بين ليلة وضحاها فقدت وول ستريت بريقها... متاجرها المترفة باهتة ومطاعمها الفاخرةالباذخة تستعد لتوديع أصحاب الملايين الذين يحزمون الحقائب للرحيل هرباً من الهزات الارتدادية لزلزال انهيار بنك ليمان برذرز. إنها الأيام الأكثرسوداوية لوول ستريت صرح الاقتصاد الأميركي، فانهيار ليمان برذرز يخيم بركامه على كل الأرجاء، هذا الركام الذي تجاوزت سحابة غباره الحدود لتتحول عاصفة ضربت بورصات وأسواق العالم، مهددة بجر الاقتصاد الأميركي والعالمي الى الهاوية. ولكن الأسوأ لم يقع بعد، ومسلسل تساقط البنوك الأميركية لم تنته حلقاته، علماً أن بنك ليمان كان حلقته العاشرة، أما الحلقة الحادية عشرة فإن مجموعة أميركان انترناشيونال غروب «ايه آي جي» تستعد لأداء دور البطولة فيها، بعدما أخفقت في اقناع المتمولين بمتانة وضعها المالي ما سيضطرها الى دفع مليارات الدولارات للوفاء بالتزاماتها. وكانت مجموعة «إيه آي جي» تلقت أولى الضربات أمس مع خفض وكالات التأمين الرئيسية في وول ستريت نقاط ديونها للمجموعة، متذرعة بغموض مستقبل وضع السوق العقاري بعد زلزال ليمان برذرز. وتعد مجموعة إيه آي جي أكبر مجموعة تأمين على المستويين الأميركي والعالمي وهي تتمتع بسمعة جيدة جداً، لكن هذه السمعة لا تكفي لانقاذها وتأمين الأموال اللازمة لضمان سير الأعمال اليومية. وفي حال زادت وكالات التأمين من خفض نقاطها فإن «ايه آي جي» ستجد نفسها مجبرة على دفع 13.3 مليار دولار لمصدري السندات. لكن المجموعة وبحسب حاكم نيويورك ديفيد باترسن أمامها مهلة يوم واحد فقط لجمع 80 مليار دولار لتجنب الانهيار. وما يزيد من مخاطر انهيار «ايه آي جي» ان الحكومة الفيدراليه في واشنطن رفضت دفع سنت واحد لإنقاذ المجموعة تماماً كما فعلت مع بنك ليمان برذرز متذرعة بأنها لا تستطيع المخاطرة بعملية انقاذ جديدة باهظة التكاليف بعد أن كانت اشترت الاسبوع الماضي عملاقي الرهن العقاري فريدي ماك وفاني مير. وبرأي المراقبين فإن «ايه آي جي» خطت أمس خطوة واسعة باتجاه الافلاس مع انهيار أسهمها بنسبة 70% ويقول متعاملون: ان انهيار «ايه آي جي» سيكون أكثر كارثية من انهيار ليمان برذرز أو أي أزمة أخرى واجهتها وول ستريت حتى الآن. وفي محاولة للانقاذ أعلن البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وهو الوسيط التقليدي بين وول ستريت والمصرف المركزي الأميركي أنه ضخ 50 مليار دولار في السوق المصرفية، مؤكداً انه مستعد لضخ المزيد إذا اقتضت الحاجة. وتعليقاً على الوضع اعتبر دومينيك شتراوس كان مدير صندوق النقد الدولي أن العالم يواجه أزمة مالية غير مسبوقة لأنها انطلقت من قلب النظام في الولاياتالمتحدة وليس من أطرافه وقد طالت العالم بأسره. وقال شتراوس كان في تصريحات ل «اف ب»: إن قطاع المصارف في الولاياتالمتحدة سيشهد اختفاء تدريجياً باستثناء تلك المصارف التي تعمل في أكثر من مجال. وكانت المصارف المركزية الآسيوية والأوروبية اضطرت الى ضخ مليارات الدولارات في الأسواق المصرفية لتهدئة حال الاضطراب والمخاوف من تداعيات انهيار بنك ليمان برذرز، بينما سجلت البورصات وأسواق الأسهم تراجعاً كبيراً حول العالم، أما أسعار النفط فقد هوت الى ما دون 90 دولاراً للبرميل الواحد. بعيداً عن الاقتصاد، شكل انهيار بنك ليمان برذرز منعطفاً أخرج حملة الانتخابات الأميركية من منحى الهجمات الشخصية المتبادلة بين مرشحيها، الجمهوري جون ماكين والديمقراطي باراك أوباما، وأرغمهما على مواجهة الأسئلة الصعبة بخصوص الاقتصاد وخطط الانقاذ. وتعهد أوباما وماكين بإنقاذ وول ستريت، وبينما حمّل أوباما الجمهوريين مسؤولية الأزمة، وعد ماكين بوضع حد لما سماه إدارة وول ستريت مثل كازينو.