تتشابك الحدود بين الكثير من الدول مايجعلها مثارا للجدل والنقاش فى احيان وفى احيان اخرى تكون الشرارة التى تنطلق منها الحروب .. والحقيقة ان هناك حدود جغرافية رسمتها الطبيعة ..الا ان ثمة حدود رسمتها يد الاستعمار .. وتلجأ الكثير من الدول إلي إبرام اتفاقيات لتنظيم أي تشابك في تلك المناطق تنجح في أحيان كثيرة في ضبط العلاقة علي الحدود.. وتفشل في أحيان أخري. وإشكالية الحدود الاستعمارية لا تعني الحدود السياسية، أو تلك المعالم الجغرافية التي تفصل بين الدول، وإنما تعني كل ما نتج عن تلك الحدود من كيانات سياسية وتكوينات اجتماعية.. وتتجلى مشكلة الحدود فى القارة السمراء عقب خلاصها من نير الاستعمار، فقبل أن يطوي عقد الستينات صفحاته، كانت العديد من دولها قد أثخنتها جراحات النزاعات الحدودية، والحرب الأهلية، والانقلابات العسكرية . كان أبرزها نزاعات الحدود بين ليبيا والسودان ، والصومال وأثيوبيا حول الأوجادين والحرب الأهلية في نيجيريا والسودان وانجولا وموزمبيق، والانقلابات العسكرية في السودان وتوجو وغانا . ولم يكن ما حدث في الستينيات إلا أول الشرر . ذلك أن لهيب الحرب ونار الصراع ما لبث أن زاد انتشارها خلال عقود السبعينيات و الثمانينيات والتسعينيات ، دون أن تخمد إلى يومنا هذا .. وكانت تكلفة تلك النزاعات والحروب على شعوب أفريقيا ومجتمعاتها وثقافاتها و اقتصادياتها وأرضها كبيرة جداً . فقد كان من آثارها أعظم مآسي القرن العشرين من حيث الأرواح التي حصدت والجموع التي تشردت وأقعدت، والفرص الاقتصادية التي ضيعت، ناهيك عما أصاب الحياة الطبيعية والبرية من تدهور للتربة وحرق للأرض وتلوث للبيئة، وما أفرزته من تطهير عرقي وقتل جماعي وهضم لأبسط حقوق الإنسان. وجعلت تلك الحروب والصراعات من أفريقيا قارة معقدة ومجتمعاً مجهداً وأصبحت أخبارها في الإعلام العالمي أخبار الكوارث والقتل واللجوء والمجاعات .. وهناك من يرى بأن وراء ظاهرة الصراع والحروب في أفريقيا مجموعة معقدة من الأسباب المتفاعلة مع بعضها البعض يشكل الصراع حول توزيع السلطة والثروة ..وتمثل الهوية دعامتها الأساسية . فالعرقية لديهم ليس إلا أداة لتحقيق المصالح السياسية . وعلى ذلك فان فهم الصراع والحروب في أفريقيا لا يتم إلا من خلال دراسة تاريخ القارة خلال الفترة الاستعمارية ، خاصة قضية الحدود الاستعمارية . وتنبع أهمية الحدود الاستعمارية وما نتج عنها من كونها العنصر الهام الذي كون وشكل الدول الأفريقية الحديثة دولة ومجتمعاً . فالدول الأفريقية الحديثة، تكاد تكون صناعة استعمارية شكلها وصاغها الاستعمار وفقاً لرؤيته ومصالحه . الاستعمار والحدود الافريقية .. ولعل علاقة الاستعمار الاوروبى بأفريقيا تعود بدايتها إلى القرن الخامس عشر حينما عمدت البرتغال ، تلك الدولة الصغيرة في غرب شبه الجزيرة الأيبرية ، إلى البحث عن طريق بحري إلى الشرق غير طريق البحر الأحمر مدفوعة بأهدافها لضرب النفوذ الاقتصادي الإسلامي في البحر المتوسط، . وعمدت الى إرسال حملاتها الاستكشافية ، على طول الساحل الغربي لأفريقيا . وإذا كانت البرتغال قد نجحت في عام 1502م من الوصول إلى الهند، وفرض سيطرتها على المحيط الهندي وتجارته، فإنها من جهة أخرى قد وضعت لبنة الوجود الأوروبي في أفريقيا، بما شيدته من قلاع ومحطات تجارية على طول الساحل الأفريقي .. وسرعان ما أغرى النجاح البرتغالي دولاً أوربية أخرى مثل هولندا والدنمارك للتوجه لغرب أفريقيا، لتتبعها بعد قليل كل من فرنسا وبريطانيا . أما ألمانيا فقد تأخر وصولها حتى الربع الأخير من القرن التاسع عشر ، هذا إذا استثنينا سيطرة الأسبان القصيرة على بعض مدن الساحل الشمالي لأفريقيا . وعلى الرغم من أن مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، قد شهد تحولاً نوعياً في علاقة أوروبا بأفريقيا الا أن النهم الاستعماري لم يكشر عن أنيابه إلا في ثمانينيات القرن الذي شهد تسابقاً محموماً نحو الاستحواذ على الأرض الأفريقية بين القوى الأوربية ، خاصة بريطانيا وفرنسا .. وكان مؤتمر برلين ، نوفمبر 1884م – فبراير 1885م ،بمثابة الشرارة التي أججت لهيب السباق نحو أفريقيا . حيث قنن ذلك المؤتمر التكالب على المناطق الأفريقية من خلال دعوته لتحديد مناطق النفوذ وتأكيد الإحتلال الفعلي . وكانت النتيجة تسابقاً محموماً لتكوين المستعمرات إما من خلال الاتفاقيات والمعاهدات مع الزعماء والشيوخ الأفارقة ، أو بإخضاع القوميات وتفتيت الممالك والإمبراطوريات بقوة السلاح .. وكانت فرنسا هي الرائدة في ذلك . فمن خلال سعيها للسيطرة على التجارة وتكوين إمبراطورية شاسعة في غرب أفريقيا؛ اتبعت فرنسا سياسة التوسع العسكري ..