بعد بدء زيادة عددها.. أعرف مصروفات kg1 للعام الجديد في المدارس الIPS    تعرف على أسعار البصل اليوم الجمعة 11-5-2024 بالأسواق    أسعار القمح اليوم.. الأردب يصل إلى 2000 جنيه    وزارة البيئة تناقش مع بعثة البنك الدولي المواصفات الفنية للمركبات الكهربائية    جوتيريش: الأوضاع في رفح الفلسطينية وصلت إلى الهاوية    "علم فلسطين في جامعة جورج واشنطن".. كيف دعم طلاب الغرب أهل غزة؟    القوات الروسية تشن هجوما واسعا على منطقة خاركيف في أوكرانيا    الاتحاد يختتم تدريباته بمعسكره المغلق استعدادًا للمقاولون    افتتاح فعاليات بطولة الجمهورية للفروسية فى نادي سموحة بالإسكندرية    بطولة العالم للإسكواش 2024.. نور الطيب تقصى بطلة هونج كونج    أنشيلوتي يرشح لاعبا من ريال مدريد للفوز بالكرة الذهبية    هيئة الأرصاد الجوية: انخفاض درجات الحرارة غدا    «الجيزاوي» يتفقد مستشفى بنها الجامعي للاطمئنان على سير العمل وجودة الخدمة    تشييع جثمان عقيد شرطة توفي فى حادث بطريق الزعفرانة ببنى سويف    نادية الجندي تنعى والدة الفنان كريم عبدالعزيز    انطلاق ملتقى تراث جمعيات الجنوب ضمن أجندة قصور الثقافة    محمد الشرنوبي يثير الجدل في حفل زفاف لينا الطهطاوي ومحمد فرج    خطيب الجامع الأزهر: دعوات إنكار التراث الإسلامي تستهدف العبث بعقول الشباب    وكيل «صحة الشرقية» يتابع أعمال إنشاء مبنى جديد بمستشفى الحسينية    أزمة الكليات النظرية    السكرتير العام المساعد لمحافظة دمياط يفتتح مسجد فاطمة الزهراء بالروضة    إفتتاح مسجدي نصار والكوم الكبير في كفر الشيخ    «مش طايق نفسي».. باسم سمرة يكشف رأيه في تعدد الزوجات (فيديو)    تركيب بلاط الانترلوك بالشوارع الضيقة بمركز منفلوط ضمن خطة التطوير    117 مشروعًا وبرنامجًا مع 35 شريك تنمية لتمكين المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا    منها القهوة والبطاطس المحمرة.. 5 أطعمة لا تأكلها أيام الامتحانات    أول تعليق من تعليم الدقهلية على تطابق امتحان العلوم للصف الثاني الإعدادي وتسريبه    الاتحاد الأوروبي يحتفل بالقاهرة بمرور 20 عامًا على تأسيسه    المفتي: من أهم حيثيات جواز المعاملات البنكية التفرقةُ بين الشخصية الاعتبارية والفردية    تربط شرق القاهرة بغربها.. محطات مترو الخط الثالث وموعد تشغيلها (من عدلي منصور لجامعة القاهرة)    مباشر مباراة الأهلي والزمالك الثالثة في دوري السوبر لكرة السلة    محافظ الأقصر ورئيس هيئة الرعاية الصحية يناقشان سير أعمال منظومة التأمين الشامل    الامين العام للأمم المتحدة يدعو قادة الاحتلال وحماس للتوصل إلى صفقة لوقف إراقة الدماء    خلال 24 ساعة.. تحرير 16 ألف مخالفة مرورية متنوعة    «تالجو ومكيف وروسي»..تعرف على مواعيد القطارات خط «القاهرة/ الإسكندرية» والعكس    ترغب في التخسيس؟- أفضل الطرق لتنشيط هرمون حرق الدهون    حفاران حطما الجدران.. كيف ساهمت مياه الشرب في إخماد حريق الإسكندرية للأدوية؟- صور    حملة بحي شرق القاهرة للتأكد من التزام المخابز بالأسعار الجديدة    محلل أداء منتخب الشباب يكشف نقاط قوة الترجي قبل مواجهة الأهلي    الاتحاد الأوروبي يدين الهجوم على مباني الأونروا في القدس الشرقية    الملتقى الأول لشباب الباحثين العرب بكلية الآداب جامعة عين شمس    سنوات الجرى فى المكان: بين التلاشى وفن الوجود    وزير الري يلتقى المدير الإقليمي لمكتب اليونسكو بالقاهرة    في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر    دعاء الجمعة للمتوفي .. «اللهم أنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين»    رد فعل محمد عادل إمام بعد قرار إعادة عرض فيلم "زهايمر" بالسعودية    الاستغفار والصدقة.. أفضل