرها فى سداد مستحقات مالية، وكثيراً ما تلجأ إلى سلاح التهديد بالإيقاف الذى يؤتى ثماره عادة، وقد شهدت ذلك بنفسى عندما أوشكت على التعاقد مع قناة «الجديد» اللبنانية لإذاعة برنامجى «قلم رصاص» ولما طلبت بث البرنامج من القاهرة، هددت السلطات المصرية بإيقاف بث القناة من نايل سات فى فبراير 2009.
على أن وثيقة تنظيم الفضائيات وإجراءات الردع والمنع والقمع التى اتخذت قبلها وبعدها شجعت على قيام مناخ محرض على كبت أصوات قنوات الفضاء، وهكذا تعالت أصوات بعد أزمة مباريات كأس كرة القدم الأفريقية مؤخراً تطالب برفع قناة الجزيرة من قمر نايل سات، ورفع محام دعوى أمام محكمة مصرية يطالب بإيقاف بث قناة «المنار» بتهمة إهانة الرئيس ووصف النظام المصرى بالعميل لأمريكا وإسرائيل، رفضها القضاء،
كما حظرت دول مثل الأردن والجزائر وتونس تسجيل برامج سياسية للقنوات العربية فى أراضيها، وأغلقت دول مثل المغرب والعراق وفلسطين وغيرها مكاتب لقنوات فضائية وسجنت مراسليها. وسدت دول مثل ليبيا أبوابها دون الإعلاميين العرب إلا إذا كان الأمر متعلقاً بحديث مع «الأخ القائد»، واعتقلت أخرى كالسعودية وسوريا معارضين شاركوا فى برامج تذيعها قنوات بعينها منذ أيام اعتقل داعية إسلامى سورى شارك فى برنامج الاتجاه المعاكس فى قناة «الجزيرة».
هكذا كان المشهد عندما عقد مجلس وزراء الإعلام العرب اجتماعه الاستثنائى فى الأسبوع الماضى.. وكان من حسن طالع الوزراء أن هبط عليهم مشروع قرار الكونجرس الأمريكى، فتظاهروا بإدانته كما لو كانوا مدافعين عن الحريات حقا، واستغلوا الضجة التى أثاروها حوله حتى يمرروا خطوات فى مشروع قيام «مفوضية إعلام عربية» فى إطار الجامعة العربية، تستكمل بها الدول العربية حلقات التضييق على الإعلام التى أودت بها إلى احتلال المراتب بين 85 و 162 فى قائمة الحريات الإعلامية على مستوى العالم.
مفوضية الإعلام هذه هى الآلية التى ابتكرتها أمانة الجامعة العربية وتبناها أمينها العام لتطبيق مبادئ وثيقة تنظيم الفضائيات، وهى الإنجاز المتفرد للجامعة التى لم تصادف جهودها فى أى من القضايا الكبرى نجاحاً يذكر.. يلاحظ هنا أن الجامعة اختارت اسم «المفوضية» لهذا الجهاز، وهو اسم لا يرد كثيراً فى قاموس العمل العربى وإن كان يتكرر فى هيئات الاتحاد الأوروبى ودوله، وذلك جرياً من الجامعة وراء المحاكاة الظاهرية للقشور دون اقتباس لإنجازات أوروبا فى مجالات الوحدة والتكامل..
وعندما يكتمل قيام المفوضية سوف تصبح جهازاً قومياً للرقابة ومفتشاً سياسياً ومقصلة للإعلام العربى سواء تعلق الأمر بالفضائيات أم بشبكة الإنترنت، وبذلك يسجل التاريخ اسم الجامعة وأمينها العام على رأس قائمة الجلادين أعداء حريات الإعلام فى الوطن العربى.
إلا أن وزراء الإعلام المتحمسين للمفوضية لم يجيزوا قيامها فى اجتماعهم الأخير، ليس فقط لأن دراساتها لا تزال فى حاجة إلى استكمال، ولكن الأهم هو أن دولاً تحفظت عليها مثل قطر التى تحتضن قناة الجزيرة، كما أن لبنان، حيث توجد فضائيات تمثل التعدد الطائفى والسياسى، لا يبدى الحماس اللازم..