ولم تكن بريطانيا أقل شهية لاطماعها في أفريقيا .ولحقت المانيا بركب الدول المستعمرة متأخرة نسبيا .. وبنظرة شاملة للكيفية التي تم بها تقسيم القارة الافريقية بين القوي الاروبية والطريقة التي تم بها رسم الحدود لتحديد مناطق النفوذ فيها يتبين بوضوح عشوائية واصطناعية الحدود السياسية التي بنيت علي اساسها الكثير من الدول الافريقية الحالية . فكثير من تلك الحدود كانت خطوطا وهمية غير واضحة المعالم ، بعضها تفصله مجاري الانهار كما في غرب وجنوبي افريقيا وبعضها يمثل مناطق مراعي ونقاط التقاء جماعات يصعب حمايتها في كثير من الاحيان مما جعلها عرضة للتنازع المستقبلي . قضايا حدودية .. ومن القضايا الحدودية التي كانت ولاتزال مثار جدل كبير الحدود بين إثيوبيا واريتريا الهند وباكستان ( كشمير) اسبانيا والمغرب ( سبتة ومليلة) وغيرها. إثيوبيا واريتريا .. ترجع أصول الأزمة بين إثيوبيا واريتريا إلي نزاع مسلح امتد بين البلدين من1998 إلي2000, و منذ انتهاء الأعمال العسكرية لم يتمكن البلدان من الاتفاق علي ترسيم الحدود. وأنشأ مجلس الأمن بعثة الأممالمتحدة في إثيوبيا واريتريا للاحتفاظ بالاتصال مع الطرفين, وإقامة آلية للتحقق من وقف إطلاق النار. وتعهد الطرفان باحترام قرار تم الاتفاق عليه لترسيم الحدود, إلا أنه لم ينفذ حتي الآن. سبتة ومليلة .. الحدود بين أسبانيا والمغرب كانت دائما مثار خلاف بين البلدين خاصة منطقة سبتة ومليلة لما لها من بعد استراتيجي حيث تشرف علي مضيق جبل طارق الشهير. وبدأت الاضطرابات في سبتة ومليلة تظهر علي السطح مع زيادة الهجرة غير الشرعية عبر تلك المنطقة. وقد توصلت المغرب وإسبانيا إلي اتفاقية يتم بمقتضاها زيادة عدد القوات علي الحدود بهدف ضبطها بصورة دقيقة ولاتزال تلك الاتفاقية سارية حتي الآن. كشمير.. شكلت قضية كشمير منذ إعلان ضمها إلي الهند الفتيل الذي ظل يشعل التوتر باستمرار بين نيودلهي وإسلام آباد. وتسببت في ثلاث حروب بينهما في أعوام1949 و1965 و1971, خلفت مئات الآلاف من القتلي في الجانبين, وانعكست هذه الأزمة علي الحياة السياسية الداخلية في باكستان التي كان الحكم فيها ينتقل بين الجنرالات في انقلابات عسكرية متوالية, كما أنها دفعت البلدين إلي الدخول في سباق تسلح. وبالرغم من قرارات الأممالمتحدة التي دعت منذ الخمسينات إلي تنظيم استفتاء لسكان الولاية لتقرير مصيرهم بشأن الانضمام إلي الهند أو باكستان, إلا أن الهند كانت ترفض دائما تلك القرارات. وقد شهدت العلاقات الهندية الباكستانية في الآونة الأخيرة تحسنا ملحوظا إلا أنه برغم ذلك لاتزال مشكلة كشمير عائقا لتطويرها للأفضل. الحدود بين الهند والصين .. هي أطول حدود بين دولتين في العالم حيث تمتد إلي نحو أربعة آلاف كيلو متر. والخلاف يقع في عدة مناطق حيث تقول نيودلهي إن الصين تحتل نحو38 ألف كيلو متر مربع من أراضيها في منطقة كشمير, إضافة إلي الحافة الغربية من التبت. أما الصين فتقول إن الهند تحتل90 ألف كيلو متر مربع من أراضيها في منطقة تحف جنوب شرق التبت. ويعود هذا الخلاف إلي عام1962 والحقيقة أنه نظرا للتطور الاقتصادي الكبير في الهند والصين تنبهت الدولتان إلي ضرورة تنحية الخلافات الأخري جانبا لأنها أصبحت تعيق أي تطوير للعلاقات الاقتصادية. ومن المنطلق السابق بدأت الحكومتان تسعيان إلي التقارب الاقتصادي لأنه يصب في مصلحتهما, وفي إطار هذا التقارب كان لابد من إيجاد حل للنزاع الحدودي. والحل يقوم علي خطة طريق لترسيم الحدود تضع في حسبانها الاعتبارات التاريخية والجغرافية وسكان المناطق المتنازع عليها. كما تضع الخطة الاعتبارات الأمنية في الحسبان ومااذا كانت المنطقة تحت السيادة الهندية أم الصينية. والواقع ان خطورة تلك الحدود انها رسمت دون ادني اعتبار لحقوق السكان او توافقهم العرقي واللغوي والثقافي. فقد جمعت تلك الحدود قوميات متنافرة وثقافات متنوعة في كيان سياسي واحد، وقطعت شعوبا متجانسة بين عدة كيانات. وكان الناتج بروز دول وكيانات سياسية تفتقر الي عنصري التجانس والتميز الذي يري فيه علماء الجغرافية السياسية اساساً لتماسك الدولة القومية ..