«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد عشر سنوات..ماذا حقق مشروع برشلونة؟
نشر في المصريون يوم 27 - 11 - 2005

قبل عشر سنوات انطلق ما بين بلدان الاتحاد الأوروبي الخمس عشرة، واثنتي عشرة دولة من جنوب المتوسط- حوار متعدد الأبعاد انتهى إلى إرساء مشروع أُطلق عليه مشروع برشلونة الأورومتوسطي، نسبة إلى عاصمة كاتالانيا الإسبانية التي احتضنت المؤتمر الأول للشراكة الأورومتوسطية في نوفمبر من عام 1995. ومنذ ذلك الوقت بدأ الحديث عن مشروع الشراكة هذا، وانتهى ما كان معروفاً في السابق بالحوار العربي الأوروبي الذي خلص إلى الإحفاق قبل ذلك بوقت طويل؛ بسبب العجز الأوروبي عن منافسة الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، وبسبب عدم استعداد العالم العربي للمراهنة على أوروبا، بينما هو يتسابق إلى وضع كامل البيض في السلال الأمريكية، مستعيداً مقولة السادات الذي كان يقول بأن 99% من أوراق الحل في الشرق الأوسط توجد بيد الولايات المتحدة. وتُعدّ مدة عقد من الزمن من عمر هذا المسار بين الشمال والجنوب كافية لاستخلاص أهم ما طبع تلك المرحلة، والتأمل في المردود السياسي والاقتصادي للتجربة، وما إن كانت قد حققت أهدافها التي رسمتها في البداية، وجوانب الاستفادة العربية منها. عودة إلى الجذور بدأ المشروع الأورومتوسطي الذي انطلق في النصف الأول من تسعينيّات القرن الماضي في سياق حزمة من التحولات الدولية والإقليمية التي أفرزتها مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، وبروز طموح أمريكي للعب دور أكبر على المستوى الدولي، يوازيه تطلّع أوروبي إلى مزاحمة الزعامة الأمريكية من خلال السعي إلى المزيد من الارتباط، وإنشاء عملة نقدية موحدة، والتوسع شرقاً بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وسقوط الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية. وقد أُريد لمشروع برشلونة أن يكون تتويجاً لطموح أوروبي في لعب دور أوسع في العالم العربي والضفة الجنوبية للمتوسط، انطلق منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991. ولكن التحديات والاضطرابات التي كانت تعيشها بلدان المنطقة في النصف الأول من التسعينيات أقنعت الزعماء الأوروبيين بضرورة المسارعة إلى إيجاد إطار يجمعها ببلدان الضفة الجنوبية للمتوسط، من بين تلك التحديات وعلى رأسها بالدرجة الأولى المسألة الأمنية التي ظهرت مع الأزمة الجزائرية في بداية التسعينيات، وظهور المد الإسلامي في المنطقة؛ إذ باتت أوروبا متخوفة من أن تتسع دائرة ذلك المد ليشمل باقي بلدان المنطقة، وبروز مشكلة الهجرة السرية التي كانت حتى ذلك الوقت ظاهرة جديدة، وكذلك المسألة السكانية بين ضفتي المتوسط التي كان الأوروبيون يرون فيها قنبلة موقوتة تهددهم ، تزداد مخاطرها مع ظروف الفقر وانعدام فرص التنمية الحقيقية في بلدان الجنوب، وما يعنيه ذلك من انعكاسات على الأمن والاستقرار في بلدان الشمال، وهذا ما يفسر تركيز إعلان برشلونة الأول على قضايا الأمن والتعاون الأمني بين الضفتين، ووضع سياسة أمنية مشتركة بين الجانبين. وإلى جانب هذه التحديات والاضطرابات كان هناك أيضاً التوجس الأوروبي من الدور الأمريكي في المنطقة بعد مؤتمر الدار البيضاء عام 1994 حول الشرق الأوسط وشمال إفريقية، وبعده مؤتمر عمان. فقد بدا للأوروبيين أن الأمريكيين يحثون الخطا لجني ثمار الفراغ الذي خلفته مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وشيوع الحديث عن نظام دولي جديد يجري البحث في سيناريوهاته المختلفة وأهم الفاعلين داخله. ميزان غير متكافئ وتظهر لنا قراءة هذه الجذور التي كانت خلف قرار الاتحاد الأوروبي بإنشاء إطار للشراكة مع دول الجنوب نوع التوازن الذي ساد