الأعمال المستحبة في الأشهر الحرم    القسام تعلن مقتل وإصابة جنود إسرائيليين في هجوم شرق رفح الفلسطينية    الإسكان تناقش آليات التطوير المؤسسي وتنمية المواهب    حماس: الكرة الآن في ملعب الاحتلال للتوصل لهدنة بغزة    فيلم السرب يفرض نفسه على شباك التذاكر.. رقم 1 بإيرادات ضخمة (تفاصيل)    شخص يطلق النار على شرطيين اثنين بقسم شرطة في فرنسا    لمواليد 10 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    صلاة الجمعة.. عبادة مباركة ومناسبة للتلاحم الاجتماعي،    الناس بتضحك علينا.. تعليق قوي من شوبير علي أزمة الشيبي وحسين الشحات    3 فيروسات خطيرة تهدد العالم.. «الصحة العالمية» تحذر    اللواء هشام الحلبي يكشف تأثير الحروب على المجتمعات وحياة المواطنين    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلم ساركوزى باتحاد متوسطى يتناقض مع أفعاله وأقواله


جغرافية الانغلاق وسياسة الإقصاء
دور فرنسا
الاستغناء عن عملية برشلونة
الفشل والعنف في منطقة المتوسط
بعد لحظة الضجيج الذي أحدثته ولادة الاتحاد من أجل المتوسط في الساحة العالمية خلال العيد الوطني الفرنسي وعروضه العسكرية كان من الصعب على علماء الاجتماع والباحثين والمراقبين الآخرين من المجتمع المدني تحديد الغرض من هذا الإعلان وكذا العرض السياسي المصاحب له.
تتناول ورقة تقدير الموقف التي أصدرها مركز الجزيرة للدراسات تناقض حلم ساركوزي باتحاد متوسطي مع حقيقة أفعاله وأقواله. كما تعكس إلى حد ما موقف علماء الاجتماع والمثقفين من كلا الجانبين في البحر الأبيض المتوسط، أي أولئك الذين يعارضون الزعماء السياسيين في بلدانهم وأولئك الذين لا يشعرون بارتياح لفكرة "الاتحاد" آخذين في اعتبارهم الفوارق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية السائدة في المنطقة.
وبما أن فرنسا تقود هذا المشروع السياسي الذي تنضوي تحته عدة ملايين نسمة، فإن كثيرا من المراقبين يساورهم الشك في طموحها أن تنجح بشكل منهجي خارج حدود فرنسا فيما فشلت في القيام به داخليا تجاه سكانها من أصل جنوب البحر الأبيض المتوسط.
هذه الورقة تبين أن حداثة سن هذه العملية السياسية المدعومة من قبل الاتحاد الأوروبي قد تكون،للأسف، نهجا تسويقيا للمشاكل القائمة أكثر منها إجراءات تغييرية ومبتكرة من شأنها أن تجعل منطقة البحر الأبيض المتوسط أكثر ملاءَمة لسكانها.
الاتحاد بوصفه فكرة تقسيمية
على الرغم من انعقاد مؤتمر قمة باريس حول اتحاد من أجل المتوسط في 13-14 يوليو 2008، فإننا لا نعرف على وجه الدقة ما إذا كان هذا التجمع المدهش لرؤساء الدول سوف يعزز الاتحاد الأوروبي أم أنه سيعمل على تقسيمه أكثر فيما يتعلق بسياساته العامة تجاه الجنوب.
كما لا ندري إلى متى سيظل هذا المقترح للاتحاد،وليد اللحظة، قائما بعد رحيل الرئيس الفرنسي الحالي- على الأرجح عام 2012- وهو الذي يشهد تراجعا غير مسبوق لشعبيته على نحو ما بينت ذلك استطلاعات الرأي بعد عام واحد من نجاحه في الانتخابات.
ولكن الأمر المؤكد هو أن بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط قد خضعت لتسويق سياسي واسع النطاق،عندما كانت تسعى عبثا لتحقيق رؤية محتملة لاستراتيجية وتشكيل جغرافيا سياسية من شأنها أن تنشئ الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة.
وبالحديث عن الاستقرار،فإن المسألة الفلسطينية –الإسرائيلية ستكون على الأرجح هي القضية الرئيسية في أي مؤسسة سياسية إقليمية في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
ما لم يتم التوصل لاتفاق سلمي نهائي،فسيظل هذا السرطان مصدرا لجميع الصراعات في المنطقة،كما سيظل السعي من أجل الأمن والاستقرار والرخاء في منطقة البحر الأبيض المتوسط غير مجدٍ.
