الاهرام 23/12/2007 حين ترتفع الأسعار وتتطلب المعيشة ربط الحزام وتقليل النفقات.. وقتها قد يسهل علينا التوفير في كل شيء مأكل.. مسكن.. ملبس.. وسائل ترفيه.. دروس خصوصية.. ولكن كيف نستطيع التوفير في العلاج؟! فالمرض هو الشئ الوحيد الذي لا دخل للانسان فيه والدواء لا يستطيع احد تجنبه او حتي تقليله. واذا كان هناك من يقدر بالكاد علي توفير ثمن الدواء حتي لو جاء ذلك علي حساب بقية متطلباته.. فماذا يفعل حين يرتفع ثمنه اكثر من اللازم؟! إما أن يعزف نهائيا عن تناوله لعدم قدرته علي تحمل نفقاته, وإما أن ينتظر دوره في المستشفيات الحكومية ليحصل علي الدواء بالمجان إن وجده!!! المدهش ان وزارة الصحة قررت زيادة اسعار70 نوعا من الادوية دفعة واحدة ووفقا لمصادر مطلعة تراوحت الزيادة بين20% و50% وشملت47 نوعا من المضادات الحيوية واربعة انواع من مضادات الالتهاب والروماتيزم وخمسة انواع لمطهرات الجروح ونوعين لكل من الحساسية وادوية الضغط والقرحة وثلاثة انواع للكحة والسخونة للاطفال تنتجها15 شركة ومن بين الادوية التي شملتها الزيادة المضاد الحيوي ابياموكس500 وارتفع سعره من ستة جنيهات الي ثمانية جنيهات للعبوة12 كبسولة وبوتاسيد375 مللي من35 جنيها الي40 جنيها, ويوناسين250 مللي من27,5 إلي33 جنيها, وفيبرايسين1100 مللي من18 جنيها الي24 جنيها وسليبريكس200 مللي من25 جنيها الي40 جنيها. اتجهنا الي الصيدليات لرصد ردود افعال المرضي ومدي مقدرتهم علي توفير الدواء. قالت لنا فاطمة عبد اللطيف كنت اوفر ثمن علاج ابني المريض بالكاد, وحينما حضرت لشرائه هذه المرة وجدت اسعاره ارتفعت بنسبة كبيرة, ولم نستطع شراءه وانتظر رحمة الله. ورفض سليمان عبده موظف شراء علبة دواء زيماجالين بعد أن وجد سعرها ارتفع من4,5 جنيه الي8,25 جنيه ودواء آخر سفلانيل من4 جنيهات الي8,25 جنيه وقرر العودة للطبيب ليكتب له نوعا آخر أرخص. أما سامي غريب موظف فزوجته مريضة بمرض مزمن ويتكلف علاجها شهريا150 جنيها.. أكد أن أسعار الادوية تتزايد من حين لآخر في الخفاء وبشكل مفاجئ, وفي كل مرة يكون الضحية المرضي محدودو الدخل الذين يضطرون في اغلب الاحيان الي التنازل عن عدد من جرعات الدواء المقررة لهم لعدم مقدرتهم علي شرائه بسبب ارتفاع سعره, مشيرا الي ان هؤلاء المرضي يتركون شفاءهم علي الله دون الاعتماد علي الادوية التي اصبح شراؤها يحتاج الي ميزانية خاصة. ويؤكد د. ابراهيم عزيز( صيدلاني) انه لا يعرف السبب الرئيسي وراء ظاهرة ارتفاع أسعار الادوية بهذا الشكل مشيرا الي قيام اصحاب الشركات الخاصة بتصنيع الادوية لرفع اسعار المواد الفعالة طبقا لأهوائهم ورغباتهم دون التفكير في أي اعتبارات أخري. ويضيف د. محمود عبد المقصود امين عام نقابة الصيادلة ان تسعير الدواء كان له بعدان بعد اقتصادي وبعد اجتماعي, وفي الفترة الاخيرة ضاع البعد الاجتماعي واصبح يسيطر علي عملية تسعير الدواء البعد الاقتصادي فقط مراعين مصالح الشركات ولاسيما الشركات العالمية متعددة الجنسيات لما لها من قوة ضغط وخلافه ونتج عن ذلك ضياع مصالح المريض المصري الذي اصبح يعاني معاناة شديدة من سعر الدواء, والصيادلة بصفتهم المواجهين للمريض عند صرف الدواء يشعرون بمعاناة المواطن المصري من اسعار الدواء التي اصبحت تكوي ليس فقط الفقير بل متوسطي الحال ايضا, لذلك قامت النقابة بإصدار بيان بهذا الصدد تعلن فيه عن قلقها من هذا الاتجاه0 الذي تغافل البعد الاجتماعي في تسعير الدواء, وطالبت في هذا البيان التدخل لرفع هذه الاعباء عن المريض المصري منبهة الي ان الدواء هو الشئ الوحيد الذي لا يتناوله الانسان بارادته ولا يستطيع ان يوفر فيه ان الامن الدوائي يسبق نواحي كثيرة من أنواع الأمن! ويؤكد د. محمود عبد المقصود علي ان هناك241 صنفا من ادوية مناقصة