وظل سائداً طيلة المرحلة الفائتة من عمر المشروع الأورومتوسطي ما بين بلدان الضفة الجنوبية والضفة الشمالية. ذلك أنها تبرز لنا بداية أن الأوروبيين كانوا واعين بما يريدون من مشروع الشراكة، ويتوفرون على أجندة خاصة بهم، ويحدّدون أهدافهم ضمن سياقين، الأول: تحصين القلعة الأوروبية في مواجهة بلدان الجنوب التي تسير بشكل لا يقدم أي تصور واضح لما يمكن أن يكون عليه مستقبلها، بالنظر إلى استشراء الفساد فيها ، ووجود فجوة بين الحكام والشعوب ، وانتشار الفقر والبطالة مما يهدد استقرارها على المدى المنظور. والثاني: الوقوف في وجه التقدم الأمريكي الذي كان يسعى هو الآخر إلى وضع أسس علاقة جديدة مع بلدان المنطقة، بدأت مع مؤتمر الدار البيضاء، وتجلت بوضوح لدى الإعلان عن الشراكة الأمريكية المغاربية عام 1998، أو ما سُمّي وقتها بمشروع "إيزنستات"، نسبة إلى نائب كاتب الدولة الأمريكي في التجارة وقتذاك. أما على الجانب الآخر، فلم يكن هناك تنسيق بين بلدان الضفة الجنوبية من شأنه أن يشكل عامل توازن مع الأوروبيين، ويحدد أجندة خاصة بها بالتوازي مع الأجندة الأوروبية. فالاتحاد المغاربي كإطار إقليمي وحيد يجمع أكثر البلدان الاثني عشر التي وقّعت على إعلان برشلونة كان إطاراً جامداً بسبب الخلافات المغربية الجزائرية، والخلافات الليبية المغاربية على خلفية تخلي الأعضاء الآخرين في الاتحاد عن دعمهم لها في ملف (لوكيربي) وطائرة (يوتا) الفرنسية، وفوق ذلك تم استبعادها من المشاركة في قمة برشلونة نظراً لوجودها تحت طائلة العقوبات المفروضة عليها من الأمم المتحدة منذ العام 1992، وحضرت فقط بصفة مراقب ، فشاركت كل دولة من الدول الأربع المتبقية ( المغرب وموريتانيا والجزائر وتونس ) منفردة لا كجزء من إطار إقليمي مشترك. ومن جهة ثانية تم إقحام إسرائيل في مشروع الشراكة المتوسطية من طرف الأوروبيين ، كدليل على رغبتهم في لعب دور في مسلسل السلام في المنطقة، وكان ذلك أحد عناصر الهدم المبكرة في ضوء الإخفاق المتكرر لمشاريع التسوية السياسية، وعدم حصول ميل عربي علني على الأقل إلى التطبيع مع الدولة العبرية وقتها. كل هذه المعطيات جعلت مسلسل برشلونة حوارًا ناقصاً بين طرفين يوجدان في وضعية غير متكافئة، طرف يستمع فقط ، وآخر يتحدث أو يملي. ثلاثة مسارات تمحور مشروع الشراكة الأورومتوسطي كما صاغه إعلان برشلونة عام 1995 حول ثلاثة مسارات: المسار السياسي والأمني، من خلال السعي إلى إقامة منطقة مشتركة للسلام والاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ويرتبط بهذا الهدف تقوية التعاون الأمني بين الأطراف، وتنسيق السياسات لمحاربة الإرهاب والعنف والجريمة المنظمة والقيام بإصلاحات سياسية. ثم المسار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي يرمي إلى بناء منطقة مشتركة للازدهارمن خلال حل معضلة المديونية التي تثقل كواهل بلدان الجنوب، وتشجيع التعاون بين الأطراف، ومساعدة الأوروبيين لدول الجنوب من أجل تحقيق النهوض الاقتصادي، وإيجاد فرص الشغل، وإدخال الإصلاحات الهيكلية على مؤسساتها الاقتصادية، وتعديل القوانين الموجودة لجلب الاستثمار، عبر آلية أطلق عليها برنامج "ميدا" للدعم المالي، ويسعى هذا المسار إلى إنشاء منطقة للتبادل الحر بحلول عام 2010. أما المسار الثالث والأخير فهو الجانب الثقافي والاجتماعي، ويرتبط بذلك إصلاح البرامج التعليمية، وتنمية الموارد البشرية، وإيجاد ثقافة للتسامح واحترام الهوية الثقافية للدول. وبالرغم من أنه أريد لهذه المسارات الثلاثة أن تسير متلازمة مع بعضها، إلا أن الواقع أظهر في السنوات القليلة التالية للتوقيع على إعلان برشلونة، وطيلة المؤتمرات التي عُقدت حتى اليوم ( مالطا 1997، شتوتغارت 1999، مرسيليا 2000، فالنسيا 