كنا نود أن ننقل أخبارا سارة بعد سنة عسيرة اعتصر فيها الاقتصاد العالمي أجساد الفقراء بل وحتي الأغنياء وعلي حد سواء.. في واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم. لكن تقرير التجارة والتنمية الصادر عن مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية »الأونكتاد« لا يحمل لنا الكثير من الأخبار السارة. فالتقرير يتوقع أفاقا مظلمة مازالت تنتظر الاقتصاد العالمي.. كما يتوقع استمرار ارتفاع أسعار المواد الأولية مقارنة مع العشرين عاما الماضية. ليصبح علينا أن نتعود علي الارتفاع الجنوني للأسعار ونعلم أنه سيظل ضيفا ثقيلا لفترة ليست بالهينة. وقد رصد التقرير مجموعة من الأرقام التي قد تمثل لغزا اقتصاديا حقيقيا.. ومن بين الظواهر التي رصدها التقرير وتمثل لغزا مستعصيا علي الفهم ظاهرة تفاقم تصدير رءوس الأموال من البلدان النامية إلي البلدان الغنية. ويقول التقرير إن العالم النامي المفتقر إلي رأس مال أصبح يصدر في الآونة الأخيرة رأس المال إلي البلدان المتقدمة أكثر مما يلتقاه منها. وهذا لغز يتحدي النظرية الاقتصادية السائدة.. فقد ارتفع عدد الدول النامية المصدرة لرأس المال إلي 24 دولة في الفترة ما بين 2991 6991.. كما عرفت 06 دولة تحسنا في أرصدة حساباتها الجارية مقارنة مع الفترة السابقة 29 6991 ويري التقرير أن هذه الظاهرة بدأت عقب الأزمة المالية الآسيوية وان بعض الدول رغبت في استمرار هذا التحسن بالحفاظ علي اسعار صرف حقيقية قابلة للتنافس. ورغم هذا فإن التقرير قد توقع تحقيق نسبة نمو في الدول المتقدمة في عام 8002 بحوالي 1.5٪ وفي البلدان النامية بحوالي 6٪.. أما متوسط النمو علي مستوي العالم كله فسيكون 3٪ فقط بتراجع 1٪ عن العام الماضي. وإن كانت الدول النامية سوف تحقق نسبة نمو أعلي من تلك التي ستحققها الدول المتقدمة فإنه يظل عليها أن يشعر رجل الشارع بنسبة النمو هذه. وأن يمتد تأثيرها إلي حياته اليومية وتحسين مستوي معيشته خاصة مع ارتفاع متوسط سعر السلع الاساسية غير الوقودية في الفترة ما بين مايو 7002 ومايو 8002 بنسبة 9.14٪.. وأكد التقرير ان تحقيق اهداف الألفية المتمثلة في القضاء علي الفقر يتطلب زيادة بما بين 05 و06 مليار دولار عن المبالغ المخصصة حاليا للمساعدات الانمائية. كما استعرض التقرير المشاكل التي تواجه النظام المالي العالمي في التعامل مع المواقف الطارئة بالاعتماد فقط علي معايير السوق مطالبا بضرورة تنسيق دولي لتفادي ضياع أثر نسبة النمو العالية التي حققتها الدول النامية خلال السنوات الماضية. وأدان خبراء الاونكتاد في تقريرهم عمليات المضاربة التي أدت إلي الارتفاع السريع في الأسعار.. وانتقدوا النظام المالي الذي لا تسمح فيه معايير السوق بالتحكم في بعض التجاوزات غير المنطقية. ويشير تقرير الأونكتاد إلي أن الاضرابات المالية التي ظهرت في اغسطس 7002 والزيادات في اسعارالنفط التي لم يسبق لها مثيل وامكانية اتباع عدد من الدول لسياسات مالية أشد صرامة.. كل ذلك من العوامل التي تنبيء بصعوبات للاقتصاد العالمي في عامي 8002 و9002. ويري برنامج الأممالمتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) ان تأثيرات أزمة القروض العقارية امتدت إلي خارج الولاياتالمتحدةالامريكية وكان لها دور في انكماش واسع النطاق في السيولة والائتمان كما اعتبر أن ارتفاع المواد الأساسية الاولية يعود جزئيا إلي المضاربة التي انتقلت من الادوات المالية إلي أسواق الموادالأولية. وهذه العوامل مجتمعة وضعت صانعي السياسات الاقتصادية أمام معضلة مزدوجة تتمثل في السعي لتفادي حدوث كساد اقتصادي والعمل علي تجنب حدوث زيادة في معدلات التضخم في الوقت نفسه. وانتقد الأونكتاد النظام المالي العالمي مشيرا إلي انهيار سوق القروض العقارية في أكثر الاسواق المالية تعقيدا أي الولاياتالمتحدةالامريكية فضح ضعف القطاع المالي العالمي. إذ بدل الحد من المخاطر أدت الأدوات المالية المعقدة إلي امتداد أثر الاستثمارات المحفوفة بالمخاطر عبر البلدان والاسواق. ويخلص التقرير إلي ان هذه الأزمة اثبتت مجددا ان الانضباط داخل السوق غير فعال في منع الخطأ وهو التفاؤل المبالغ فيه والذي لا يستند لمنطق. والذي تلتجيء اليه بعض الشركات لتحقيق ارباح سريعة في اسواق تشهد نموا بطيئا اما الحل فيتمثل لها في محاولة انقاذ اجزاء من القطاع المالي عندما تبرز تهديدات النظام المالي في الافق أواللجوء إلي المطالبة بوضع ضوابط للسوق المالية أكثر صرامة.