وزارة الصحة وعددها500 تأخذها الوزارة باسعار تصل الي ثلث الثمن واقل, اي باسعار متدنية جدا وقد تم زيادتها للجمهور في السنة الاخيرة بنسبة تصل الي10% من استهلاك جميع انواع الدواء في مصر بمعني اننا نستهلك بحوالي10 مليارات جنيها سنويا. ويشير د. احمد رامي عضو مجلس النقابة العامة الي ان هناك تفاوتا شديدا بين اسعار الادوية التي تحتوي علي نفس المادة الخام فمثلا في شركات قطاع الاعمال التي تنتج مضادا حيويا يحتوي علي مادة الدوكسي سيكلين فهو يباع للجمهور بسعر4 جنيهات في حين ان احدي الشركات متعددة الجنسيات تبيع المضاد الحيوي الذي يحتوي علي نفس المادة الفعالة ب18 جنيها, وفي شركة الاستثمار تنتج نفس المادة الفعالة ويباع للجمهور ب9 جنيهات, ومع العلم ان هذا المضاد الحيوي الذي تنتجه هذه الشركة تم رفع سعره مرتين خلال العام الماضي. وللعلم والكلام لايزال للدكتور احمد رامي فإن ما يجعل الطلب علي الاصناف التي تنتجها هذه الشركات ليس بفاعلية الدواء وتأثيره ولكن بحجم انفاق هذه الشركات علي مجال الدعاية! ومن المعروف ان الجهة الرقابية التابعة لوزارة الصحة التي تجيز تداول جميع الأدوية لا تسمح بتداولها الا بعد تجارب الاتاحة الحيوية, والتي تعني ان جميع المستحضرات التي تجاز وفقا لهذه الاختبارات تستطيع تحقيق ذات الفاعلية لتلك الامراض التي تستخدم علاجها!. وان النظام المتبع في التسعير يجعل كل زيادة في سعر المادة الخام تنعكس علي زيادة في جميع عناصر التكلفة ورقيا بخلاف الواقع فعلي سبيل المثال فإن تكلفة عملية التصنيع نفسها لا تزيد الا بزيادة اجور العاملين وهذا لا يتزامن مع زيادة سعر الدواء وان ما روج له في التسعيرة الاخيرة من ان زيادة سعر احدي المواد الخام هي مادة ساليكتام احد اسباب ارتفاع اسعار الدواء غير صحيح لان هذه المادة لا تدخل في صناعة نصف الادوية التي تم رفع سعرها.. وعامة فإن السبب وراء ارتفاع سعر هذه المادة الخام يرجع الي صيانة احد المصانع الكبري المنتجة له في الصين مما ادي الي انخفاض الكمية المعروضة بصورة مؤقتة, وهو السبب الذي اتخذته الشركات متعددة الجنسيات ذريعة لرفع اسعار الأدوية! ويرد الدكتور عبد الرحمن شاهين المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة والسكان بقوله: طرأت زيادات مطردة علي اسعار الدواء في مصر بين الحين والآخر, وجميعا نذكر في اوائل السبعينات عندما طرحت احدي الشركات العالمية في مصر احد المضادات الحيوية الحديثة التي تستخدم مرة واحدة يوميا, واذكر انه تم تسعيره بمبلغ180 قرشا لعبوة5 كبسولات وفي هذا الوقت علي وجه التحديد واجهت الشركة المنتجة وهي احدي الشركات العالمية صعوبات كثيرة في ترويج هذا المستحضر الدوائي لارتفاع سعره وكان متوسط سعر المضاد الحيوي في هذا الوقت بين50 و60 قرشا وبالطبع فإن الوضع قد تغير الآن كثيرا لاعتبارات مختلفة منها اولا زيادة اسعار المواد الفعالة المستوردة من الخارج في معظم الاحيان وايضا بنود وعناصر التكلفة والتي تتضمن مواد التعبئة والتغليف ومصروفات التشغيل, وايضا مصروفات المكاتب العلمية الي جانب هامش ربح الشركة المنتجة والشركة الموزعة وهامش ربح الصيدلي وتحول هذه الدواء من سعر80 قرشا الي18 جنيها الآن فلم تحدث هذه الزيادة بين يوم وليلة, ولكن حدثت علي مدار ال37 سنة الماضية كما حدث ايضا لكل ما تستخدمه من سلع وخدمات والتي واكبها متغيرات في معدلات الدخل والوضع الاقتصادي عموما.. والجدير بالذكر هنا ان عملية تسعير الدواء مازالت تخضع لنظام التسعير الجبري من قبل وزارة الصحة والسكان, والذي بموجبه تتقدم الشركة المنتجة بقوائم التكلفة الفعلية المعززة بالمستندات والفواتير الخاصة بكل عنصر من عناصر التكلفة الفعلية والتي تنتهي بسعر بيع الجمهور المقترح من قبل