انقضت ايام من شهر رمضان المعظم والخرطوم والمدن السودانية الكبيرة ترفل في نعيم بركات الشهر الفضيل .. فالطقس البارد المائل الى الممطر الذي يعتري سماء الخرطوم احال ارهاق نهارات رمضان الحارقة الى ما يمكن ان يضيف الى روحانيات الشهر الفضيل سهولة في الصيام والقيام والعبادة الامسيات هي ذاتها الامسيات الرمضانية التى يقضيها السودانيون في الرياضة واكثر ها رياضة المشى على ممشى الكبارى التى تمتد على النيلين ... وممارسة كرة القدم في الميادين المضاءة الموجودة وسط الاحياء رغما عن رحف المبانى وتغولها على الميادين في الاونة الاخيرة. سهل ابشر عثمان يهرول بين صفوة بحرى ومروة امدرمان يعبر كبرى شمبات العريق الذى انشى قبل اكثر من اربعين عاما .. يقول سهل الذى يمارس رياضة العدو في امسيات رمضان ان اكثر ما يحفزه على ذلك الجموع الغفيرة التى تشاركة الرياضة المسائية فمنها رياضة ومنها تعارف على اناس جدد .. ويعبر الكبرى يوميا المئات من راغبي الرياضة والتنفيس عن انفسهم بعد رهق يوم صيام طويل. القنوات الفضائية السودانية اصبحت في هذا الرمضان خمس فقد انضم الى تلفزيون السودان والنيل الازرق تلفزيونات الشروق وقناة هارمونى وزول فشكلن اضافة حقيقية للمشاهد السوداني في رمضان ويبدو ان تركيزهم على المواد التفاعلية اكثر اذ ان اغلب البرامج تشرك الجمهور عبر الاستديو او الهاتف. وركزت القنوات لضمان المتابعة على اشراك نجوم الدراما السودانية المعروفين في تقديم البرامج فنجد الاستاذ خليفة حسن بلة الممثل والكاتب المعروف مقدما لبرامج البيت السعيد في التلفزيون السوداني ويشارك الدرامي جمال حسن سعيد في تقديم سهرة جماهيرية في ذات القناة ويشترك ايضا في برنامج تلاتة عليك مع الدرامي محمد المهدي الفادني وعفاف حسن امين بعد الافطار مباشرة على قناة 'زول'. يقول الاستاذ ضياء الدين بلال مدير تحرير 'الرأي العام' السودانية ان اجمل مافي البرامج الرمضانية الدرامية تركيزها على استصحاب الصحافة السودانية في مجريات بنائها الدرامي وتم تسجيل بعض الحلقات من صالات التحرير وايضا نجد ان كثير من الصحافيين قد تحولوا الى مقدمي برامج في القنوات المختلفة نشأت الامام ونسرين النمر وهيثم كابو فهولاء صحافيون تحولوا الى مقدمي برامج ناجحة في القنوات المختلفة ... وشكلوا بهارات لتلك الشاشات. يرى الشاب فهد عبد المجيد ان قناة 'النيل الأزرق' بعد الفطور وخصوصا . برنامج ( أغاني وأغاني ) تقديم الصحافى الكبير المقيم منذ الستينات في القاهرة السر قدور ..ويشارك الفنانون بالغناء ومنهم عاصم البنا .. عصام محمد نور .. أسرار بابكر .. نادر خضر .. فرفور .,وشرحبيل احمد الذى انضم اليهم هذا العام .. ويقدم بعد الافطار مباشرة من اميز البرامج الرمضانية ويجعل الناس يتحلقون حول الشاشة بلا حراك حتى نهايتة اما بقية البرامج فهي عبارة عن صفر كبير ويعود ملاوما السر قدور على اسرافه في الحديث وذلك يقود الى افساد بعض الحلقات التى يكثر فيها من الثرثرة ....وليته سكت وترك الكمان يغني.! عالم اخر في صفحات رمضان السودانى يبدأ في الظهور بعد الرابعة صباحا.. انه.. المسحراتي احدى الطقوس الرائعة في شهر رمضان على الرغم من تعدد السهرات الرمضانية والتقاء الافطار بالسحور مع وجود القنوات الفضائية المتنوعة الا ان سماع المسحراتي بطبله ونوبته وصوته الرخيم عندما ينادي 'يا صايم قوم اتسحر وأعبد الدائم' ويا صايم قوم اتسحر ونايم قوم اتندل ..