الوفد 28/3/2009 أمس سقطت واحدة من أعرق الصحف الورقية في أمريكا.. هي جريدة »كريستيان ساينس مونيتور« التي يتجاوز عمرها 100 عام والسبب انخفاض توزيعها إلي 50 ألف نسخة مطبوعة، بعد أن كانت تطبع وتوزع مئات الألوف.. وكانت واحدة من الصحف التي تنقل عنها المصادر الكثير من الأخبار.. ولمن لا يعلم فإن الصحف الأمريكية في العموم انخفض توزيعها بحوالي 35٪ في الشهور الأخيرة.. والسبب تزايد عدد مستخدمي الإنترنيت، واللجوء إلي الصحافة الإليكترونية!! وقد أشارت الكريستيان إلي ذلك عندما قالت إن عدد زوار موقعها الإليكتروني زاد علي مليوني زائر شهرياً.. فهل معني ذلك أن عصر الصحافة الورقية قد انتهي.. أو علي الأقل سيختفي قريباً؟! هذا السؤال منطقي للغاية، خصوصاً في أمريكا. ** وإذا كان عمر الصحافة الورقية يزيد علي 200 عام، إلا أنها كانت وعلي مدي قرنين وسيلة الإعلام الرئيسية مما أنشأ العديد من الصحف الكبري ووكالات الأنباء: فرنسية وإنجليزية وأمريكية وروسية، بل ومصرية عندما نشأت وكالة أنباء الشرق الأوسط عام 1956 في القاهرة. وقد ظلت الصحافة الورقية هي سيدة الإعلام، وبالذات طوال القرن العشرين، رغم وجود الإذاعة.. وامتد ذلك الي عصر ظهور التليفزيون.. ولكن ظهور التليفزيون الذي أثر كثيراً علي دور الإذاعة، لم يؤثر علي الصحافة.. فالتليفزيون، وكذلك الإذاعة، يعلن أو يذيع في لحظة، ثم ينتهي دورهما.. ولكن الصحافة الورقية ظل دورها كبيراً ومؤثراً.. بل وأصبحت الصحافة الورقية من أهم وسائل التوثيق التاريخي، أي أصبحت مصدراً للباحثين.. ** ولكن في العشرين عاماً الأخيرة شهدت وسائل الإعلام طفرة هائلة لم يكن أحد يتوقعها.. بظهور الإنترنيت ثم الصحافة الاليكترونية.. وأصبح القارئ يدخل علي موقع أي جريدة ليقرأ كل ما فيها، أو يختار منها ما يشاء. وإذا كان هذا يتم الآن من خلال أجهزة تليفزيونية أو شاشات في البيوت،فإن الأخطر هو ما بدأنا نراه الآن: نقصد أن يتحول التليفون المحمول الي صحيفة إخبارية تقدم للقارئ كل ما كان يطلبه من أي صحيفة.. من الأخبار وأسعار الأسهم والسندات، بل وأخبار المجتمع.. ** معني هذا أننا يمكن أن نري خلال حقبة واحدة أي 10 سنوات يمكن أن نشهد انهيار الصحافة الورقية بعد أن صار المحمول في كل يد.. تمد يدك لتعرف كل ما يجري في العالم.. ودون أن تخرج من بيتك أو تترك مكتبك. وليس سراً أن الأمريكي ومنذ سنوات صار لا يغادر بيته، أو يذهب الي مكتبه لإدارة أعماله.. أو يؤدي ما عليه من واجبات.. وأصبح يؤدي كل ذلك.. من خلال الانترنيت: بيعاً وشراء.. بل وحتي زواجاً.. فماذا يريد الإنسان أكثر من ذلك. ** وما جري للجريدة الأمريكية جرس انذار للصحافة في العالم أجمع.. وفي مصر أيضاً. فإذا كانت مصر قد عرفت الصحافة من أيام حملة بونابرت علي مصر 1798 من خلال صحيفة كوريير دي لوجيبت مثلاً ثم ظهور جريدة الوقائع المصرية عام 1827 في عصر محمد علي.. ثم مازلنا نقرأ الأهرام التي نشأت عام 1875.. فإن مصر عرفت الصحافة، ولكن من نوع آخر. ** فما المسلات الفرعونية إلا صحف فرعونية.. وكل مسلة كانت عبارة عن 4 صفحات لأن المصري القديم كان يسجل علي جوانبها الأربعة تاريخ الفرعون وتاريخ مصر، ولجأ للمسلات لتنقل للعالم وحتي الأبد هذه الأخبار. وإذا كانت المسلة عبارة عن صحيفة من 4 صفحات، فإن واجهات المعابد وحوائطها الداخلية والخارجية كانت أيضاً عبارة عن صحف.. ولكن في صفحات ممتدة.. أي صفحات بانورامية نقلت لنا أخبار الفراعنة منذ آلاف السنين. ** هل ستصبح صحفنا الورقية مجرد مسلات أو واجهات للمعابد الحديثة. وللحديث بقية!!