وعلى كلٍ، فإنه يمكننا، في آخر المطاف، أن نحكم على مدى أهمية هذا الطموح المدهش لمبادرة البحر الأبيض المتوسط من منظور القضية الفلسطينية.
من الملاحظ أنه في أواخر كل عقد أو نحو ذلك، يوجد ارتفاع كبير في حجم الاهتمام والتركيز السياسي الخاص على حوض البحر الأبيض المتوسط. قد لا يستغرق ذلك وقتا طويلا، ولكن من المنطقي أن نأخذ بعين الاعتبار استمرار الصراعات والحروب التي أثرت تأثيرا بالغا في تنمية هذه المنطقة خلال العقود الستة المنصرمة.
وكلما عاد محور الاهتمام إلى الظهور على سطح الساحة الدولية مجددا نجد كل أمة من الأمم المحيطة بهذه المنطقة قد حولت اهتمامها وبصورة فجائية بعيدا عن مشاكلها الداخلية ومنازعاتها الخارجية،وتجمع زعماؤها السياسيون في محاولات للوصول إلى أعلى مستوى من "الاندماج" وإعادة التفكير في تلك المنطقة المتعددة الشعوب والمختلفة الاهتمامات،لإعادة تأطيرها في هيكل عام، وعلى أساس القيم المشتركة والماضي العريق. وقد يتكرر هذا النمط من المبادرات مرات أخرى،بحيث يتوج هذا التركيز المفاجئ بعملية مؤسسية تؤدي بمجرد إطلاقها إلى انخفاض في الاهتمام.تتدفق الأموال على أعداد لا تحصى من برامج التعاون،ولكن تتلاشى بسرعة كبيرة الرؤية المستقبلية والإرادة السياسية التي من المفترض أن تدعم تلك البرامج،ومن ثم ربما تمر عشر سنوات،وتثار قضية إرساء الهوية المشتركة لحوض البحر الأبيض المتوسط وتبدأ الدورة من جديد، من دون الوصول إلى أي نتيجة تذكر.
ولا يعد هذا المشروع (المعروف سابقا باسم "الاتحاد المتوسطي"، و"اتحاد البحر الأبيض المتوسط" في وقت لاحق) الذي أنشئ بمبادرة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي،استثناءً من هذا المنحى التاريخي المتكرر. ولكن التركيز هذه المرة على فرضية الاتحاد السياسي يثير المزيد من التساؤلات والشكوك حول 17 دولة مطلة على تلك المنطقة الملوثة والمتهالكة من العالم.فقد يخيل للمرء، مع إعادة إطلاق دورة جديدة في البحر الأبيض المتوسط فيما بعد الحرب الباردة،أن نضجا سياسيا فعالا قد أدى إلى ظهور هذا الاقتراح على سوق السياسية الدولية.وعند هذه النقطة،من المهم أن نذكر السياق الذي انبثقت منه فكرة هذا الاتحاد السياسي.فقد برز ما يسمى ب "اتحاد البحر الأبيض المتوسط" قبل سنة خلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية (ابريل - مايو 2007)،عندما طرحه ساركوزي خلال حملاته الانتخابية الرئاسية كحل بديل لمعارضته ترشيح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي. وهنا يكمن الباعث الحقيقي لهذه الفكرة الغريبة لإنشاء اتحاد غير منسجم جغرافيا،إضافة لازدواجية البرامج الحالية للاتحاد الأوروبي المتبعة إزاء منطقة المتوسط. إن هذا الاقتراح،بالنسبة لساركوزي، حالما يحظى بدعم من الاتحاد الأوروبي، سيمنح إطارا لحل المعضلة التركية، وهذا أمر مفهوم لمن يميل إلى الاعتقاد بأنه من أصل 27 عضوا، يوجد عضو واحد (غير يهودي- مسيحي) لا مكان له في النادي الأوروبي. وعلى الرغم من أن الرئيس الفرنسي يتذرع بالعوامل الجغرافية، إلا أنه عند التحقيق يتبين أن ثمة عوامل دينية وثقافية تبرر وجهة نظره هذه في الأصل.
جغرافية الانغلاق وسياسة الإقصاء
بغض النظر عن جميع الأفكار السياسية التي تم تسويقها لدول جنوب المتوسط، من قبيل أهمية العلمانية والحاجة إلى إقامة دول قومية كاملة الديمقراطية، فضلا عن مطالبتها بضرورة التمييز بين السياسي والديني "أو التمييز بين المجالات الثقافية، فقد طرحت، لمرة واحدة في إحدى الندوات حول التراث المسيحي الأوروبي،والتي شارك فيها البابا بحماس، فكرة إقامة هذا الاتحاد السياسي الغريب الذي يجمع بين أقلية أوروبية (برؤسائهم المنتخبين) وبين دول البحر الأبيض المتوسط القديمة والفقيرة (بحكامها المتسلطين) بطريقة تجعل مفهومه مقبولا.
