يرى الشاعر مراد اليافعي أن العوامل الاقتصادية تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية ولكن لا يمكن أن تتحمل المسؤولية كاملة في هذه الظاهرة حيث يتأخر سن الزواج 90% لأسباب اقتصادية وباقي النسبة لأسباب شخصية، فهناك من يتعمد تأخير الزواج حرصا منه على التمتع بأكبر قدر من الحرية لأطول فترة ممكنة، لأنه يخشى فقدان هذه الحرية بمجرد ارتباطه بفتاة تسأله عن تحركاته وعلاقاته وهكذا. أما الأسباب الاقتصادية فترتبط أكثر بموجة الغلاء التي تعم العالم في هذه الأيام وتسببت بالعديد من الظواهر السلبية ومنها تأخر سن الزواج وظهور سلبيات أخرى في بعض المجتمعات المفتوحة مثل الزواج السري أو العلاقات غير الشرعية، وغيرها من الظواهر السلبية. وتأخر سن الزواج بسبب العوامل الاقتصادية يحدث عندما ترتفع قيمة إيجارات المساكن بشكل يؤدي إلى تردد الشاب وتفكيره مرات عديدة قبل الإقدام على الارتباط لأنه من ناحية لا يستطيع مشاركة ذويه في نفس المسكن ربما لضيق المساحة، كما أنه مطالب بتوفير المسكن الملائم لعروس المستقبل حتى لا تلجأ لمقارنة بينها وبين من هن في نفس ظروفها وتشعر بأنها أقل منهن، فلا يمكن مثلاً لفتاة متعلمة وحاصلة على شهادة جامعية أن تقبل بالعيش في مسكن زوجية مشترك مع أسرة أخرى، كما أنها لن تقبل بطبيعة الحال أن تعيش في شقة صغيرة المساحة (استوديو فلات) ولا يناسبها كمسكن للزوجية سوى غرفة وصالة على أقل تقدير. ومن العجيب كما تقول دانية الحمصي أن المشكلة الاقتصادية تتسبب في تأخر سن الزواج في مجتمعات تتمتع بقدر كبير من التكافل الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي، خلافاً لمجتمعات أخرى تعيش مشكلات تعتبر من الأزمات المستحكمة والتي تحتاج سنوات طويلة لعلاجها. ومما يضاعف الشعور بحجم هذه المشكلة كما تضيف دانية هو ترافق ظاهرة الغلاء مع ظواهر سلبية أخرى مثل ظاهرة انخفاض الرواتب لدى بعض الفئات وارتفاع القوى الشرائية لدى فئات أخرى بسبب ارتفاع دخولها وبالتالي عدم التوازن في الإنفاق ما بين الفئتين، الفئة الأولى تتأخر بطبيعة الحال في سن الزواج بسبب الظرف الاقتصادي بينما لا تشعر الفئة الثانية بنفس المشكلة. وتثير دانية مشكلة أخرى تسبب تأخر سن الزواج حيث يحرص العديد من الشباب على الاقتراض من البنوك واستخدام البطاقات الائتمانية في الحصول على المتطلبات الظاهرية مثل السيارة الفاخرة والسفر للسياحة والرحلات إلى دول العالم ثم يكتشف بعد عام أو أقل وربما أكثر أنه مديون للبنك بمبلغ كبير وأن قسما كبيراً من راتبه يتم توجيهه لسداد الدين مما يؤدي إلى التفكير المتأني في خطوة الارتباط لأنه يعتبرها في هذه الحالة مزيدا من التورط في الإنفاق ويفضل معظم الشباب تأجيل الارتباط إلى ما بعد سداد الديون، وهي مسألة تستغرق سنوات طويلة قد تمتد إلى ست أو سبع سنوات، وقد يخرج منها إلى مشكلة أكبر. ويؤكد نضال عبد اللطيف أن مسألة تأخر سن الزواج تحولت من مجرد حالات فردية خاصة إلى ظاهرة عامة بعد ظهور المتغيرات الاقتصادية العالمية من غلاء وأزمات اقتصادية ألقت بظلالها على كل المجتمعات وليس فقط مجتمع الإمارات، ففي كل المجتمعات الخليجية لم يزد سن الزواج للشباب على 20 عاماً حتى في مرحلة ما قبل النفط ولم يزد سن الزواج بالنسبة للفتاة على 16 عاماً، أما الآن فقد اختلفت الرؤيا بحيث أصبح متوسط السن للشاب 35 عاماً وللفتاة 25 عاماً وهذا يؤكد وجود أسباب قوية أدت إلى ذلك التأخير. ويضيف نضال ان أسعار الأثاث المنزلي أصبحت في غير متناول الدخول المتوسطة نظراً لأنها تتغير من فترة لأخرى وترتبط أكثر بالأسعار العالمية للمواد الخام وتكاليف التصنيع ومن الطبيعي أن يتأثر السوق المحلي بارتفاع أسعار الأثاث في العالم. ومن الضروري أن يقوم الشباب بوضع قائمة الإنفاق المتوقع قبل الإقدام على هذه الخطوة المهمة من حياته، وهو يضمنها كل المصروفات المتوقعة من إيجار مسكن وقيمة الأثاث المطلوب للمنزل وفاتورة الكهرباء المتوقعة وفاتورة التليفون والإنترنت ورسوم الولادة للمولود المنتظر، ورسوم الحضانة للطفل بعد عام أو عامين من ميلاده، ومتوسط مصروفات صيانة السيارة إذا كانت الأسرة ستستخدم سيارة واحدة علاوة على المصروفات الاعتيادية من طعام وشراب وملبس وعلاج.. ونلاحظ هنا أن هذه القائمة لا تتضمن أية مواد ترفيهية أو كمالية، بل على العكس فهي كلها من الضرورات للحياة اليومية.. إذا قام الشاب بحساب هذه القائمة حساباً دقيقاً يختار في الغالب أحد اختيارين، إما تأجيل المشروع برمته إلى وقت تسمح فيه الإمكانات بالإقدام عليه، أو البحث عن زوجة لها وظيفة تدر عليها دخلاً يسمح لها بمساعدته على مواجهة ظروف المعيشة الصعبة، والاختيارين كلاهما مر. ويشير نضال إلى وجود عوامل إنسانية قد لا تزيد نسبتها على 5% تتسبب بتأخر سن الزواج من أهمها رعاية الوالدين أو أحدهما وهي تدفع بالشاب أو الفتاة إلى تأجيل المشروع حتى يتمكن من التفرغ لرعاية أحد الوالدين عرفاناً بالجميل أو بسبب عدم قدرته المادية على الإنفاق المزدوج على منزله ومنزل أسرته في آن معاً. وربما تزداد مشكلة تأخر سن الزواج تعقيداً إذا كان عدد أفراد الأسرة كبيراً مما يضع رب الأسرة في حيرة كبيرة حيث يمكنه مساعدة ابن أو أكثر على بداية مشروع الزواج، خاصة إذا كان هذا الابن من ذوي الدخل المحدود، ولكنه من المستحيل أن يقوم بمساعدة كل الأبناء على بناء أسر، وهنا يضطر الابن للاعتماد على نفسه والانتظار إلى حين تتغير ظروفه بعد سنوات وسنوات أو قد يعزف عن الفكرة ويعرض تماماً عن الزواج بسبب نقص الإمكانات. وبشكل عام تتكاتف هذه الأسباب لتجعل من الزواج كمشروع حيوي و اجتماعي مهم مجرد فكرة مؤجلة معرضة للنجاح أو الفشل.