يرتبط الشهر الفضيل في معظم بقاع الأرض بعدد من العادات والطقوس التي توجد بدورها مهناً معينة تنشط وتظهر فقط في أيامه، لارتباطها بروحه وتفاصيله اليومية، وتتنوع هذه المهن عادة بتنوع المناطق التي تزاول فيها واحتياجات أهلها وطبيعة العادات والتقاليد المتوارثة فيها. أهم وأشهر المهن التي يرتبط ظهورها بالشهر الفضيل في كافة المدن السعودية، تكاد تكون بلا منازع البسطات الرمضانية، وهي مساحة صغيرة مفروشة بسجادة صغيرة على قارعة الطريق، أو في وسط أي سوق شعبي يعرض عليها البائع بضاعة متنوعة بتنوع زبائنه، تتضمن الأطعمة والمشروبات، والأدوات الإلكترونية والسبح والمساويك، والإكسسوارات والأحجار الكريمة، والعطورات وأصناف البخور، وكل ما يمكن أن يخطر ببال المتسوق، وبتسعيرة مفتوحة وخاضعة بشكل كبير لمحاولة كل من البائع والمشتري تقوية ملكاته في المفاصلة، إلا أن الاثنين دائما ينتهيان بصفقة رابحة وابتسامة عريضة. وبرغم وجود البسطات طوال العام إلا أنها في شهر رمضان أكثر خصوصية ليس بسبب معروضاتها فقط، ولكن بسبب السهر والجو الاجتماعي النشط المحيط بها، وبائعي البسطات الرمضانية، في السعودية من مختلف الشرائح والأعمار، فهناك المراهقون، والسيدات الكبيرات السن وهؤلاء يكثر وجودهن في الأسواق النسائية، والشعبية، وهناك الموظف، والكل يخضع لشروط صارمة تفرضها الأمانات في كل المدن السعودية وتكاد تكون الشروط المخصصة لعمل بيع البسطات المتخصصة بالمأكولات والمشروبات الرمضانية هي الأصعب نظراً لتأثيرها العام على الصحة. وبحسب مصدر في أمانة محافظة جدة فإن الإجراء المتبع لتنظيم البسطات عادة هو إجراء قرعة تمنح الأمانة بناء عليها ترخيصا للراغبين بمزاولة هذا النشاط على أن تنطبق عليهم شروط معينة، ومقابل رسم مادي معين، وتتيح هذه الرخص في مدينة جدة مثلا مساحة جيدة في أكبر الأسواق الشعبية في المدينة «منطقة البلد» والترخيص يتيح مزاولة بيع المعجنات، التمور، البليلة، الحلويات الشعبية، والأجبان، والعطور والبخور، والملابس، والخردوات، وحلويات العيد، والكبدة، وغيرها، فتتحول طرقات المناطق والأسواق الشعبية إلى أسواق بدورها لما لذ وطاب. «السوبيا» المشروب الأشهر في الحجاز، يوفر عملا موسمياً ذا دخل معقول في الشهر الفضيل، كما يقول، سعيد أحمد (47 عاما) الذي اعتاد جلب السوبيا طيلة أيام شهر رمضان من مكةالمكرمة ليزيّن موائد الإفطار، ويقول: «أتحرك يوميا في الساعة الثانية من منتصف الليل لأشتري أكياس السوبيا من أشهر المحلات في مكة، لاسيما وأنني لا أمتلك محلا تجاريا لبيعها، وإنما أتاجر بها في موقعي المعروف على أحد الشوارع الواقعة في شمال مدينة جدة». ويضيف «أحرص دائما على شراء كميات محددة كي أضمن بيعها طازجة للزبائن، إضافة إلى أنني أحفظها في درجة برودة معينة كي لا تتلف»، مشيرا إلى أنه يبيع ما بين 70 إلى 100 كيس يوميا، ويصل هامش ربحه من تلك المهنة حوالي ريال ونصف في الكيس الواحد. ويفيد سعيد بأنه موظف في إحدى الشركات الخاصة، إلا أنه يعمد منذ خمس سنوات إلى تقديم إجازة من عمله كي يتفرغ لمهنته الرمضانية التي يزيد من خلالها دخله المادي. وفي مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، «الكدادة» هي إحدى أهم المهن التي ترتبط وتنشط في رمضان بشكل خاص، وتعني الكلمة الشائعة لدى أهالي المنطقة نقل المعتمرين من وإلى الحرم النبوي الشريف عبر سيارات خاصة، حيث يسمح النظام للراغبين بعد تسجيل سياراتهم وهوياتهم بمزاولة نشاط نقل المعتمرين بين المدن وخاصة جدةومكةوالمدينةالمنورة، وهو نشاط مربح في المواسم يلجأ إليه أحيانا الطلبة والموظفون طمعاً بزيادة الدخل. وإلى جانب البسطات الشعبية والكدادة تنشط جملة من المهن الأخرى المرتبطة بمجالات الترفيه، على الرغم من كون الترفيه في ليالي رمضان في السعودية، لا يعتمد كثيراً على العنصر البشري، فالحكواتي رغم وجود جذور مشابهة له في التراث الشعبي السعودي في بعض المناطق إلا أنه انقرض واختفى تماما بهيمنة التلفزيون، لكن مهنة بيع الألعاب النارية تصبح رائجة جداً وتجتذب المراهقين وصغار السن في الشهر الفضيل رغم التحذيرات وضوابط الجهات المعنية بهذا الخصوص، إلى جانب تنظيم دورات الألعاب الرياضية والتي تمثل ركيزة أساسية من ركائز الترفيه في الشهر الفضيل للكثير من الشبان والمراهقين. وتضم المهن المرتبطة بمجالات الترفيه ضمن قائمتها الطويلة مسميات عديدة وكثيرة تعتمد غالباً على شخص يدير اللعبة ويحكم بين اللاعبين بشخصية فذة وفريدة تلقى أعجاباً لدى أطفال الحارات التي تحظى بالنصيب الأكبر من هذه الأنواع الترفيهية بشكل خاص مثل أحمد الحكمي (16 عاما)، الذي ينتظر موسم رمضان بفارغ الصبر لينصب فيه طاولة «الفرفيرة» التي عادة ما تجذب الأطفال والشباب لقضاء ساعات طويلة تبدأ من بعد صلاة العشاء، وتمتد حتى ساعات الصباح الأولى مقابل أجر مادي لا يتجاوز خمس ريالات للساعة الواحدة. تنحصر ضمن إطار أبناء الحارة الواحدة، خصوصا بعد تخصيص نواد رياضية توجد فيها طاولات البلياردو وألعاب أخرى تواكب تطورات العصر، لافتا إلى أن وجود العديد من المواقع الالكترونية المتخصصة في الألعاب ساهم أيضا في استغناء الكثير عن الألعاب اليدوية. والفرفيرة عبارة عن طاولة خشبية ذات ثمان أذرع موزعة بالتساوي على جانبيها، ويحتوي كل ذراع على عدد من الدمى البلاستيكية التي تمثل لاعبي كرة القدم، ويتم توزيعهم وفقا لخطط اللعب المعتادة في تلك الرياضة على أرض الواقع. وتمثل أحد أنواع الألعاب اليدوية، إذ يتبارى فيها من فردين إلى أربعة أفراد مقسمين على فريقين، ليحاولوا تسجيل الأهداف عن طريق كرة صغيرة يتم تحريكها يدويا بواسطة الأذرع. فيما يستمتع مازن محمود (11 عاما) في تأجير دراجته على أبناء الحي المحيطين به، ويقول: «بعد صلاة العشاء أخرج من المنزل لجمع أصدقائي الذين يشاركونني اللعب بدراجتي مقابل ثلاثة ريالات لكل ربع ساعة»، مشيرا إلى أن ما يعود إليه من المال يضعه في يد والدته الأرملة لتجمع له مبلغا يستطيع من خلاله شراء بعض مستلزمات عيد الفطر المبارك، وبرغم بدء اندثار مثل تلك المهن الترفيهية التي كانت تميز ليالي الشهر الفضيل في السابق، إلا أنها لا تزال توجد في عدد من أحياء مدينة جدة الشعبية، ويمتهنها عادة أبناء الحي في محاولة منهم لتحسين دخل العائلة.