وفي الواقع فمنذ اللحظة التي بدأ فيها القادة السياسيون الحديث عن رغبتهم في إدراج الهوية الدينية المسيحية في الدستور الأوروبي،بدأ الاتحاد الأوروبي يظهر هويته وانتماءه بالنسبة للأقليات الدينية والثقافية التي تعيش في فضاء الاتحاد الأوروبي،وكذلك بالنسبة إلى الثمانية ملايين مهاجر المنحدرين من جنوب البحر الأبيض المتوسط.
ولأنه من غير الممكن بالنسبة لساركوزي قبول تركيا بسهولة كدولة عضو في الاتحاد الأوروبي، فقد ذكر بأنه يفضل التفكير في إيجاد ناد سياسي لدول حوض البحر الأبيض المتوسط،وهو كيان يجمع تركيا وغيرها من المرشحين المحتملين لعضوية الاتحاد الأوروبي (المغرب) أو شريكا متميزا (تونس) من الحدود الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط،بحيث يمكن لهذه الدول أن تتطور في خط مواز بدلا من البحث عن مستقبلها داخل أو خارج الاتحاد الأوروبي. وهنا يتجلى الوجه الحقيقي لهذا المشروع.
يبدو أنه لم يعد كافيا أن يقوم خط ترسيم الحدود بحماية الفضاء الأوروبي (فضاء شانغن) من "هجرة المتوحشين" من الجنوب، ولا يكفي أن يقوم الحرس المدني الإسباني برصد الساحل الجنوبي، أو يقوم رجال الدرك الإيطالي بمطاردة المهاجرين السريين الأفارقة،كما لا يكفي أن يطلب من السلطات التونسية والمغربية القيام بالأعمال القذرة لاحتواء المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى وشمال أفريقيا،فقد حان الوقت الآن للقيام بأمر يعادل كل ذلك،من شأنه أن يمنع تلك الدول من البحث عن الاندماج أو الحصول على مركز متميز في الفضاء الأوروبي. فالأوروبيون، وبالرغم من حديثهم عن حقوق الإنسان والسلام العالمي، مازالوا يعانون شللا سياسيا برفضهم اعتماد أي شكل من أشكال الحماية الاقتصادية للدفاع عن الملايين من الوظائف المهددة تهديدا مباشرا بسبب كمية ونوعية الخدمات والسلع التي توفرها الهند والصين،فقد قرروا حماية أنفسهم من السود أولا، ثم من البربر والبدو الذين يؤمنون بعقيدة ينظر إليها رسميا باعتبارها دين الكراهية (المقصود الإسلام هنا).
بالنظر إلى طبيعة الانتماء السياسي لساركوزي،وكذا مواقفه المتعددة والمثيرة للجدل،خاصة تجاه العرب والمسلمين والأفارقة،فإن فكرة بناء اتحاد بين دول شمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط تبدو أمرا سرياليا.إ
ذ كيف يمكننا أن ننظر بجدية في أي اقتراح لاتحاد سياسي، بمثل هذا التسرع وعدم الاتساق،من شخص معروف بهجائه العنيف للمواطنين الفرنسيين من أصل عربي ومسلم،!.
كيف يمكن أن نثق بأن هذا الرجل يستطيع تعزيز السلام والاستقرار خارج فرنسا، بينما كان هو المسؤول جزئيا على الأقل عن اندلاع ثورة الشباب الفرنسي في نوفمبر 2005، عندما وصف،حين كان وزيرا للداخلية،الشباب الذين يعيشون في ضواحي باريس بالحثالة أو الرعاع، وأن فرنسا بحاجة إلى التطهر منهم.
كيف يمكننا أن نصدق أنه يستطيع أن ينجح في إدارة أي شكل من أشكال الحوار بين الأديان،عندما نعرف دوره ومسؤوليته عن إضفاء الطابع المؤسسي على المجلس الفرنسي للطائفة المسلمة (CFCM)،وهو الهيكل الرسمي الذي يمثل الإسلام وباتت ساحة المعركة السياسية بين المغرب والجزائر، والذي فشل للأسف في تمثيل مسلمي فرنسا وتلبية احتياجاتهم الديمقراطية أي نوع من الحوار بين الثقافات يمكن أن يشجعه وهو من اخترع وزارة تحمل اسم الوزارة الفرنسية للهوية الوطنية والهجرة، على الرغم من المعارضة الواسعة النطاق التي قوبل بها،وهي أداة حكومية مصممة خصيصا للتعامل مع مسألة "الآخرين" وما يسمى بمشكلة غياب الهوية التي تواجهها فرنسا.