لكنه مهما كان الأمر، قامت المفوضية أم لم تقم، طبقت الوثيقة أم لم تطبق، فقد بادرت دول عربية إلى اتخاذ إجراءات تنفيذية فى مقدمتها مصر التى كان وزير إعلامها أنس الفقى قد كرر أكثر من مرة «إننا مطالبون بأن تكون لنا وقفة جادة أمام ما يشهده الإعلام الفضائى من تحولات خطيرة، فقد خرجت بعض الفضائيات عن مسارها الصحيح، وعلينا أن نعترف بأن هناك تجاوزات حدثت وتحدث على مدار الساعة، تستوجب أن تكون لنا وقفة جادة نتحمل فيها مسؤولياتنا أمام شعوبنا»..
وقد أعد الفقى بالفعل مشروع قانون لتنظيم البث المسموع والمرئى وكذلك الإنترنت ينتظر أن تدفعه الحكومة إلى مجلس الشعب هذا العام، ويعتبر أخطر قانون على حريات الإعلام صدر فى تاريخ مصر، سوف تليه قوانين مماثلة فى دول عربية أخرى.
أمام هذه الهجمة لابد لنا أن نؤكد أن وثيقة تنظيم الفضائيات ما كانت لتصدر ومشروع مفوضية الإعلام العربى ما كان ليطرح سوى لأن تجمعات المهنيين واتحاداتهم ونقاباتهم لم تقم بواجبها على نحو كاف لتفعيل مواثيق الشرف العديدة التى تبنتها كل المؤسسات الإعلامية العربية سواء على المستوى الوطنى أو القومى، ولم تقم بالتصدى لمشروعات وزراء الإعلام العرب بالقدر الكافى.. و،لكنه من الإنصاف القول إنه على الرغم من تواجد منظمات مهنية راسخة فى مجال الصحافة، فإن الإعلاميين فى الإذاعة والتليفزيون ليست لهم تجمعات مهنية وطنية مماثلة بسبب قيود حكومية صارمة..
وعلى المستوى العربى لا توجد منظمة إقليمية فاعلة سوى اتحاد إذاعات الدول العربية، وهو -كما يشير اسمه- منظمة بين الحكومات، وإن كان قد فتح أبوابه للقنوات الفضائية الخاصة.. ويضم الاتحاد لجنة استشارية عليا للتنسيق بين الفضائيات العربية، إلا أنها لا تضم عدداً كافياً من هذه القنوات، كما أنها لم تبذل الجهد المطلوب، مما أطلق يد الحكومات فى مجال الفضاء.. وتتردد الآن دعوات لقيام المهنيين بوضع وثيقة مقابلة لوثيقة تنظيم الفضائيات، وكذلك دعوات لتنشيط دورهم فى حصار المواد التى تتنافى والأخلاق العامة بأنفسهم، الأمر الذى سيكبح، فيما لو حدث، جماح السيطرة الحكومية.
الإعلاميون العرب مطالبون الآن بالتصدى لهذه المهمة، ومطالبون أيضاً بالالتحام بالقوى السياسية المستقلة والمعارضة ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدنى ونخبة المفكرين والمثقفين ليشكلوا جبهة فى كل بلد على حدة تناهض خطوات تكبيل الحريات الإعلامية، وتوقف المشروعات المماثلة لمشروع القانون المصرى، وتطالب بتطبيق القوانين القائمة فعلاً، وفيها ما يكفى لحماية الأخلاق العامة، أو تعديلها على نحو يستوعب تطورات تكنولوجيا الاتصال الحديثة..
هذه التكنولوجيا تمثل النصير الأكبر للإعلاميين، ذلك أن تقدمها هو الذى أتاح وجود شبكة الإنترنت، التى يربو عدد مستخدميها فى الدول العربية على ال40 مليوناً، وقد زاد العدد بين سنتى 2000 و2007 بمقدار 9233 مرة فى السودان و4500 فى المغرب و3740 مرة فى الجزائر و2220 مرة فى ليبيا و1370 مرة فى اليمن و1170 مرة فى السعودية و1033 مرة فى مصر..
وقبل الإنترنت أتاحت التكنولوجيا إطلاق القنوات الفضائية التى وصل عددها فى منتصف عام 2009 إلى 696 فضائية تبث فى المنطقة العربية من مصادر عربية وأجنبية، وتتكاثر هذه القنوات كل عام بل كل يوم، ويتضاعف عدد الأقمار الصناعية التى تبثها، وتزداد قوتها وتتسع مساحة تغطيتها وتنخفض إيجاراتها.
وزراء الكهف العرب يبدو أنهم لا يعيشون فى عالمنا هذا، الذى تضيق فيه الأرض بإجراءات الرقابة والمصادرة والتسلط، لكن أبواب السماوات مفتوحة على مستقبل لا تحد آفاقه حدود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.