2002، نابولي 2003 واللوكسمبورغ 2005) أن الأوروبيين غير مستعدين للوفاء بالوعود التي قطعوها على أنفسهم أمام بلدان الجنوب، سواء من خلال عدم الجدية في التعاطي مع أزمات الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية تحديدا ؛ إذ بقيت علاقة أوروبا بالمنطقة قاصرة على الدعم المالي دون لعب أي دور سياسي، وفي حالات كثيرة كانت تتهرب من إدانة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، ولا تتخذ قرارات واضحة وصريحة، أو من خلال ضعف المعونات المالية المرصودة ضمن برنامج (ميدا) التي لم ترق إلى طموح بلدان الضفة الجنوبية؛ إذ لم تكن تمثل قيمة ما يقدمه هذا البرنامج في الفترة ما بين (1995 -2000) سوى خمسة مليارات يورو، وظل نفس الغلاف المالي تقريباً مخصصاً للمرحلة الثانية من البرنامج للفترة ما بين (2000 -2006)، مما أعاق -بحسب العديد من المهتمين الأوروبيين أنفسهم- تحقيق أهداف مشروع برشلونة فيما يتعلق ببلدان الجنوب، الأمر الذي دفع الأوروبيين إلى إعادة النظر في البرنامج، فأعلن وزير الخارجية الإسباني (ميغيل أنخيل موراتينوس) لوكالة (أوروبا بريس) قبل أسبوع أن الاتحاد الأوروبي سيرفع الدعم المالي المخصص ضمن برنامج (ميدا) للفترة ما بين (2007 -2013) إلى (1500) مليون يورو، الأمر الذي يؤكد أن الأوروبيين بعد عشر سنوات من انطلاق المسلسل باتوا يدركون محدودية الشراكة كما تم وضعها في إنفاذ أهدافها المرسومة. الأجندة الأمريكية في مقابل الأجندة الأوروبية لقد شكلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001 منعطفاً حاسما بالنسبة لمسار الشراكة الأورومتوسطية، وللسياسات الأوروبية حيال الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط الذي أصبح أكثر فأكثر جسراً لعدم الاستقرار ومنطقة مليئة باحتمالات التهديد المستقبلي. خلطت السياسة الأمريكية التي قادها اليمين الأمريكي المحافظ الأوراق في المنطقة وفي الكثير من مناطق العالم، إذ سعت الإدارة الأمريكية بزعامة الجمهوريين والمحافظين الجدد إلى تشكيل تحالف دولي ضد الإرهاب، "تحالف الراغبين" في الالتحاق به حسب مقولة الرئيس الأمريكي جورج بوش، كان أحد أهدافه -وبشكل واضح- إبعاد أي نفوذ أوروبي في المنطقة المتوسطية وباقي جهات العالم، والتمكن من جر الأوروبيين وراء واشنطن تحت لافتة محاربة الإرهاب، واسترجاع النفوذ الأمريكي في أوروبا إبان مرحلة الحرب الباردة حينما كانت الإدارة الأمريكية تسير أمام الأوروبيين بدعوى محاربة الشيوعية وتتزعم حرب النجوم ضد الاتحاد السوفياتي. فظهر التنافس على أشده بين الاتحاد الأوروبي ممثلاً في الثنائي الفرنسي الألماني؛ إذ أدرك البلدان أن واشنطن تحضر من وراء رفع شعار محاربة الإرهاب المزعوم خططاً جديدة تنفرد بوساطتها بمقاليد الأمور في السياسة الدولية. وصار التنافس أكثر شراسة عندما هاجم وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد قبيل الحرب على العراق كلاً من برلين وباريس، واصفاً إياهما ب"أوروبا العجوز" التي لا تحتاج إليها واشنطن بقدر ما تراهن على البلدان الأخرى الملتحقة حديثاً بالاتحاد الأوروبي كقوى صاعدة وحليف قوي للأمريكيين. في أعقاب تلك الأحداث وضعت الإدارة الأمريكية مشروع الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا عام 2002، الذي شمل هو الآخر البعد الاقتصادي والسياسي والثقافي والأمني، وفق تقسيم معين لبلدان العالم العربي والإسلامي. وقد لقي هذا المشروع في بدايته ردود فعل أوروبية غير مرحبة، خاصة من لدن فرنسا وألمانيا، وتم وضع ورقة أوروبية حول الإصلاحات السياسية في العالم العربي ودمقرطة الأنظمة العربية، وأخيراً انتهى الأمر عند نقطة تقاطع بين الأوروبيين والأمريكيين الذين اضطروا