دور فرنسا
كيف بإمكاننا أن نزيل ذلك الرصد النمطي لفوبيا الإسلام - التي يبدو أنها أصبحت، منذ 11 سبتمبر 2001، الرياضة المفضلة للمثقفين الفرنسيين - والتي سبق وأن تم التعبير عنها على أعلى المستويات السياسية عندما أعرب على سبيل المثال أحد المرشحين للانتخابات الرئاسية الأخيرة أنه استند في حملته برمتها على القضاء على "تفشي فكرة أسلمة فرنسا"، مستخدما وصفته السحرية "الإسلام هو الأساس للتطرف الإسلامي، والتطرف الإسلامي هو الأساس للإرهاب".
أما الحقيقة المحرجة فهي أن 12- 15 مليون مسلم في أوروبا هم بمثابة "يهود" القرن الحادي والعشرين. وبنفس الطريقة التي تَحَمّل بها المواطنون الأوروبيون من أصل يهودي المسؤولية عن الأزمة المالية والاقتصادية التي حدثت في ثلاثينيات القرن الماضي (عندما كانت في الواقع الأغلبية الساحقة منهم فقراء)،يعتبر الأوروبيون اليوم المسلمين على أنهم أتباع دين مسؤول عن جميع أعمال العنف الراهنة التي تجري على الأرض.هناك قلة فقط من الأوروبيين ينظرون إلى هذا الاتهام باعتباره نوعا غير مقبول من العنصرية،كما يميل معظم المراقبين إلى التخفيف من وجهة النظر هذه من خلال إظهار أن هناك شريحة جيدة من الأوروبيين المسلمين وأخرى سيئة للغاية، وخاصة تلك التي تتبنى أفكار ما يعرف بالإسلام السياسي.ولكن كيف يمكننا أن نجعل قادة الرأي العام الأوروبي يدركون أن الإسلام السياسي هذا،هو مفهوم واسع ومتنوع (من المحافظة إلى الليبرالية،ومن التطرف إلى العلمانية) تماما كما هو الإسلام واسع وعميق، فهو متنوع مذهبيا حيث يزخر بمدارس فكرية وقانونية كثيرة،بالإضافة إلى تنوعه الثقافي وتعدده اللغوي. وكيف يمكننا أن نجعلهم يدركون أن الدوغماتية تكمن أيضا في تصورهم للمسألة الإسلامية المعاصرة؟
والحقيقة هي أن العالم متعدد الثقافات ومتعدد الأقطاب ولا يحتاج لوجهات النظر الفرنسية حول العولمة، لأن قيم الحرية والمساواة والإخاء هي في الواقع لا تطبق اليوم حتى على المواطنين الفرنسيين من أصول أفريقية وجنوب متوسطية، فضلا عن أنها لم تطبق يوما على سكان المستعمرات.
فرنسا لم تقدم مبادرات تاريخية واضحة وحاسمة لإعادة النظر في دورها التاريخي المخزي فيما يخص الرق والاستعمار، وغير قادرة في الوقت الحاضر على مواجهة التحدي المتمثل في التنوع الثقافي في عالم متزايد التعقيد.
وفي جو عام من الركود المالي،وذروة أزمة النفط، والضغط الاقتصادي من الصين-الهندية، والشيخوخة الديموغرافية، نجد أن المثقفين الأوروبيين في سعيهم لتفهم التعقيدات والتعددية في المجتمعات الأوروبية كتلك التي تخص "الذات" و "الآخر"، أو "نحن" و: "هم"، يبحثون عن كبش فداء بين الأقليات الدينية أو المهاجرين، وإسنادهم دور الضحايا لدفع ثمن جميع الشرور الحالية.
كلما قام السياسيون الأوروبيون - الذين يتوجب عليهم الأخذ بعين الاعتبار الوزن السياسي لليمين المتطرف بين الناخبين- برفع شعار البحر الأبيض المتوسط، فإنهم لا يفكرون على سبيل المثال في الإسلام باعتباره ماض وربما مستقبل مبني على التبادل بين الثقافات والأديان والفلسفة والعلوم والتكنولوجيا والفن.
بالنسبة لهم، الإسلام لا يزيد عن كونه دين خمس سكان العالم، وهو يستدعي في المقام الأول العنف والإرهاب والمتعصبين الملتحين والمحجبات أكثر من أي شيء آخر.
