"حل الصراع العربي الإسرائيلي المفتاح للإندماج بين شطري المتوسط".. هذا ما أكدته ورشة العمل التي أقامتها مؤسسة تومسون وأدارها لبيب فهمي مراسل قناة الجزيرة. فلو رجعنا إلي اتفاقية برشلونة التي انطلقت عام 1995 بإعلانها الطموح المعروف (إعلان برشلونة) وبرنامجها المتفائل سنجد أنها فشلت في تحقيق الأهداف المرسومة لها لكون المسار ركز علي الجوانب الاقتصادية فقط ولم يول المسائل السياسية الأهمية اللازمة فنجد أن المحور السياسي والأمني (المحور الأول في عملية برشلونة) لم يتقدم بشكل جيد مما أدي إلي عدم تحقيق هدف برشلونة وفشلها نتيجة لعدم التوصل إلي تسوية شاملة واستمرار ملف النزاع (العربي الإسرائيلي) ثم جاءت سياسة الجوار (المكملة كما يقول الأوروبيون) لبرشلونة لتفشل هي الأخري في تنفيذ بعض المشاريع الإقليمية لنفس السبب مما كان له أكبر الأثر علي زيادة الهجرة السرية إلي أوروبا وخاصة من بلدان المغرب العربي وأفريقيا عامة ثم جاء مشروع ساركوزي "الاتحاد من أجل المتوسط" مما جعل البعض يعتبره الفضاء الجغرافي الذي يريد من خلاله معالجة الهجرة السرية والذي يعكس هماً أمنياً للاتحاد الأوروبي أيضا لمواجهة مشكلة الهجرة السرية. واحتضنت الدول الأوروبية مشروع ساركوزي (بعد خلاف استمر العام ونصف العام) ولكن بعد أن نجحت المانيا "ميركل" في أن تجعله أوروبيا وأصبح الاتحاد من أجل المتوسط ووافق ساركوزي علي شروط الدول الأوروبية لأنه كان يريد تحقيق أهدافه الشخصية غير المعلنة رسميا وعلي الجانب الآخر كانت دول الاتحاد الأوروبي أيضا لها أهداف غير معلنة. وظهر الاتحاد من أجل المتوسط.. ولكنه فشل بعد شهور قليلة وتم تجميده إلي الآن. ومن الواضح أن البعض كان لا يعلم الأهداف غير الرسمية لساركوزي ودول الاتحاد الأوروبي لتبني هذا المشروع. "لا أعلم إلي الآن سر الاتحاد من أجل المتوسط بالنسبة لساركوزي وخاصة أن البوادر كلها كانت شاهدة منذ انطلاقه علي فشله"، تساؤل من "روز" الباحثة في مستقبل السياسة الأوروبية في الشرق الأوسط "في المفوضية الأوروبية" جعلني أحاول استرجاع شريط المعلومات التي توافرت أثناء طرح فكرة ساركوزي "الاتحاد المتوسطي" سواء كانت الأهداف الرسمية التي أعلنها أثناء طرحه للمشروع أو محاولة ربط الأحداث في ذلك الوقت لمحاولة فهم سر ساركوزي ولو رجعنا للأهداف الرسمية التي أعلنها سنجد أنها تتلخص في النقاط التالية: تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني "مكافحة الإرهاب" و"البيئي". "انقاذ البحر المتوسط من التلوث" ومكافحة الهجرة غير الشرعية من الجنوب أو أوروبا. نري علي الجانب الآخر حلم ساركوزي الشخصي أمامنا فبرغم تركيز باريس الإعلامي علي الفوائد الاقتصادية للمشروع إلا أنها لم تستطع أن تخفي الأهداف السياسية والأمنية.. فنجد ساركوزي يعلن في خطابه بمدينة تولون 2008 أن (البحر الأبيض المتوسط مفتاح لنفوذنا العالمي).. مما يؤكد أن الهدف من الاتحاد المتوسطي سياسي لكن الاقتصاد هو المحرك له. كما يتراءي لنا أيضا حلم ساركوزي في المحافظة علي الحد الأدني من قوة فرنسا الإقليمية داخل أوروبا أمام النفوذ الألماني المتزايد خاصة "بعد إعادة توحيد ألمانيا وورثتها للنفوذ السوفيتي في معظم دول أوروبا الشرقية" الشيوعية سابقا وعدم استطاعته مزاحمتها في منطقة نفوذها الجديد. وكان الطريق الوحيد أمامه هو تفعيل دور فرنسا من خلال صلتها القديمة بمنطقة البحر المتوسط جنوبه وشرقه علي وجه التحديد وهي الصلة التي يحاول ساركوزي إعادة تفعيلها وتوطيدها من خلال مشروع (الاتحاد المتوسطي). كما أراد أن يخفف من المد الأمريكي الذي يتجه نحو القارة الإفريقية بشمالها ووسطها وجنوبها.. حيث تنافس الولاياتالمتحدةالأمريكية بقوة النفوذ الفرنسي وتهدده (أمريكا وقعت علي اتفاقية تتيح لها استيراد 40%من صادرات الغاز الجزائري حتي عام 2020) لذلك نجد أن أول زيارة قام بها ساركوزي خارج أوروبا بعد انتخابه كانت لكل من الجزائر وتونس والمغرب.. وأيضا بالنسبة للرؤية الفرنسية فإن معالجة الملف الأمني في المتوسط دون الجزائر يبقي ناقصا خاصة أن هذا البلد يضم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والذي لا يستبعد ضرب مصالح أوروبا وخاصة فرنسا المستعمر القديم. كما لاحظ ساركوزي أن الزحف الصيني يسير بوتيرة عالية علي المستوي الاقتصادي في إفريقيا خاصة بعد أن شرعت الصين في السنوات القليلة الماضية في تأسيس مواقع لها في عدد من الدول الافريقية التي كانت تعتبر في العادة مناطق نفوذ لكل من فرنسا وبريطانيا بحكم الماضي الاستعماري.