لتحصيل الدعم الأوروبي إلى إدخال تعديلات على ورقتهم، وعقد أول مؤتمر لتسويق المشروع في العاصمة المغربية الرباط. وقد أظهر مشروع الشرق الأوسط الكبير أن العالم العربي والإسلامي أصبح مرتهناً بين نوعين من الأجندة: الأجندة الأمريكية التي تتجلى في مشروع الشرق الأوسط الكبير، والأجندة الأوروبية الممثلة في مشروع الشراكة الأورومتوسطية، وبالقدر الذي كان الأول يتقدم بخطوات محسوبة عبر إجراءات أقدمت عليها الإدارة الأمريكية مع عدد من البلدان العربية والإسلامية من المغرب إلى باكستان، شملت كافة الجوانب من الأمن والتعليم إلى الاقتصاد والتحالفات العسكرية، مرفقة بضغوط خفية أو ظاهرة، كان المشروع الثاني يتراجع تدريجياً ليصبح مجرد ذكرى، وتحولت اللقاءات التي كانت تُعقد في إطاره إلى شكل من الندوات أو حلقات النقاش أو لقاءات المجاملة. الأمن أولاً... الأمن أخيرا ً من الواضح أن السنوات العشر الماضية لم تكن في مستوى توقعات بلدان الجنوب التي راهنت عليها في البداية؛ إذ بالرغم من الخطابات الأوروبية المتكررة استمرت الفجوة الواسعة بين بلدان الضفتين نسبة إلى الدخل الفردي وحجم النمو الداخلي، وأخفقت هذه الدول في التوصل إلى صيغة للتنسيق أو التعاون الاقتصادي فيما بينها كما هو محدد في إعلان برشلونة الذي
يتحدث عن تكامل اقتصادي جنوب جنوب قبل الدخول في مرحلة 2010، وكمثال على ذلك فإن المبادلات بين بلدان الاتحاد المغاربي الخمس، وهي المغرب وموريتانيا والجزائر وتونس وليبيا ، لا تتجاوز 3% من حجم مبادلاتها مع الخارج. واستمر الوضع في بلدان الجنوب خلال هذه الفترة مستقراً في مكانه تقريباً؛ إذ لم تتجاوز نسبة النمو 3.9% ما بين (1995 -2003)، أما نسب البطالة فلا تزال تهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي، ولا تزال بلدان الجنوب بعيدة عن طموح الوصول إلى (90) مليون منصب شغل في أفق عام 2020. ولكن المفارقة في مسلسل الشراكة أن الأوروبيين في الوقت الذي يتحدثون فيه عن تنمية الجنوب يغلقون الباب أمام منتجاته الفلاحية في اتفاقيات التبادل الحر، ويدعمون الفلاحة الأوروبية، مما يكشف أن الأوروبيين لا يضعون في أولوياتهم النمو الاقتصادي لبلدان الجنوب بقدر ما يهتمون بالجانب الأمني فحسب، ويتساءل بعض الخبراء الأوروبيين: إذا كانت أوروبا قد أخفقت طيلة السنوات الماضية في منح شيء للجنوب عندما كان الاتحاد يتشكل من (15) دولة، فكيف تستطيع فعل ذلك اليوم بعد أن أصبحت منشغلة بالبلدان العشرة من شرق أوروبا واتسعت إلى (25) دولة؟ ويظهر جلياً أن مرحلة ما بعد تفجيرات الدار البيضاء ومدريد واستانبول ولندن وعمان قد دفعت الاتحاد الأوروبي إلى الإقرار بأن الأولوية للأمن وتحصين ذاته في مواجهة المخاطر المحتملة، فالأوروبيون اليوم باتوا منشغلين أكثر بقضيتين: قضية الأمن والإرهاب، وقضية تدفق المهاجرين غير الشرعيين. وإذا كانت تفجيرات بعض العواصم الأوروبية تعطي مصداقية لهذا الاهتمام بنظر الأوروبيين، فإن ما حصل من مآس على الحدود بين سبتة ومليلية المحتلتين في شهر أغسطس الماضي وفي جزيرة لامبيدوسا الإيطالية، وما حدث في بعض الأحياء الشعبية بالعاصمة الفرنسية قبل أيام- يزيد في قناعة الأوروبيين بمخاطر الهجرة غير المتحكم بها، ويحفزهم إلى إيجاد سياسات للتصدي لهاتين القضيتين، بينما على بلدان الجنوب الوقوف في الطابور، بانتظار أن تسحقهم مقتضيات التبادل الحر عام 2010، إذ لا أحد وعلى رأس هؤلاء الأوروبيون أنفسهم يستطيع الزعم بأن الخمس سنوات المتبقية ستكون كافية لدول الجنوب من أجل حسم قضايا ثقيلة مثل: رفع نسبة النمو، ومحاربة البطالة، وجذب الاستثمار، وتأهيل الاقتصاد الداخلي. المصدر : الاسلام اليوم

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.