في هذا السياق المظلم، من السهل أن نستنتج أن الفكرة التي تكمن وراء منطق الاتحاد الأوروبي- المتوسطي هي إنشاء منطقة عازلة، بحيث يتم فيها استيعاب عدد معين من المخاوف والتهديدات والتأثيرات الثقافية والسياسية للإسلام، وحيث يتم احتواء الضغط السكاني الوارد من الجنوب (300 ملايين من المواطنين العرب الذين يسعون سعيا حثيثا لإيجاد بدائل موالية لأنظمة الغرب الاستبدادية)، وكذلك الضغط السياسي والاقتصادي من الصين والهند. في الواقع، يمكننا أن نقدم هذا الاتحاد "الحلم" كمشروع مترتب على صدام هنتنغتون الحضاري.
والأهم من ذلك، فإن حلم ساركوزي مكرس لتمثيل البحر الأبيض المتوسط بالجدار الفاصل بين الشمال والجنوب، العالم القديم والجديد، التحضر والبربرية الجديدة- على نحو وصف الكاتب جان- كريستوف ريفان (السفير الفرنسي الحالي في السنغال) في كتابه الإمبراطورية والبرابرة الجدد.
أن سياسة ساركوزي، والتي تبدو كنسخة متأخرة من سياسات ازنار وبرلوسكوني الليبرالية والمحافظة الجديدة والموالية للولايات المتحدة، تقود فرنسا لتصبح تابعا للولايات المتحدة ووكيلا متحمسا لأوروبا الأطلسية.
وفي هذا السياق، فإن "اتحاد منطقة البحر الأبيض المتوسط" يبدو مثل تسويق لعملية تحويل كبيرة لصرف الأنظار عن مقاومة ما تبقى من النزعة الأطلسية للاتحاد الأوروبي والهيمنة الأمريكية في العالم العربي.
ولأن فرنسا أصبحت -عسكريا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا- قوة من الدرجة الثانية، ولأنه لم يعد لديها الوسائل الأيديولوجية لمواجهة السياسة الخارجية للولايات المتحدة في أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط، فإن احتمالية التطور الوحيدة لها هو أن تصبح زعيمة بلدان الدرجة الثانية في جنوب وشرق أوروبا. و"اتحاد دول البحر المتوسط" هو الكيان الوحيد الذي يمكن أن يسمح لها بلعب مثل هذا الدور على المسرح العالمي.
الاستغناء عن عملية برشلونة
يبدو الاتحاد الأوروبي اليوم منقسماً على نفسه فيما يخص موقفه من مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، فألمانيا،وهي واحدة من كبار المساهمين الماليين في دول الاتحاد الأوروبي،اتخذت حتى وقت قريب جدا موقفا سلبيا من مبادرة ساركوزي الشخصية، فالحكومة الألمانية تنظر إلى هذه الفكرة بوصفها عاملا من عوامل الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي. وترى اسبانيا، التي كانت ساهمت في اتفاقية برشلونة، الأمر نفسه.
ولكن ألمانيا حققت نجاحا في محاولة لإعطاء المزيد من المضمون لهذا المفهوم المفرغ للاتحاد، وذلك بممارسة الضغط على بلدان منطقة البحر الأبيض المتوسط من أجل تحقيق الأهداف الرئيسية لبرامج اتفاقية برشلونة الأورومتوسطية.
في الواقع يعتبر المؤتمر الأوروبي المتوسطي الذي عقد في برشلونة في 27-28 نوفمبر 1995، أول عملية مؤسسية حقيقية هامة حول رؤية سياسية طويلة المدى لمنطقة البحر الأبيض المتوسط، والذي نتج عنه تطلع لشراكة أوروبية- متوسطية عُِرفت باسم "عملية برشلونة".
هذه العملية التي تعين عليها تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: الاستقرار السياسي والأمن، والرخاء المشترك والتفاهم الثقافي المتبادل، كما عملت على تعريف العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين بلدان الاتحاد الأوروبي ودول جنوب البحر الأبيض المتوسط.
تضم هذه الشراكة الأوروبية- المتوسطية 35 عضوا (25 دولة من الاتحاد الأوروبي و10 دول من جنوب البحر الأبيض المتوسط)، وقد تم تسخير عدة مليارات من اليورو في برامج متنوعة لتنمية التعاون بين الشمال والجنوب.
