ازداد الجدل خلال الايام القليلة الماضية في الاردن حول «فرق التبشير» بعد صدور تحذير من مجلس رؤساء الكنائس عن وجود نحو 40 فريقاً يعمل حاليا في المملكة تحت غطاء «الجمعيات الخيرية» وتأكيدات رسمية عن ابعاد عدد منهم، في بلد يعتبر تجريح الاسلام او الارتداد عنه، جريمة لا تغتفر. وبدأ الجدل بعد قيام وكالة «كومباس دايركت نيوز» المسيحية الاميركية بنشر تقرير في نهاية يناير الماضي، تحدثت فيه عن تزايد الضغوطات من قبل السلطات على المسيحيين الاجانب العاملين في المملكة. واتهم التقرير الاردن ب «ابعاد او رفض تجديد اقامات ما لا يقل عن 27 فردا وعائلة مسيحية خلال العام 2007، عمل عدد منهم مع كنائس محلية او درسوا في حلقات نقاش مسيحية». وبين هؤلاء مسيحيون من الولاياتالمتحدة واوروبا والسودان ومصر وكوريا الجنوبية والعراق. اول ردود الفعل الاردنية، جاءت من مجلس رؤساء الكنائس، الذي يضم كنائس الروم الارثوذوكس والروم الكاثوليك والارمن الارثوذوكس واللاتين، الذي حذر في بيان من خطورة وجود نحو 40 فريقاً تبشيرياً يعمل حاليا في المملكة «تحت ستار تقديم خدمات اجتماعية وتعليمية وثقافية». واضاف ان «الاردن قدم لهذه الفرق التسهيلات اللازمة لكي يقوموا بالخدمات الانسانية التي جاؤوا تحت غطائها على انها جمعيات خيرية لكنها سرعان ما كشفت عن نفسها فأخذت تسمى بكنائس وهي ليست بكنائس على الاطلاق». واكد ان «هذه الفرق تمكنت من استمالة بعض المواطنين نتيجة للخدمات والاغراءات التي قدمتها ولا تزال تقدمها فبلغ عدد المنتمين اليهم بضع مئات»، محذرة من «الخطر الذي يمثله وجود هذه الفرق على المسيحية في الاردن وعلى العلاقات المسيحية الاسلامية». ويشكل المسيحيون نسبة 4 في المئة من مجموع سكان الاردن البالغ نحو ستة ملايين نسمة. كما يشغل المسيحيون واغلبهم من الكاثوليك والارثوذوكس عشرة مقاعد في مجلس النواب (البرلمان) المكون من 110 مقاعد. واكد ناصر جودة، وزير الدولة لشؤون الاعلام وزير الخارجية بالوكالة، قيام حكومته بابعاد عدد من الاجانب قدموا الى المملكة تحت ذريعة القيام «باعمال خيرية» لكنه تبين انهم يقومون «باعمال تبشيرية». واوضح خلال حضوره جلسة لمجلس النواب، ان «الحكومة تتابع منذ فترة هذه النشاطات غير القانونية والاشخاص القائمين عليها». الا انه لم يحدد عدد المبعدين او جنسياتهم او تاريخ ابعادهم او الجهة التي ينتسبون اليها. من جانبه، استنكر مجلس النواب، الخميس، ما جاء في التقرير الاخباري الاميركي عن تراجع في التسامح الديني، مؤكدا انه «تضمن مغالطات تشوه الحقائق وتسيء الى العلاقات الاسلامية -المسيحية بين الاردنيين». واعتبر في بيان ما جاء في التقرير «مرفوض جملة وتفصيلا». واوضح ان «الدستور كفل لكل الاردنيين حقوقهم ان كان عرقهم او لغتهم او دينهم (...) والمسيحيون في المملكة جزء لا يتجزأ من الجسد الاردني». واكد ان المسيحيين يشغلون «وظائف عليا وهم في البرلمان وفي مجلس الاعيان وفي كل تشكيل وزاري وهم في الجيش والاجهزة الامنية ابناء وطن وحماته (...) ويعيشون الى جانب اخوانهم المسلمين اخوة متحابين متعاونين في السراء والضراء». وندد المجلس ب «الفئات التي راحت تقوم باعمال تبشيرية بأساليب رخيصة تثير نعرات دينية وقد استمالت عددا محدودا من المواطنين بفعل الاغراءات»، مشيرا الى انهم «يعملون على زرع بذور الشقاق والخلاف بين الناس وزعزعة الامن». وقال عودة قواس، النائب المسيحي السابق (2003-2007) ان «هذه قصة قديمة جديدة». واضاف: «هناك مجموعات عدة من الفرق التبشيرية المقيمة في الاردن في شكل غير قانوني، وهي ليست بكنائس وليس لها مرجعيات دينية». ويقول قواس، وهو مسيحي ارثوذوكسي ليبرالي، «المشكلة في الموضوع ان هذه الفرق تخلق حساسية ومشكلة بين المسيحيين انفسهم وبين المسيحيين والمسلمين». ورأى ان «اجراءات الحكومة ورؤساء كنائس الاردن جاءت متأخرة بعض الشيء»، مشيرا الى انه كان يدعو منذ سنين الى «اغلاق هذه الدكاكين المسيحية التي ليس لها اي علاقة بالدين المسيحي او بالتسامح». واكد ان «هدف هذه الفرق هو اقتناص رعايا كنائس اخرى الذي يكون ايمانهم المسيحي غير صحيح وبنفس الوقت تنصير من يستطيعون ان يتحايلوا عليه من اخوانا المسلمين». وتابع ساخرا: «نحن في الاردن وفلسطين مهد السلام والمسيحية ولا نريد اي احد ان يبشر فينا، نحن من يبشر بالناس»، مرجحا «وجود اجندات خفية لهذه المجموعات الاقرب الى المسيحية المتصهينة». وحذر الاب نبيل حداد، مدير مركز التعايش الديني، من «كل المخططات التي تحاول تشويه العلاقة الطيبة والاخوية بين المسلمين والمسيحيين في الاردن»، داعيا الى «مواجهة كل تطرف» والتعامل معه «بحكمة». وقال ان «تلك الجهات غريبة عنا وتحمل فكرا يعجز عن التعرف على ميزة هذا التعايش الفريد في وطننا». واضاف ان «المسيحيين في هذا الوطن جميعا بكل الوانهم هم يشكلون كنيسة وطنية اصيلة تؤيد كل الاجراءات التي تقوم بها الدولة» حيال تلك الفرق. واوضح ان «الاردن مجتمع عربي اسلامي احتضن المسلمين والمسيحيين الذين سكنوا معا وتقاسموا الخبز والملح واشتركوا بلسان واحد عربي فصيح وفي ارث الحضارة العربية الاسلامية».