الشركة بعد خصم هوامش التوزيع والصيدلي.. ويضيف أن هناك في وزارة الصحة لجنة للتسعير مشكلة بقرار من وزير الصحة والسكان, وتضم خبراء واخصائيين في الصناعة وايضا اطباء ممارسين في جميع التخصصات حيث يوكل الي هذه اللجنة مسئولية النظر في جميع العناصر الخاصة بالتكلفة وايضا اسعار الادوية البديلة, والاهمية العلاجية لهذا المستحضر للنظر في الموافقة علي السعر المقترح او ما تراه اللجنة من سعر مناسب لكل مستحضر وترفع اللجنة بعد ذلك توصياتها الي الوزير لاعتماد السعر من عدمه, ويسري هذا الاجراء علي كل مستحضر دوائي مسجل في مصر. اما فيما يتعلق بالزيادة السعرية التي قد تطرأ علي بعض المستحضرات الدوائية فإن العملية تتم بدءا من تقدم الشركة المنتجة بمستندات موثقة تفيد ارتفاع اسعار وتكلفة اي عنصر من عناصر تكلفة المنتج ويتم بعد ذلك عرض الطلب علي نفس لجنة التسعير للتحقق من صحة المستندات ثم تقرر الزيادة السعرية الواجبة من عدمها, ثم يرفع التقرير بعد ذلك للوزير للاعتماد. ويؤكد د. عبد الرحمن انه ومن خلال خبرات السنوات الكثيرة الماضية ومن خلال تحريك اسعار بعض المنتجات الدوائية وجد ان اهم عنصر من عناصر التكلفة هو سعر المادة الفعالة, والتي غالبا ما يتم استيرادها من الخارج وتخضع معظم الاحيان للمتغيرات في السوق العالمية سواء من ناحية قاعدة العرض والطلب, أو التغير في تحريك اسعار العملات, أو ارتفاع سعر السوق العالمية. وهذا قد حدث بالفعل في الشهور الماضية لبعض الخامات الدوائية المهمة, والتي ارتفع اسعارها بشكل ملحوظ جدا نتيجة غلق بعض المصانع المتخصصة في انتاج هذه الخامات في الصين نتيجة مخالفات بيئية والتي أدت الي نقص كبير في توفر هذه الخامات في السوق العالمية. يظهر في مثل هذه الحالات امام اللجان المختصة خياران لا ثالث لهما, اما ان تتوقف هذه الشركات المنتجة والتي لها مصانع في مصر عن انتاج هذه الادوية التي اصبحت تمثل عنصرا اساسيا في تحقيق خسارة مالية او تقلل من انتاجها او البديل الثاني وهو زيادة سعر البيع لهذه المستحضرات بعد التأكد من جدوي هذه الزيادة مع مراعاة البعد الاجتماعي للمريض ودون تحميله اكثر من طاقاته حتي لا يعاني المريض نقص الدواء او البحث عن وسائل غير مشروعة وغير آمنة للحصول علي هذا الدواء او البحث عن تجار الشنطة للحصول علي العلاج! وهنا يجب الاشارة ايضا الي انه في مصر يوجد اكثر من4000 مستحضر دوائي متداول في الاسواق وكلها مسجلة ومسعرة من وزارة الصحة والزيادة التي طرأت أخيرا في اواخر الشهر الماضي كانت تخص34 شكلا صيدليا ل15 مستحضرا بمعني ان مستحضرا واحدا قد يكون مطروحا منه اكثر من تركيز او شكل صيدلي من شراب او كبسولات أو حقن ومن المؤكد ان الزيادة الاخيرة التي تراوحت بين8% و20% كانت لاصناف لم يطرأ عليها زيادة سعرية منذ فترة طويلة وبعضها يستخدم في المستشفيات والبعض الآخر في العيادات الخارجية.. وعلي سبيل المثال فإن هناك مستحضرا مطروحا للاستخدام منذ اكثر من20 عاما في عبوة تحتوي علي30 قرصا وسعره جنيهان ونصف الجنيه واصبح السعر بعد الزيادة35 جنيها وهناك صنف آخر وهو بيتادين المطهر وهو مسعر لعبوة200 مللي ب7 جنيهات وتمت زيادة سعره الي9 جنيهات وهذه مجرد امثلة. وردا علي ما اثير من ان وزارة الصحة تجامل شركات الادوية وتضع مصالحها الاولية علي حساب المرضي فيؤكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة علي ان وزير الصحة لا يجامل احدا علي حساب المرضي والشركات كلها في ميزان واحد بدليل انه في العام الماضي تضررت احدي الشركات المحلية الوطنية من اسعار التكلفة ودرست هذه الحالة بمعرفة اللجان المختصة ووافق الوزير علي زيادة بعض اصناف هذه الشركة دون ادني مجاملة فالقرار لا يأتي الا بعد الدراسة. المزيد من التحقيقات