في الوقت الذي انطلقت فيه عملية برشلونة، صاحبتها موجة هائلة من التفاؤل، على الرغم من الأزمة اليوغسلافية والحرب الأهلية الجزائرية، مثلما علقت على عملية أوسلو للسلام بين الفلسطينيين والسلطات الإسرائيلية في بدايتها العديد من الآمال. وفي هذا السياق، كان يبدو من الموضوعي تصور إمكانية جمع شمل الدول المتاخمة للبحر الأبيض المتوسط عبر قيم واهتمامات مشتركة مادام يمكن حل أهم الصراعات المتفجرة في منطقة البحر الأبيض المتوسط ي عن طريق جهود سياسية. إلا أن فشل عملية السلام وبداية انتفاضة الأقصى أدى إلى وأد عملية برشلونة.
فما يقدمه إذن الرئيس ساركوزي في الوقت الراهن كأولوية، هو إلى حد كبير – وبفضل قوة ومثابرة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل وجهودها المبذولة- عبارة عن تكرار لعملية برشلونة وازدواجية في البرامج القائمة. ويمكن للمرء ملاحظة أنه خلال مؤتمر القمة لرؤساء الدول، كان التركيز على الرؤية السياسية اقل منه على مشاريع محددة حول الأمن ومكافحة الإرهاب والتجارة والهجرة وقضايا الطاقة وسياسة المياه وطرق الملاحة البحرية، وهذا يبين بوضوح أن فكرة ساركوزي الأولى للاتحاد قد تراجعت بعد المفاوضات ولكنها لا تزال تتردد في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
الفشل والعنف في منطقة المتوسط
في كل صيف،يتدفق الملايين من السياح نحو شواطئ البحر الأبيض المتوسط بحثا عن المتعة والترفيه. أما بقية العام،فتحتفل أوروبا بفكرة "بحرنا الأبيض المتوسط" في المتاحف واللقاءات العامة.
ويمكن من خلال البطاقات البريدية والفهارس السياحية التي تعكس الماضي المجيد المتعدد الثقافات، أخذ نظرة خاطفة على الفضاء المتوسطي وتحديد طبيعة مشاكله وانقساماته السابقة والحالية.
وخلال عقد التسعينيات الدموي،شهدنا انهيار يوغوسلافيا السابقة الذي نتج عنه تطهير عرقي ومذابح للمسلمين الأوروبيين على نطاق لم يسبق له مثيل. ولا تزال أوروبا الشرقية تحت صدمة التدمير لهذا التنوع الثقافي الفريد.
اليونان لم تحل صراعاتها مع جارتها تركيا التي لا تزال - حتى في ظل حكومة إسلامية-حليفا أطلسيا غير مشروط، والتي مازالت تلاحق - وربما حتى ضد مصلحتها الذاتية-محاولات الاندماج في الاتحاد الأوروبي مع الحفاظ على مستوى عال من التعاون مع إسرائيل (ولاسيما في قطاع الطاقة وفي إطار مشاريع خطوط متعددة من تحت الماء لمد أنابيب النفط الخام والغاز الطبيعي والمياه العذبة والكهرباء) التي قد تكون السبب في الحروب المقبلة مع الدول العربية. كما تم عزل سوريا بصورة منتظمة تحت ضغط السياسة الخارجية الأمريكية – إلا أن إستراتيجية العزلة هذه قد فشلت، حيث يستضيف هذا البلد الملايين من اللاجئين العراقيين الذين هربوا من بلادهم التي أصبحت ضحية لتدمير منظم منذ حرب الخليج الأولى (1991) وحتى الاحتلال الأمريكي. أما لبنان فلم يسبق أن تعافى كليا منذ 17 عاما من الحرب الأهلية، ودولته مهددة الآن أكثر من أي وقت مضى، في ظل العملية المؤسسية المتكررة للبحث عن اتساق دستوري.
وبغض النظر عن الاحتلال ومأساة النكبة، فإن فلسطين تواجه تجربة جديدة مؤلمة مع الصراع على السلطة والمواجهات الداخلية.
أما إسرائيل فقد ضللت تماما من قبل طبقة سياسية فاسدة لم تتمكن من إيجاد مستقبل بديل لسكانها بعد فشلها عسكريا وسياسيا في هزيمة حزب الله في الحرب الأخيرة على لبنان (يوليو- أغسطس 2006) وحماس في فلسطين. أما مصر وليبيا فيتقاسمان مستقبلا سياسيا غير مضمون العواقب، طالما ظل منغلقا في سلطة سياسية متوارثة، مما دعا الصحافيين العرب لإطلاق مصطلح "جملكة" (دمج كلمتي "الجمهورية" و"المملكة") على هذا النوع من الأنظمة.