وشهر الصيام شرفتنا والنيه سالمة ممتنة والكثير من الاهازيج التى تضفي لونا خاصا على الاجواء الرمضانية بالسودان. ومع تقدم الزمان اختفت الكثير من تقاليد الشهر الكريم القديمة والراسخة في تراث الشعب السوداني والموروث الثقافي الديني نتيجة لمظاهر العادات الوافدة والضغوط الاقتصادية وسرعة إيقاع الحياة في حين ما زالت الأمسيات تزدهر بالحركة في المقاهي وتكثر طلبات المشاريب من الزبائن ويبدأ المقهى باجتذاب الناس ويشكل مكان التقاء للذين لا يلتقون ساعات النهار، ويتناول اهل السودان في اجواء الاسحار الرمضانية المشروبات والأطعمة التقليدية الخاصة بهم دون غيرهم من الدول الإسلامية مثل 'الحلو مر' وهي عادة تقوم باعدادها عدد من نسوة الحي مجتمعات حيث يتكون من طحين الذرة (الزريعة) يطحن ثم يخلط مع أنواع كثيرة ومختلفة من التوابل ويتم عجنه وخلطه وصنع منه رقائق حمراء على النار توضع لاحقا في الماء البارد وتخلط مع السكر ليستخلص منها منقوع رائع الطعم ويمتاز بخاصية إخماد العطش كما ان وهناك أيضا رقائق دقيق الذرة البيضاء التي تطهى على النار ويصنع منها مشروب أبيض له خاصية الارواء والإشباع اضافة الى شربات 'القونقوليز' وهي ثمار أشجار 'الهجليج' التي تنقع في الماء وتصفى ويوضع السكر مما يعطيها مذاقا حلواً يميل إلى الحموضة، كما يعد طبق 'العصيدة' من الوجبات التقليدية لاهل السودان وتتكون من خلطة عجين الذرة المطهي وتؤكل مع طبيخ التقلية ذات اللون الأحمر ومكوناته تتألف من البامية الجافة المطحونة مع اللحمة المفرومة. ويبدا السودانيون عادة استقبال شهر رمضان منذ شعبان وذلك بزراعة الزريعة (الذرة النابتة) وطلاء الأواني المنزلية وفي ذلك اليوم تجتمع نساء الحي في جلسة عصرية يصاحبها تناول الشاي واللقيمات أما يوم (عواسة) الحلو- مر فهو يوم عيد للاطفال حيث يستمتعون بأكل (الحلو- مر) وهو من النار ويكون له طعم لذيذ ورائحة طيبة، الجماعية هى سمة السودانيين في رمضان فمن عواسة الابرى في جماعة الى الافطار في الشارع في جماعة الى صلاة التراويح في جماعة والرياضة في جماعة والسحور في الجماعة انه شهر الجماعة لا الفردانية في السودان. اعداد المائدة الرمضانية اختلف عما كان عليه في السابق حيث كانت تحتوي على صحن (البليلة) وصحن اللقمة والبلح وجردل (الحلو- مر) واليوم تعددت الأصناف وكثرت مسميات الأطعمة والعصائر، وفي الشمال نجد أن هناك جزء كبير من الناس يخلدون الى النوم في وقت مبكر ليس كباقي المناطق أو الوسط ومن أجمل الأشياء فيه اجتماع شباب الأحياء ليؤدون دور (المسحراتي) حاملين الدفوف لطرقها منادين في الناس ومرددين بعض الأناشيد الدينية ليتناولوا سحورهم وأداء صلاة الفجر في جماعة. وفى غرب السودان يمثل مساحة مهمة جدا في تكوين السودان من جانب الفولكلور وما يلي محاولة للوقوف على هذا الجانب في شهر رمضان في دارفور وكردفان بتوزيعها القبلي وعاداتها في تناول الوجبات في هذا الشهر الكريم عند اقتراب رمضان حيث يستعد الناس لهذا الشهر المبارك بتجميع المواد الرمضانية رغم اغراءات برامج رمضان بعد الافطار في القنوات الفضائية فإن الاقبال على صلاة التراويح يزداد كل عام بصورة كبيرة.. حيث يحرص الجميع رجالاً ونساء على اداء هذه الشعيرة في المساجد القريبة من المناطق السكنية.. في الجوامع والزوايا المنتشرة في الاحياء . مشهد جديد في رمضان السوداني حيث انتشرت الحدائق الغناء المجانية على رصيف الطرقات في الخرطوم وبحري وامدرمان مما جعل منها اماكن تجمعات كبيرة ومن الطرائف ان شريحة الشباب تطلق اسم (حبيبي مفلس) على هذة الحدائق المجانية لمجانيه الجلوس بها عكس الحدائق الاخرى الباهظة الاثمان في دخولها ومشروباتها ومأكولاتها ..اصبحت تلك الحدائق مسلكا للتجمع والافطارت الرمضانية اذ يتواجد الناس بها حتى الساعات الاولى من الصبح ويلزم التنوية الى انعدام المظاهر السالبة في الحدائق العامة اكراما للشهر الفضيل وبدلا من مشاكسات الشباب ومعاكساتهم انهم الان يؤدون الصلوات في جماعة في الحدائق العامة بعيداً عن لعب الكوشتينة والدومينو والتفرق للمعاكسات كما كانوا يفعلون سابقا في تلك الحدائق مساء.