أما تونس فلا تزال على الأرجح أكثر النظم أحادية (كما أشاد بذلك ساركوزي) في حين أن معارضتها الإسلامية قد تكون أكثر الحركات ديمقراطية وغير العنيفة في العالم العربي. والجزائر، الغنية بعشرات المليارات من عائدات النفط والغاز، هي مسرح لأعمال شغب بسبب الجوع في المناطق الحضرية، وما زالت غير قادرة، بعد مرور 45 عاما من استقلالها، على بناء المساكن والمستشفيات والطرق والسكك الحديدية لشعب محبط يحلم بالرخاء والحرية والأمن. فنزاع الصحراء الغربية أدى إلى خلق 30 سنة من التوتر مع الجار المغربي، الذي لا يزال هو بدوره، وعلى الرغم من عملية ديمقراطية واعدة، مملكة ظلم اجتماعي يتمتع عدد قليل جدا من مواطنيها بالحد الأقصى من الحقوق والامتيازات ورأس المال، مقابل محيط واسع من الحرمان والفقر.
على الجانب الشمالي من البحر الأبيض المتوسط، نجد أن اسبانيا وايطاليا ما زالتا حساستان للغاية لأيديولوجيات اليمين التي تعتبر الجنوب هو أصل كل الأخطار. وفرنسا، المحكومة من قبل ساركوزي، تسعى لجمع هذا الشمل الغريب والمتباين من الدول التي تبدو أشبه بنادي سياسي يجمع حكاما منتخبين وآخرين متسلطين أكثر من أي شيء آخر.
إنها مفارقات مربكة ومستمرة؛ عندما تسعى أوروبا إلى التوحد، وتشجع حرية انتقال البضائع والأفراد داخل فضاء شانغان (اتفاقية الحدود المفتوحة بين الدول الأوروبية)، بينما هي تعزز وعلى نحو متزامن إغلاق حدودها.
إن مشروع لاتحاد من أجل المتوسط والذي سيحتضنه الاتحاد الأوروبي هو في جوهره مشروع فاشل، يشرف عليه أولئك الذين يرغبون في ضم كم هائل من الشعوب تمتد من جبل طارق إلى مضيق البوسفور، ضمن منظومة سياسية ثنائية الاشتغال (أي تتأسس على التمييز بين الأوروبيين وغير الأوروبيين)، وهو إلى جانب ذلك مشروع يقوم في صورته الغالبة على كاهل حكام لا يتمتعون بأي شرعية سوى الدعم الهش الذي يحظون به من طرف المستشاريات الأوروبية.
وبينما يدعي القادة السياسيون الأوروبيون دوما، بأن الشعوب تأتي في المرتبة الأولى ثم يليها الحكام في المرتبة الثانية، إلا أن الأمور على الأرض تجري على نحو معاكس تماما، إذ يأتي الحكام في المرتبة الأولى من دون منازع، بل إن الساسة الأوروبيين لا يجدون حرجا في اعتبار هذا النظام هو الأمر الطبيعي والأصلي.
تتجذر فكرة الاتحاد هذه في إنكار أوروبا للوجود التركي، وفي إنكار الديمقراطية المشروعة التي يطمح إليها سكان جنوب المتوسطي، وفي إنكار الهجرة المحتملة للعمال الشباب التي يمكن أن تسهم في إعادة التوازن الديموغرافي لشيخوخة وضعف القوى العاملة الأوروبية.
إن حلم ساركوزي المتوسطي هو تكريس للقصور الجغرافي، وانعدام المساواة الجغرافية، ومونولوجيا الجغرافيا.
وفي الواقع، فإن سكان المتوسطي أكثر اهتماما بالحداثة القادمة من آسيا الصاعدة أكثر من تركيزهم على ما يحدث في أوروبا القديمة. فهم يبحثون فيما يحدث حاليا في منطقة الخليج العربي، حيث تنبثق عدة مدن جديدة ناشئة تشبه البندقية بوصفها مراكز للأعمال التجارية والدبلوماسية الدولية، كما تنبثق أيضا عدة تجمعات حول مسطحات مائية شبيهة بالمتوسطي في دول الخليج العربي، في المحيط الهندي وما وراء مضيق ملقا.
المستقبل هو قيد التشكل في هذه المناطق، فمن سيكترث إذن بالمتوسطي؟
والحقيقة أن شعوب المتوسط ليست في حاجة إلى اتحاد سياسي، حيث إن هذا الاقتراح يأتي بعد فوات الأوان أو هو سابق لأوانه؛فمقترحو هذا المشروع ومهندسوه يفتقرون إلى نهج إنساني، ولا يتمتعون بثقل فكري أو بصيرة سياسية تخولهم إعادة التفكير في أعرق مهد للأديان والثقافات والحضارات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.